(الرواية: تجارب نسوية)

مقالات عامة
الدكتورة رولا خالد غانم يكتب : (الرواية: تجارب نسوية)
الكاتب: 

الدكتورة رولا خالد غانم

أديبة
السبت, سبتمبر 16, 2023 - 03
الكتابة سحر..مثلما  يجذب المغناطيس الحديد ينجذب المسحور بالكتابة على الورق، الإبداع ليس تجربة..الإبداع تخلّقٌ داخل ذات..هذه الذات المشغوفة بالأبدية… الإبداع إحدى ثمرات شجرة الأبدية…لذلك نجد الذين عرفوا سر هذا المغناطيس..التصقوا به دون انفكاك.. أو ليست الحكاية هي سر اندهاشنا الدائم؟..فكلما قال أحد منا قصته أصغت إليه مسامعنا ومداركنا معا.. الحكاية أول شيء في كتاب الإبداع حتى العبادات حتى المعتقدات حتى  التهجد والصلوات..جميعها أتت عبر الحكاية..وعبر السرد أو لم يقل القرآن الكريم.."نحن نقص عليك أحسن القصص"؟؟ إن الإبداع منشؤه: أنني اريد أن أخبرك بالسر الذي علمت جوهره... وهذه الطريقة في الإخبار هي الاسلوب والهوية التي تشكل تجربة الفرد المبدع لذا فلا إبداع دون طريقة أو أسلوب، وبدون حكاية..ومن هنا تبدأ الحكاية، وقد احتلت الرواية الصدارة من بين الفنون الأدبية محليا ودوليا، فهذا زمن الرواية بلا أدنى شك، وقد شهدت الرواية العربية تحولات في العقود الأخيرة تبعا للتحولات السياسية والثورة المعلوماتية والتطور التكنولوجي والانفتاح على العالم، سواء على مستوى الشكل أو المضمون فخرجت من شكلها التقليدي المألوف إلى شكل جديد يتبع الحداثة، وفي جنتنا فلسطين تتنوع أصناف الأدب مشكلة لوحة إبداعية يرسمها كتابنا بألوانهم المتنوعة...من هنا سأتحدث عن تجربتي ككاتبة فلسطينية.. مثلما تنبت الأزهار والنباتات في الأراضي الخصبة، ويكون للماء حضور فيها، ينبت الأدب في داخلي، فكيف لا تكون  الرواية عالما محفزا لظهور النبات الإنساني، هذا هو الحافز الأهم من  وراء صناعتي للرواية وما سبقها من نتاج أدبي، ولما سيأتي لي من أعمال، فأنا بانتظار أن يأذن لي الزمن  بخلقها ،وإدراجها على صفحات هذا  الوجود،المتعب،إن كتابة الرواية الحافز الذي يدفع بي نحو البقاء وليس البقاء فحسب بل الخلود الأبدي كما أسلفت. وسأسلط الضوء على رواية الخط الأخضر،  وهي باكورة أعمالي، فكلامي نابع من قلبي، ومن ثم على الرواية العربية متخذة زينب حفني السعودية نموذجا.لقد عبر الأدب الفلسطيني ومنه الرواية عن الهم الجمعي، فراح الأديب يكتب من قلب المعاناة ويبث من خلال أعماله كل أحاسيسه معبرا عن سخطه على النكبة والنكسة واللجوء، مصورا الإرهاب بأبشع الصور، ومخيمات اللجوء كأماكن قسرية صنعتها النكبة، وعبر من خلال أعماله عن مدى الظلم الذي حل بالشعب الفلسطيني نتيجة الاحتلال، وأنا كنموذج أول عمل لي كان عام ٢٠١٥ رواية بعنوان(الخط الأخضر) وهي رواية سياسية بامتياز صدرت عن دار الجندي للنشر والتوزيع، وسلطت الضوء على قضية التشتت التي عاشها الشعب الفلسطيني على إثر نكبة عام ٤٨ ونكسة عام ٦٧ وتحدثت عن الخط الاخضر كبطل سلبي مشؤوم حال دون لقاء الأهل والأحبة، مما جاء في الرواية:"جاءت نكسة عام ٦٧ على عكس ما توقع الناس فكانت صدمتهم كبيرة، حيث صفّق الشباب الفلسطيني والعربي لدبابات من ورق وكرتون، لدبابات لم يروها إلا في وسائل الإعلام وعالم الأحلام حيث استيقظ هذا الشباب الواعد على صدمة كبيرة حين تيقن من أن الجيش الذي سيطر على بلاده لم يكن جيشا عربيا بل إسرائيليا قويا مسلحًا بأسلحة فتاكة، وبعدد هائل من الطائرات والمدرعات المحصنة أما طائرات الحلم العربي فلم تكن سوى طائرات للاستعراض لم تغادر مكانها بعد ضُرب قسم منها فأصبح هشيما تذروه الرياح". ص ١٣٨ ومما جاء في رواية الخط الأخضر:" فجأة سمع الجميع صوت قصف إنها قذائف الموت الاسرائيلية باتجاه الحي الغربي الأقرب عليها فقد كانت متمركزة في السهل الغربي المحاذي للحي ليستشهد في ذلك اليوم مجموعة من الرجال والنساء من سكان ذلك الحي على إثر شظايا القنابل، على رأسهم محمد عوض الملقب بالبطل، غادر الناس الحي تاركين بيوتهم مفتوحة وأخذوا يتراكضون خوفا من حدوث مذابح كما حصل في دير ياسين والطنطورة والدوايمة عام النكبة". ص ١٤٠-١٤١ ومما يلاحظ على الرواية الفلسطينية الحديثة المباشرة وعدم اللجوء إلى الرمز، أنا أسعى من خلال كتاباتي إلى رسم خريطة تتسع لنا جميعا وطن يقدر أن ينجو بأهله من التهلكة وعندما أبحث عن تأطير لتجربتي أجد أنني ما زلت أوطد دعائم عوالمي الروائية بنبض قلب وبنزعة عقل وعزيمة ناظر إلى الحرية حيث لا احتلالات ولا أسرى ولا شهداء ولا مهجرين وأطمح أن توطد الكتابة لمثل هذا الحلم فيصير قد صار للعمر معنى….ولكل بلد مرجعية ثقافية ووضع سياسي واجتماعي معين ولكل كاتب أسلوب معين في تناوله للمواضيع ومعالجته للقضايا، فعلى سبيل الخطاب الأنثوي فقد حمل كل بلد خطابا مختلفا ولغة خاصة ومضامين مغايرة، وحين دخلت المرأة لعالم الرواية دافعت عن الأنا  الأنثوية بكتابة هموم الإناث الجمعية في ظل وجود المجتمع الذكوري، وكانت الرواية متنفسا لها كي تبث من خلالها أفكارها وتدافع عن نفسها وتتمرد على العادات والتقاليد التي حدت من حركتها وقيدت حريتها، وأستطيع القول بأن الروائية السعودية زينب حفني وأنا سأقدمها كنموذج عربي سعودي معاصر، قد خطت خطوات متقدمة في مجال الرواية النسائية وعبرت عن حجم القهر والكبت الذي تعيشه المرأة السعودية بكل جرأة، فعلى سبيل المثال في رواية"وسادة لحبك" تعود فاطمة الأرملة من فرح ابنتها الوحيدة التي لم تلبث أن تغادر البلاد لاستكمال عريسها لدراسته، فنكون أمام امرأة شابة مات زوجها وهي ما زالت شابة وكانت قد تزوجت بعمر السادسة عشرة تقول :"صحيح أنني لم أنهل من سنوات مراهقتي". ص ٤١ وقد عانت من العسر المادي وسيطرة أخيها عليها بعد وفاة زوجها، تقول:"أحيانا كنت أنظر إليه بغيظ، كيف يمكن لفتى غرّ أن يقيد حريتي لمجرد أن هناك رابط دم يجمعنا". ص ٥

Deprecated: Directive 'allow_url_include' is deprecated in Unknown on line 0