فلسطين بين حصار القضية وهرولة التطبيع

مقالات عامة
الكاتب: 

محفوظ زاوش

كاتب حر - الجزائر
الجمعة, أكتوبر 9, 2020 - 18

القضية الفلسطينية قضية قومية سعى الصهاينة ومَن حققَ حلمَهم في الاستيطان في قلب الأمة العربية أن يجعلوها قضية خاصة،  تعني صراعا داخليا ليس لغير الفلسطينيين شأن يعنيهم بها،  وبعد انتكاسات العرب في حربهم ضد الكيان المغتصب(1967/1973) عملوا على هذا المشروع سنوات طويلة فعزلوا الشعب الفلسطيني،  وشردوا غالبيته،  وارتكبوا في حقه مجازر عديدة تأتي على رأسها مجزرة صبرا وشتيلا (16سبتمبر1982م) بلبنان،  ورب ضارة نافعة إذ نتج عن سياسة محاصرة القضية دوليا  بروز الانتفاضة المباركة(1987م) التي عوضت الكرامة العربية الغائبة،  فأثبت للعالم جميعا شهامة الفلسطيني وتمسكه بأرضه ودفاعه عن مقدساته،  وبقي يواجه وحيدا مخططات التهويد والتهجير التعسفي،  رغم بعض المحاولات الساعية لكسر الحصار غير المدعومة من الحكومات العربية،  وغير المباركَة رسميا،  والتي وإن فشلت في مسعاها إلا أنها أسهمت في تعرية حكومة الكيان،  كما كشفت عورات الجامعة العربية العاجزة عن لمّ شمل أعضائها في جلسات تنديد وبيانات الشجب التي صارت مثل بارود أعراسنا!. 

     ومما زاد من جراح القضية الفلسطينية تولي  المدعو "ترامب" مقاليد الرئاسة الأمريكية حيث سعى سعيا حثيثا إلى إخضاع حكومات الخليج التي لم تقدم للقضية ما يستحق الانتساب إلى القومية العربية، فعمل على بناء، منظومة عربية متهالكة، تقوم أساسا على تغذية الصراعات العربية عربية، وخلق بؤر توتر جديدة، وإشعال فتيل حرب استنزاف من دخل فيها كان خاسرا ومن بقي متفرجا كان خاسرا، حربٌ غايتها تفتيت المفتت من الأمة العربية،  وتحقيق أهداف متباينة منها تحويل القيادة العربية من مصر إلى السعودية، وإشغال الدول العربية بقضية اليمن بعد تقسيم السودان وإضعاف سوريا، إضافة إلى تحريك عجلة الفتنة بين العرب والفرس باعتبار إيران تدعم الحركة الشيعية في المنطقة، وكل ذلك يجعل الدول تتهافت على التسليح، وهو ما يوفر للأسلحة الغربية الأرض المناسبة لتجريبها ميدانيا دون تكاليف، ووصل الأمر إلى جعل التطبيع حقيقة واقعة بعد أن انتهى زمن التطبيع السري، فبدأت العملية بدولة الإمارات حين وقّع وزيرها للخارجية على معاهدة التطبيع في جلسة شهدت تجلّي مظاهر الذل والخزي، ليصرح الرئيس الأمريكي بأن عملية التطبيع ستستمر مع دول أخرى، تجد نفسها مرغمة على تجسيد التطبيع دون قناع أو تستر.

   والغريب في أمرنا نحن العربَ تحولُنا في الدفاع عن فلسطين من النهر إلى البحر كما كنا ننادي في بداية الاحتلال، إلى المطالبة  بالعودة إلى ما تمّ الاتفاق عليه بعد حرب 1967م وهو ما يثبت نجاح السياسة اليهودية بمباركة الدول الكبرى، في اخضاعنا تدريجيا لتقديم التنازلات، فصارت المواقف الرسمية للعرب تطالب بالعودة إلى أراضي 1967م بدل المطالبة بالتحرير الكامل لأرض فلسطين، وها هي نتيجة التنازلات تقودنا إلى مباركة جرائم الاحتلال، بل وترقية العلاقات إلى ما يزيد من حنق اخوتنا والمساهمة في قتلهم نفسيا بأسلحة صديقة!

     وستطلُ علينا مستقبلا المنظمات العالمية المانحة لجوائز نوبل للسلام لتتويج  أعناق بعض الساسة المهرولين للتطبيع، ممن تستحقُ أعناقُهم الضرب بالسيف، كلُّ هذه الأحداث الجائرة في حق قضية الماضي والحاضر والمستقبل لن تزيد إلا إصرارا على المضي قدما في التمسك بالأرض والدفاع عن العرض من العرب الشرفاء ولا أقول الفلسطينيين لأنّ أطفالَهم على حد تعبير الشاعر "نزار قباني" علمونا كيف يصير الحجر سلاحا فتاكا، وكيف تصير الدماء ورودا في سبيل الوطن والمقومات.

    إن فلسطينَ عربيةٌ وستظل رغم خيانة الأنظمة المنبطحة الباحثة عن تزكية غربية لها؛ بعد أن فقدت شرعيتها من شعوبها، فالتاريخ أثبت منذ القديم أنّ صاحبَ الحق منتصرٌ مهما طال زمن الاغتصاب، ومهما اشتدت آلة البطش وتغوّلَت سياط التجويع، ولنا في الحرب التحريرية ضد المستدمر الفرنسي أروعُ مثال، ولما كانت تجربة الشعب الجزائري مريرةً عرف للأرض قدرها كان خير نصير للأخ الفلسطيني في محنته، فاستحق أن يكون قلبَه الثاني الذي ينبض ثورةً وغضبا على المحتل.