إعلاميين وكتاب مصريين : دراما رمضان كسرت برواز الفن المصري الجميل

ما يعرض بلطجة فنية وفن لقيط بلا نسب لا ينتمي لجيل العمالقة
الأربعاء, أبريل 20, 2022 - 19
تحقيقات منوعة
عمالة الفن المصري في زمن الفن الجميل

الكاتب ناصر خليفة

كاتب حر

الإخراج الصحفي : نسرين حلس

يرى أغلب المهتمين بالعمل النقدي للأعمال الفنية أن السينما والدراما المصرية تعاني أزمة حقيقية، يمكن رؤية ملامحها فى عدد الأفلام والمسلسلات  المنتجة خلال السنوات القليلة الماضية, ما أفقد الجمهور المصري والعربي بصفة عامة الحماس لمتابعة الإنتاج المصري السينمائي والدرامي، كما كان من قبل.  ويُعيد البعض ذلك، إلى سطحية القضايا المتناولة سينمائيا ودراميا خاصة الرمضانية منها. ما جعل الكثيرين يرون أن الإنتاج الفني المصري ، يحتاج إلى "ثورة" تعيد له مجده و مكانته السابقة، وتعيد المقاييس المعتمدة بعصر الازدهار مع أجيال تفانت فى خدمة الفن المصري، استطاعت أن تجعل  اللهجة المصرية لغة تخاطب معروفة ومدرجة وسهلة على ألسنة أجيال من الشعوب العربية صغيرا وكبيرا ، حدث ذلك عندما كان نجوم الفن المصري عمالقة بكل ما تعنيه الكلمة، فما الذى حدث ليتغير كل ذلك ؟ سؤال مؤرق بجانب أسئلة  كثيرة طرحتها المنصة بوست، على مجموعة من الكتاب الصحفيين والإعلاميين، ممن يقدرون قيمة الرسالة الفنية لمدى تأثيرها في الثقافة المجتمعية والذوق العام للمجتمع العربي عامة.. إذن لابد من علاقة تربط الفن الحقيقي بمن ينتمون إليه حاليا. كي تجعل الاعمال المنتجة، تليق بتاريخ الفن المصري،  

 فن الزمن الجميل 

وتستهل الدكتورة نجوى كامل استاذة الصحافة في كلية الإعلام جامعة القاهرة  حديثها معنا متأسفة على زمن الفن الجميل قائلة " الفن هو ما عشناه في فترة سابقة من حياتنا ونحن نشاهد سينمائيا أعمال صلاح ابو سيف وحسين كمال ومحمد خان وفطين عبد الوهاب وغيرهم، و دراما تليفزيونية أعمال أسامة أنور عكاشة واخراج اسماعيل عبد الحافظ ، هو الأغنية التي تسمو بالوجدان بالكلمة واللحن والصوت. هذا هو الفن الذي عرفناه ..أما ما نشاهده أمامنا في الآونة الأخيرة  في دور السينما وشاشات التليفزيون و باستثناءات بسيطة فلا علاقة له بالفن. 

الفن المصري تحول لأفلام ومسلسلات هابطة وشخبطة وجعير وبرطمة 

الكاتب ماجد بدران 

الفن الخالد والفن المزعوم 

فيما يذكر الكاتب الصحفي  ماجد بدران في ( مجلة اكتوبر) أن هناك فن يحمل بصمة الإبداع الحقيقي وهو خالد مر الزمان في الشعر والرواية والنحت والتصوير وفي الأغاني الخالدة والأفلام العظيمة والمسلسلات التي شكلت وجدان وقيم المجتمع. قائلا " هذا هو الفن الأصيل، وهناك الفن المزعوم الفن اللقيط بلا نسب سواء كانت أفلام ومسلسلات هابطة أو شخبطة تدعي أنها فن تشكيلي أو "جعير وبرطمة" تدعي أنها غناء و(العياذ بالله) وهذا هو حال الفن المزعوم الآن إلا ما ندر..
كل شيء أصبح شبه الأصل، كل الأشياء تقليد رديء للأسف. 

عناصر القوة الناعمة أين؟

أما الكاتب الصحفي جلال نصار  من (الأهرام) فيقول : نحن كجيل تربى على ذوق راق من أفلام الأبيض والأسود وعروض الفرق المسرحية العملاقة  ولحقنا جيل العمالقة من الممثلين.. ولكن الفن بالنسبة لي يرتبط مفهومه بكل المهن الابداعية التي تعتمد على الموهبة الفردية والمهارة والتي تتجسد فى كاتب محتوى مبدع وعازف آلة موسيقية وريشة فنان وممثل تلقائي وصوت بديع وأنامل تحترف الخزف والأرابيسك والنحت، وكل ما يرتبط بعناصر القوة الناعمة التي تتسلل إلى العقل والوجدان وتشكل الذوق و الوعى والمناخ الثقافي وتجسد حالة وتمثل ملامح شخصية لجيل ووطن وأمة... ونحن كما يبدو ؛ نفتقد إلى العديد من تلك المقومات والعناصر والمواهب والمناخ أو ربما لا نشعر بها لارتباطنا بذوق محدد تربى عليه وجداننا.

نحن نفتقد للعديد منالمقومات والعناصر والمواهب والمناخ وربما لا نشعر بها لارتباطنا بذوق محدد تربى عليه وجداننا

الكاتب الصحفي جلال نصار 

 

 

عوامل نجاح الفن 

ويرى الكاتب والناقد الدكتور سمير محمود أستاذ الصحافة والنشر الالكتروني بجامعة السلطان قابوس أن مفهوم الفن الكلاسيكي الراسخ لدينا هو مجموعة من الأنشطة البشرية التي تُترجم الى أعمال بصرية أو سمعية أو أداء (حركية)، تعبر عن أفكار المؤلفين الإبداعية أو المفاهيمية أو المهارة الفنية، فتحمل أو تنقل رسالة ومسؤولية وتؤدي وظيفة في المجتمعات. ولهذا تبقى الفنون على اختلاف أشكالها وأنواعها موضع تقدير لجمالها أو قوتها العاطفية. يتبعه أنشطة بشرية أخرى تتعلق بإنتاج الأعمال الفنية أو نقد الفن، ودراسة تاريخه وتوثيقه والنشر الثقافي الجمالي للفنون، والحقيقة أن هناك مسافات بعيدة  الأن بين هذا المفهوم وما يعرض حاليًا أو ما نسمعه فهو ليس بالمعنى المتعارف عليه ولا من يقومون عليه بفنانين.

اختزال الفن في أشكال بعينها في أفلام ومسلسلات أمر يحكم باعتبارات عديدة أبرزها عوامل إنتاجية وتسويقية، وزواج الفن بالسياسة مشروع لكنه يسلخ الإبداع .

الكاتب والناقد الدكتور سمير محمود  

 

ويؤكد  إلى أن اختزال الفن في أشكال بعينها في أفلام ومسلسلات أمر يحكم باعتبارات عديدة أبرزها عوامل إنتاجية وتسويقية،  باعتبار كثافة معدلات الاستماع والمشاهدة في هذا الشهر، وذلك لصعوبة تقديم أشكال أخرى مثل المسرح والرقصات والفنون والأغاني الشعبية في رمضان.

 ويشير محمود إلى أن زواج الفن بالسياسة ، هو زواج قديم عبرت عنه روائع الأدب العالمي مثل مزرعة الحيوانات لجورج اوريل ومعها رواية ١٩٨٤ للمؤلف نفسه، وروائع مسرحية مثل العزلة والبيت و الاستثناء والقاعدة و البؤس والخوف في الرايخ الثالث طبول في الليل و  حياة إدوارد الثاني ملك إنجلترا لصموئيل بيكت وأعمال بريخت ومرورًا بالعديد من أعمال نجيب محفوظ التي توثق فظائع البوليس والقلم السياسي في الحقبة الناصرية وغيرها، ويوسف السباعي وبعض أعمال يوسف إدريس ويحي حقي وآخرون.

ويضيف " الأمر يختص بالتوظيف السياسي للفنون، والدور السياسي للفن يخلق إشكالية الحرية والاستقلالية في الأعمال الإبداعية التي للأسف ينسلخ بعضها من عباءة الإبداع ليدخل في دائرة الدعاية مثل مجموعة أفلام هوليود التي تدين الحكم النازي الألماني أو تلك التي تجسد الاحتكار والسلطوية في النظم الشمولية كالأخ الأكبر وغيرها.

ويتحدث الدكتور سمير محمود عن المسرح متأثرا، واصفا إياه بالجثة الهامدة الأن ، قائلا " المسرح من أهم وأصعب الفنون وأكثرها كلفة واجهادًا، وحينما يختفي جيل كبير من كتاب المسرح، و يتحول المسرح لكوميديا قائمة على الإفيه والارتجال وخلطة مطرب وراقصة ونكات، فتلك شهادة وفاة لمسرح لا يبقى، لدرجة ظهور ما عرف بمسرح مصري، وهو فريق تجريبي لا يمكن أن تحفظ له عملًا يبقى في الذكرى لسنوات وربما عقود، وطبعًا لا تسأل عن مسرح الدولة، أو مسرح الهناجر فقد تم إهالة التراب عليهما بفعل فاعل.

و يوضح محمود  بأن  الحرب القائمة بين بعض رجال الدين والفنانين، ماهى إلا هي حرب مفتعلة في الفترة الراهنة، معتبرا أنه دوما كانت هناك مماحكات بين الفن والدين،  مؤكدا أن ما يحدث اليوم هو اجتراء على الدين واجتزاء وبتر في الدين، واللافتة العريضة هي الدعوة للتفكير والتشكيك والتثبت وهذا ليس مرفوض على اطلاقه. كما أن اتخاذ الدين والسلطة الدينية وسلطة من يسمون برجال الدين غير مقبول على إطلاقه، وهكذا تم تصوير الفن والدين في حالة عدائية وهذا خطر لا يسهم في بناء الدول ولا رفع وعي الشعوب. 

الدور السياس وحرية الإبداع 

وفيما يعتبر الكاتب الصحفي علي بريشة  من (الاهرام) أن توظيف  الدراما سياسيا للون واحد لا يصنع لوحة والنغمة الواحدة لا تصنع موسيقى و الأفكار الأحادية لا تصنع فنا، فالفن يحتاج إلى ثراء وتنوع. كما يحتاج لتفاعل بين ألوان ونغمات تختلف في درجاتها وقوتها لتشكل في النهاية توليفة تعبر عن وجهة نظر صناعها بشكل جمالي، وتطرق الأفكار بطريقة غير مباشرة.

وبقول " من الصعب أن يتحقق في الأعمال الدرامية التي يتم صناعتها من زاوية أيديولوجية أو دينية ضيقة ومتحيزة فتبدو الشخصيات فيها شديدة السطحية إما خير مطلق أو شر مطلق. وهذا ينطبق بالطبع على الأفلام الدينية والسياسية التي يتم إنتاجها في بيئات ومجتمعات مغلقة وعبر ضغط سلطوي مباشر. فتتحول بذلك إلى صيغة دعائية فجة. ومع ذلك هناك بعض التجارب التي أنتجتها الحقبة السوفيتية أو النازية ومثلت إنتاجا فنيا ضخما وعلامات مهمة في تاريخ الفن السينمائي مثل الأفلام التي قدمتها المخرجة الألمانية ليني ريفنستال في الثلاثينيات لتمجيد هتلر وإنجازاته وأهمها على الإطلاق فيلم انتصار الإرادة أو Triumph des Willens  وهو علامة من علامات الفن السابع ولكن هذا النوع من الأفلام ينتمي لنوعية الوثائقيات وليس الأفلام الروائية فهذه الصيغة الوثائقية تسمح للإمكانات الكبيرة إذا توفر لها فنان متمكن أن تنتج أعمالا لها قيمة فنية من ناحية المحتوى البصري والمؤثرات التقنية ولكن يظل المضمون يدور في إطار الدعاية وليس الفن . 

الفن والبلطجة

ويؤكد الدكتور محمود حمدي استاذ الإعلام في مداخلة له معنا بأن  : للفن قيمة عظيمة من خلال دوره المتميز في رفع مستوي الذوق الاجتماعي مع الحفاظ علي ثوابت وقيم المجتمع.. وما نراه اليوم هو بلطجة فنية وليس فنا. قائلا" لماذا هذا التركيز علي أعمال البلطجة والعهر في الشهر الكريم وغير الشهر.. مصر جميلة وولادة ويمكن أن تنتج فنا يغرس قيما جميلة لدي أبنائنا.

و يضيف " بما أن الفن  رسالة فعلى القائمين عليه والمنتمين له أن يحافظوا عليه بكل صوره الراقية وأدواره وأهمها تنمية الذوق العام. وعلي الفن أن يعود لرسالته الأصلية الأصيلة النبيلة من خلال فنانين حقيقيين فنانين مبدعين وليس أنصاف فنانين غير مؤهلين لمثل هذه الرسالة السامية.

 و في النهاية لازالت الأزمة مستمرة .. وبالرغم من كل الانتقادات إلا أن بعض من يعملون الآن بالوسط الفني لا يرون تلك الأزمة على حقيقتها!  بل ويعتقد بعض "المنتفعين" الآن أن الوسط بخير والأزمة مفتعلة !
 

 

 

 

 

 

 


Deprecated: Directive 'allow_url_include' is deprecated in Unknown on line 0