سيدة المسرح الليبي سعاد الحداد

مقالات عامة
الكاتب: 
الكاتبة فاطمة غندور

الكاتبة فاطمة غندور

كاتبة حرة - ليبيا
الأربعاء, ديسمبر 16, 2020 - 09

 ما الذي يجعل من السيدة سعاد الحداد رائدة للمسرح الليبي بل ويقع تسميتُها من رواد المسرح رفاق مشوار الركح بسيدته ، لعل استعادة لخلفية البدء لمشوارها تجعل من المُكنة الاجابة عن هكذا استنتاج او سؤال وبالأحرى وصف مُستحق : ففي رحلة اغتراب اسرتها من ليبيا الى سوريا ( وهي من اسرة الحداد بالزاوية الغربية ) كما هجرة عديد الاسر الليبية بواكير القرن العشرين أبان الاحتلال الايطالي الى مصر وتونس والسعودية والشام وغيرها ، وانضمامها للجالية حيث تجمع مهاجرو ليبيا مُعلنين عن ترابطهم كجاليةٍ مغاربية ( نسبة الى قدومهم من المغرب العربي ) و بدمشق نشطت تلك الجالية سياسيا واجتماعيا وثقافيا في مرحلة هامة من مراحل الدعوة الى التحرر والاستقلال من المستعمر الايطالي ومثيله من أدارات أجنبية .
في تلك البيئة الحاضنة جامعة الشمل كانت سعاد الحداد من قدمت عملها المسرحي العربي الاول بترشيح مؤلف ومُخرج ومُمثل ليبي صنوها في الاغتراب شغف بالفن فدرسهُ تخصصاً بايطاليا ، و عمل مع نجوم الفن العربي السوري و هو الفنان صبري عياد ومن عمل معهم كانوا من جيل التأصيل للفن الدرامي مسرحا وتلفزيونا وسينما كدريد لحام ونهاد قلعي ومحمد العقاد ، ومحمود جبر ، وطلعت حمدي ، كانت سعاد وبتشجيع من اسرتها قد ولجت طريق الفن برغبتها وصادفها الحظ أن لعبت أول ادوارها في المهجر فوالدها كان صديقا للفنان صبري عياد ومنحهُ ثقته في أن يجعل من سعاد فنانة مُتمكنة الأداء والادوات  لذلك ساعة حان دورها كانت مُرشحتهُ المُنقذة لفرقة المصري الراحل حسين رياض أحد رواد السينما والمسرح آنذاك حين تغيبت الممثلة فاطمة رشدي الذي جاء دمشق مُشاركا بعرضه المسرحي " قيس وليلى" ، ولعبت سعاد أول ادوارها مع فرقة لها صيتها وتاريخها المصري والعربي أمام جمهور معرض دمشق الدولي، وعقبها حين أسس صبري عياد فرقته الاهلية شاركت أيضا في أعمال أخرى قومية واجتماعية ومنها حول مناصرة ودعم القضية الجزائرية ، و حين تعود سعاد وأسرتها الى الوطن ستواصل مسيرتها في المسرح الوطني وتلتحق بفرقته بل وستكون من الاعضاء المُؤسسين له.
سعاد في المسرح الليبي
سعاد الحداد جاءت ناهضة ومتحفزة للمشاركة في مشهد التأسيس للفن المسرحي وتأنيثه كرائدة ، وهي قبلها صاحبة التجربة في الحراك الفني المهجري فتعاطي الجالية مع محيطها كان منفتحا سياسيا ومتنورا اجتماعيا وثقافيا ما ترتب عليه النمو والتطور والمواكبة لكل مُستجد ، أتذكر انها صارحتني بدخولها سنة نزولها لطرابلس بعد اغتراب الاسرة في اختبار ترشيح مُضيفات للخطوط الجوية الليبية وقد نجحت وعملت لأشهر كمُضيفة منتصف ستينيات القرن الماضي ، لكن  الحنين غلاب فلبت نداء الركح من جديد وكان عملها الاول حين شاركت في تأسيس المسرح الوطني مسرحية " أهل الكهف " للمخرج عمران المدنيني 1965 ، وتوالت مُشاركاتها المسرحية كانت أدوارها رئيسة وأغلبها بطولة نذكرُ منها : الجليلة في " الزير سالم" للمخرج الامين ناصف ، "الصوت والصدى" للكاتب عبدالله القويري ، و" وطني عكا" للطاهر القبائلي ، و" لعبة السلطان والوزير" للبوصيري عبدالله..وستكون المشاركة بتلك المسرحيات في مهرجانات عربية منها " مهرجان المغرب العربي" بتونس  1968  - 1974  - 1977 ،   و المهرجان " الثقافي الإفريقي الأول " بالجزائر   عام   1969 ، و    "مهرجان دمشق للفنون المسرحية " عام  1971  - 1977  والأسبوع الثقافي الليبي بالكويت ، لم تخلُ سنة في بواكير اشتغالها من الانتاج المسرحي ، ومن مسرحياتها  من  عام 1968 وما بعدها :   شجرة النصر -  راشمون -  تشرق  الشمس -  حكاية  شاركان  في زاره    -  شكسبير   في ليبيا    -   الأقنعة    -  ألام  -    حمل الجماعة ريش  -    السندباد  ، وغيرها .
 ومع تواصل مشاركاتها المسرحية برزت كنموذج للفنانة المُثابرة المُجدة عُرفت بصوتها المميز بلغة فصيحة، حنجرة متمكنة لا تُخطيء سامعها،  وعطائها المُخلص لفنها ،و الذي ميزها سواء في علاقتها بخشبة المسرح كمُمثلة ،أو مسلك إلتزامها المُنضبط بقواعد مسرحية أصيلة فيمن ترتبط بفريق عمل جماعي، فلم يُعرف عنها تأخر ولو لدقيقة عن موعد تدريب أو بروفة أو اجتماع عمل ، كما تعاطيها الرحب المتواضع مع جمهورها ومُحبيها ساعة يصادفونها مُشيرين بتحية وتقدير الى أحد أعمالها وقد راقت لهم ، كثيرا ما صادفوها وهي المُحبة لرياضة المشي ساعة خروجها لمشاويرها أو ذهابها و عودتها من بيتها الى عملها ، سعاد من خطت ورسمت طريقها وإن في عُزلة العاشقة لفنها ، من عملت على تطوير قدراتها واستثمار فرصة وجودها في وسط منحها عن ثقة وجدارة الاحترام والتقدير والتجربة الحرفية.
سعاد الحداد من ستنحتُ تاريخها الفني دون قطيعة أو كلل ودون ضجيج أو استجداء وتملق سُلطة أيضاً !، لأربعة عقود رغم المناخ النابذ والطارد الذي جعلها مثلا تهجر الاعمال المسرحية، وتتفرغ للعمل الاذاعي ، فلم يعد نشاط المسرح في طرابلس كما كان حين بدأت مع منتصف الستينيات، وحتى أخر السبعينيات حيث غزا المناخ سوس التأميم الحكومي ووقع تحت طائلة الاملاءات ! ، وكانت قد بدأت ممثلة بالإذاعة المسموعة الليبية منذ عام 1966 لذلك رسخت وثبتت ذلك المشوار في الدراما والبرامج المسموعة وأبقت في تاريخها مئات الساعات أن لم تكن ألاف وقد أعدت وقدمت وأخرجت، وستلجُ التلفزيون كممثلة و أيضا لتحرز فيه ريادة الاخراج المرئي  كأول سيدة بعد  دورة تلقتها في الإخراج المرئي  1968 بالإذاعة الليبية , حيث اشتغلت مُخرجة لنشرات الأخبار والبرامج ، ومع قلة فرص الانتاج السينمائي الليبي، إلا انها شاركت في فيلم     " تاقرفت" للمخرجين الليبيين خالد خشيم وعياد دريزه كمُمثلة وكذلك ضمن الطاقم الفني كمساعدة مُخرج..
وهي من أسهمت أيضا في دعم وتشجيع عناصر جديدة فتحت الابواب لهم ولهن مُذيعين ومُمثلين وكُنت إحداهن ، وكنت عرفتها أولا كما عرفها الجمهور الليبي كمُمثلة ومذيعة تميزت بأداء رصين وبلُغة مُتمكنة وخامة صوتية جميلة ، لا يمكن لأي ذائقة سمعية إلا أن تُميزها وسط من ظهرن معها أو بعدها ، وحين قدر لي أن الج الاذاعة المسموعة كانت أول من قابلت من السيدات الاعلاميات و أول من حظيت بدعمها وتشجيعها ونصائحها لمثلي من في أول الطريق الاعلامي 1989م ، وكان أول عملي بمحطة ( صوت الوطن العربي ) بعد فقرة نشرة أخبار فلسطين المحتلة، كقارئة في برنامج تراثي، عنوانه( نزهة الاسماع في حدائق الابداع للكاتب عادل العامل،  من أخراجها و لن أنسى حُضورها و دعمها وتشجيعها حين ناولتني نسخة الحلقة وقدمتني لقروب العمل وكانوا نخبة من كبار فناني الوطن : لطفي بن موسى ، محمد المصراتي ، عبدالله الريشي ، عياد الزليطني، ...وغيرهم ،  كنتُ حينها مُبتدئة خجولة فدعتني للجلوس مع فريق العمل للبدء ببروفة القراءة ما قبل التسجيل حينها قاربتُ جديتها وألمامها بكل شاردة وواردة تعلقت بإيصال مادة البرنامج بشكل جيد الى مُستمعيها ، وشاهدتها قبل المُونتاج والاخراج تُتابع و تُراجع فني التسجيل ومشرف الموسيقى والمُؤثرات الصوتية ، هكذا كان دأبها في العمل لم يفتر ساعة ولجت المجال الفني والاعلامي وحتى آوان تقاعدها بشهادة من عاصروها وشاركوها أعمالها المسرحية والاذاعية ، و حتى في عاداتها اليومية في الاطلاع على الجرائد أو كتابها الذي يرافقها رواية أو قصصا أو دراسة محلية أو عربية او عملا مترجما...كانت تُحب القراءة ومن ذلك كان لها طقسها أثناء دخولها مبنى الاذاعة ومكتبها ، وحيثُ قهوتها مع ما تقرأه ثم تباشر عملها الذي تكون مُسبقا قد رتبت مواعيده  .
وقد حظيت سعاد الحداد بتقدير وتكريم عاليين بنيلها وسام الريادة ،و من جمهورها حين جرى تكريمها عدة مرات في أكثر من مدينة ليبية ،وقد ترأست مهرجان المسرح بطرابلس وكانت الفنانة الاولى في هكذا تمثيل وإن تأخر ، وعبرت عن ذلك في كلمتها على الركح في حفل الافتتاح ، وقد وثقتُ لتلك الكلمة في كتابي "نساء خارج العزلة" 2009م ، الذي أنشغلت فيه برائدات ليبيا ، وهي في قائمة سجل نهضتهن في المجال الفني و الاعلامي. 
وقد جرى أيضا تكريمها في الاستقبال الحافل الذي جرى لها في مدينة بنغازي مدينة المسرح الليبي، وفي طرابلس من مُؤسسات تعليمية فنية ،ومنهاز معهد جمال الدين الميلادي للموسيقى والمسرح ، و كلية الفنون والاعلام بجامعة طرابلس 2014، قسم الفنون المسرحية.
و هنا نقتنصُ من كلمتها عام 2007 في مهرجان مسرحي بطرابلس أختيرت رئيسةً شرفية له ، وقفت مُحيية الجمهور قائلة :  لقد كان المسرح خلال سنوات رحلة مدرستي وبيتي وأساتذتي وزميلاتي وزملائي وصديقاتي وأصدقائي، كنت أحاول أن أُسهم معهم جميعاً في حفر خصوصية مسرح ليبـي بقدر ما يستفيد من المسرح العربي والعالمي، وبقدر ما يكون مسرحاً ليبياً خالصاً يقتحم الواقع الليبـي ليواجه قضاياه المعقدة، وليكون الأستاذ الحقيقي الذي يدفع نحو تقدم حقيقي في جميع مجالات الحياة.
سيدة المسرح سعاد الحداد الفنانة عطاءً وقدوة، وبما وصفها ساعة وداعها من بدأ مشوارهُ مسرحياً ( فرقة المسرح الحديث) في مدينة بنغازي الصحفي والأديب الليبي أحمد الفيتوري :  سعاد الحداد الفنانة المُمثلة المُخرجة الاعلامية الاستاذة الانسانة، كم في ليبيا وبلاد العرب كما سعاد الحداد، كم كما هذه الدماثة ،كما هذه الرقة ،كما هذا الاخلاص ،كما هذا الوفاء ، سعاد الحَداد كما أبي ذر الغفاري جاءت وحدها ،عاشت وحدها ، أخلصت وحدها ، وغادرت وحدها !