مُحاولاتُ تعويض مجموعة قصصية للمؤلفة لمياء الفالح

مُحاولاتُ تعويض مجموعة قصصية للمؤلفة لمياء الفالح
الكاتب: 
الدكتور سمير محمود

الدكتور سمير محمود

أديب ودكتور جامعي - مصر
الثلاثاء, أبريل 5, 2022 - 14

 تبدو مكوّنات العالم السردّي المكثّف بالوصف والغوص في خبايا النّفس البشريّة في مجموعة الكاتبة لمياء الفالح القصصّية الصّادرة حديثا عن دار نحن للنشر والتوزيع ممتلئا بالمشاعر الإنسانيّة المرهفة التي تثقل القلب بالأحزان والشجن تارة لتحلقّ به إلى السعّادة المفرطة والأماني التي يسهل الحصول عليها طورا آخر.

‎تتكوّن المجموعة القصصّة التي تمتدّ على 132  صفحة من ثلاث أقاصيص طويلة تحمل الأولى عنوان "حلمُ ليلة شتوّية" والثانية بعنوان "مُحاولات تعويض" وهو نفس العنوان الذي تصدّر المجموعة ككل في حين كان عنوان الحكاية الثالثة "أعد إليّ قلبي".

‎هذا المولود الأدبي هو الثّاني للمياء الفالح بعد رواية أحببتُ جلاّدي التي نالت استحسان القرّاء ورضاهم عموما في حين استنكر البعض غرابة العنوان.

‎كان التّركيز الأكبر في هذه المجموعة القصصّة على الجوانب الأربعة التي عوّدتنا الكاتبة الشّابة على الخوض فيهم بأسلوب كتابة جميل وشيق يتميّز بالعمق والسّلاسة. وتتمثل أساسا في البعد النّفسي والعاطفي والإنساني والإجتماعي للشّخوص الأساسيّة التي تحرّك مجرى الأحداث.

‎مُحاولات تعويض هو عنوان شامل وجامع يحيل عن طريق الإيحاء إلى ما يجري داخل القصص الثلاث وعن رابط مشترك يجمع بينهم وإن اختلفوا في الجوهر والأفكار والطّرح. حيث تدور الفكرة الرّئيسيّة حول النّكساتِ والكبوات التي يتعرّض لها الإنسان في تجاربه الحيّاتيّة والتي تُسقطه اضطراريّا في حلقة مفرغة من الآلام والمشاعر السّلبيّة نتيجة فشله. الأمر الذي يدفعه ضرورة للإسراع في البحث عن حلول جديدة بلا تفكير أو منطق هروبا من واقع لم ينل رضاه. غالبا ما تنتهي مثل هذه التجارب بفشل أكبر لأنّ الانسان نفسيّا سيحتاج بداية إلى وقت للتّشافي والتّعافي كي يستطيع الوقوف والبدأ من جديد ولو حدث وتسرّع في محاولة التّعويض فإنّه بمثل هكذا خيارات سيكون قد ظلم نفسه وظلم غيره دون قصد.

‎حلم ليلة شتويّة 
‎بطلة القصّة الأولى هي شابّة في الثلاثين من عمرها تعيش منذ خمسة عشر عاما في بلاد المهجر وتجد صعوبة بالغة في التأقلم والتّعوّد على نمط الحياة هناك. فتقع فريسة الوحدة والعزلة والإغتراب وتستنزف كلّ طاقتها في العمل لكنّ زملائها يتهامسون حولها وينعتونها بالإنطوائية والمريبة والغامضة فقط لأنها تعجز عن تكوين صداقات معهم.
‎الكآبة التي تطغى على حياتها والفراغ الذي يلازمها جعلاها تبحث عن بديل يرضيها في عالم الخيال والأحلام والأماني الضّائعة لتهرب بذلك من الواقع الذي لم ولن يرضيها مهما حاولت تطويعه لصالحها، ولتغذّي مشاعر الحبّ داخلها عن طريق العيش في الوهم فإلى أيّ حد سيكون الحلّ الذي اتّبعته ناجعا.

‎مُحاولات تعويض 
‎في هذه الحكاية يموت حبيب البطلة الذي رافقها وعشقها لسنوات بطريقة مأساويّة فتنقلب حياتها رأسا على عقب بعد وفاته وتجد صديقها المقرّب الذي رافقها في مقاعد الدّراسة منذ كانت طفلة يعرض عليها الزّواج بعد انفصاله عن خطيبته معتبرا أنها ستكون الطريقة المثلي التي سيتخلّصان منها من أحزان الحب الموجعة والتخلّص من الماضي. توافقه الفتاة بلا وعي ويتزوّجان دون علم أحد الأمر الذي يدفع عائلتها الفقيرة إلى التبرّأ منها ويجعل عائلته الغنيّة تعاملها بإزدراء بسبب الفوارق الإجتماعية. العيش في أحضان رجل لا تحبّه وخيانته لها وذكرى حبيبها الراحل، هل من الممكن أن يكون حملها بطفلها الأوّل حلاّ لتحسين العلاقة بها ؟ هذا ما سيكتشفه القراء.

‎أعد إليّ قلبي
‎في القصة الثالثة انتقلت الكاتبة من الرّومنطيقية الطّاغية إلى الرّعب النّفسي حيث يظهر هنا جليّا تأثّرها بالأدب القوطي والسوداويّة والرومانسيّة القاتمة. كما استعملت تقنية الإسترجاع خلال السّرد لتضفي عليها هالة من الغرابة وتزيدها تشويقا.

‎تبدأ الأحداث برجل يدخل إلى أحد الأطباء المختصين في زراعة القلب بحالة هستيريّة طالبا منه أن ينتزع قلبه الذي سبق وزرعه له منذ عشر سنوات. فيستغرب الطبيب ويرفض مطلبه ليمسك الرّجل بعد ذلك مشرطا محاولا شق صدره ونزعه بنفسه مدّعيا أن حياته تحوّلت إلى جحيم بسبب هذا القلب اللّعين.

‎تتالي الأحداث بعد ذلك لتكشف أن هذا الشّخص النّافذ قد قتل زوجته وأن القلب الذي ينبض داخله إلى اليوم هو نفس قلب الزّوجة التي يظهر شبحها أمامه بشكل تراجيديٌ بين الفينة والأخرى طالبة منه أن يعيد لها تلك العضلة التي تخصّها. كيف ستكون نهاية هذه القصة الغريبة وما المغزى منها ؟ هل هو الحبّ الذي لا يفنى بالموت أم هو انتقام شبح يبحث عن سبيل إلى السّلام ؟ أم أنّها محاولة فاشلة لتعويض قلب طاهر ونقي بآخر فاسد لا ينبض للحب ؟! هذا ما سيكتشفه القراء بعد مطالعة الكتاب .

 

 


Deprecated: Directive 'allow_url_include' is deprecated in Unknown on line 0