جائحة كورونا وتفاقم الفقر

مقالات عامة
الكاتب: 

وفاء عبد النبي المزين

باحثة الدكتوراه - مصر
الثلاثاء, ديسمبر 29, 2020 - 04

 توفير حياة كريمة لائقة وتعظيم أوجه الاستفادة من مقوماتها ومواردها ويتحقق ذلك فى سعينا للحد من الفقر من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.
ويعرف الفقراء بأنهم الأسر التى يقل دخلها فى اليوم عن دولار واحد أو الأسر التى لا تستطيع توفير إحتياجاتها الأساسية من مأكل وملبس وغيرها من ضرورات الحياة.
والفقر مفهوم معقد، فهو مفهوم متعدد الأبعاد كما أشار الدليل العالمي للفقر المتعدد الأبعاد الذي يصدره سنويًا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع مبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية، حيث لا يشمل الفقر النقدى فقط وإنما يشمل الفقر غير النقدى؛ فلا يشمل الفقر انخفاض مستوى الدخل والاستهلاك فقط بل أيضا انخفاض مستوى التحصيل العلمى وأحوال المعيشية الخطرة، ونقص الرعاية الصحية والتغذية، ونقص الخدمات الاساسية والبنية التحتية الأساسية  من مياه، وصرف صحي، وكهرباء والامن.
وقد أشار الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لارتفاع نسبة المصريين الواقعين تحت خط الفقر إلى 32.5% في عام 2017- 2018
  ويشكل الفقر خطرًا كبيرًا على الاستقرار الإجتماعي والسياسي والأمني فى الدول؛ حيث يولد بيئة خصبة لنمو العديد من أشكال الانحراف والتطرف، كما يمثل الفقر خطرًا كبيرًا على الصحة الإنجابية للأم، وسببًا كبيرًا فى وفيات الأطفال، والتسرب من التعليم مما يستوجب ضرورة الاهتمام بالقضاء عليه.
لذا يمثل القضاء على الفقر أول أهداف التنمية المستدامة الأممية السبعة عشر في العالم؛ حيث تشمل أهداف التنمية المستدامة مجموعة واسعة من قضايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية منها: القضاء على الفقر ، والقضاء على الجوع، وتوفير الصحة الجيدة، وتوفير التعليم الجيد، والمساواة بين الجنسين، والمياه النظيفة، والصرف الصحي، والطاقة النظيفة الرخيصة، والعدالة الاجتماعية وغيرها الكثير.
ومن وجهة نظرى فالعلاقة بين الفقر ومعظم الأهداف الأممية السبعة عشر علاقة تبادلية حيث أنه بالقضاء على الفقر نستطيع تحقيق العديد منها؛ فبالقضاء على الفقر يمكننا القضاء على الجوع وتحقيق العدالة الاجتماعية والتعليم الجيد والصحة الجيدة وهكذا والعكس صحيح حيث أنه بتحقيق هذه الأهداف يمكننا القضاء على الفقر.
وحيث يعانى العالم الآن من جائحة كورونا وما خلفته من تداعيات خطيرة فى كل المجالات فبالرغم من إزدهار بعض الصناعات فى ظل الجائحة مثل صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية فقد زادت هوة الفقر فى ظل هذه الجائحة، فالفقراء هم الفئة الأكثر تضررًا فى ظل الجائحة وخاصة فى الاقتصادات الهشة؛ فقد ازداد الفقراء فقرا فى ظل هذه الجائحة بل دخل العديدين من الطبقة المتوسطة فى هوة الفقر وهو ما يمكننا أن نطلق عليه الفقر المؤقت حيث بإنتهاء الجائحة يمكن أن يقل نسبة الفقر فى هذه الطبقة وتحسن الوضع عما هو عليه الآن.
وتمثلت أسباب الفقر فى ظل جائحة كورونا فى:
1. فقدان الوظائف؛ وخاصة للعمالة غير المنتظمة، كما تأثرت العديد من الشركات والأعمال بتوقف العمل كليًا أو جزئيًا وخسارتها للعديد من الأرباح مما إضطرها لطرد العديد من عمالها للتخفيف من الأعباء المادية والتكاليف عليها وهو ما تسبب بزيادة نسبة البطالة وخسارة العديدين لفرص عملهم وبالتالى زيادة الفقر والعوز لدى الكثير من الأسر.
2. ارتفاع الاسعار مما تسبب فى إنخفاض القوة الشرائية لدى العديدين.
3. تعطل التعليم وخدمات الرعاية الصحية.
4. زيادة الأعباء على الأسر فى ظل الكورونا مثل كثرة شراء المطهرات والأدوية والكمامات وغيرها من سبل الحماية.
5. توقف العديد من الأعمال وغلق المحلات فى فترة الحظر وما نتج عنه من قلة عدد الساعات المتاحة أمامهم لتقديم خدماتهم مما تسبب فى خسائر فادحة وعدم القدرة على تغطية إلتزاماتهم المالية.
ومن المبادرات التى ظهرت للقضاء على الفقر:
1. تقديم الحكومة المصرية للمساعدات للعمالة غير المنتظمة وتأجيل سداد الديون والقروض وخفض معدل الإقراض والإعفاء من الرسوم على المعاملات المالية وتقديم مواعيد صرف الرواتب وغيرها من إجراءات.
2. جهود مجموعة البنك الدولي لتحقيق هدفين رئيسيين، هما: إنهاء الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك.
3. جهود منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)- وهي وكالة متخصصة في منظمة الأمم المتحدة والتى تهدف لتسريع التنمية الصناعية في الدول النامية-  لإيجاد حياة أفضل للناس بإرساء قاعدة صناعية للرخاء والقوة الاقتصادية على المدى الطويل سعيًا للقضاء على الفقر.
سبل العلاج والتوصيات للقضاء على الفقر:
1. ضرورة توفير التعليم والقضاء على الأمية وخاصة فى الريف وللمرأة بصفة خاصة لأنها عمود الأسرة التى
تعلم أولادها حيث هناك علاقة قوية بين التعليم والفقر، فكلاهما يؤثر على الآخر حيث يمثل كلًا منهما سببًا ونتيجة للآخر.
2. تمكين المرأة وخاصة التمكين الإقتصادى لأنها أكثر الفئات عرضة للفقر وخاصة المرأة المعيلة حيث تقل فرص العمل أمامها وهى أشد الفئات احتياجًا للعمل.
3.  تطوير المناهج بما يناسب المهارات المناسبة لسوق العمل لتخفيف البطالة حيث تمثل أهم سبب فى مشكلة الفقر.
4.  الإطلاع على أحدث التجارب العالمية فى الدول المختلفة للقضاء على الفقر للإستفادة منها فى مجتمعنا.
5.  زيادة الدعم المالى من الحكومة للمشاريع الصغيرة والمشاريع متناهية الصغر لتوفير فرص لتحسين الدخل للأسر الفقيرة وزيادة الوعى بهذه المشاريع وكيفية الوصول لها والإستفادة منها.
6.  نشر ثقافة العمل الحر بين فئات المجتمع وخاصة الشباب لتخفيف العبء على الحكومة فى توفير عمل حكومى لطوابير الشباب الخريجين كل عام.
7.  المراجعة الواعية والجريئة لأنظمتنا الإقتصادية وإعادة النظر فى كل ما يتعلق بها للبدء بإصلاحها من خلال وضع خطة وطنية استراتيجية لمعالجة الفقر وتبدأ بتوفير بيانات واضحة وكافية عنهم، وأماكن تواجدهم، واحتياجاتهم، ومراقبة أبعاد الفقر المختلفة، وتوفير ضمان اجتماعى كافى، وتوفير تغطية صحية كافية لهم، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتحقيق العدالة الإجتماعية، والاهتمام بالتنمية المستدامة، ونشر الوعى.
8. مراقبة الحكومة بصفة عامة وجهاز حماية المستهلك بصفة خاصة للأسعار، والحرص على توفير المستلزمات الأساسية لهذه الفئة بأسعار مناسبة.
9. التدريب التحويلى للعمالة لتطوير مهاراتهم لتناسب الوظائف المطلوبة بعد الجائحة حيث ستختلف الوظائف فى المستقبل.
10.تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدنى والقطاع الخاص فى المساهمة فى القضاء على الفقر .
11.توفير حوار مجتمعى للاهتمام بالقضية وهذا دور الاعلام لخلق الفرصة لتوفير هذا الحوار.
12.تعزيز دور البحث العلمى فى الاهتمام بتوجيه الأبحاث والدراسات لحل مشكلة الفقر.
ضرورة تدريب الشباب على مهارات ريادة الأعمال ومهارات التعامل مع منصات العمل الحر فى الجامعة لتدريبهم على خلق فرص عمل لهم بعد التخرج للمساهمة فى تقليل البطالة للحد من الفقر أو التخفيف منه.