قدم البنك الدولي دراسة تحليلية حول أزمة الغذاء في اليمن قام بها إيانا سافاري مستشارة برنامج الغذاء العالمي و المستشار الاقتصادي مايكل جيجر و وشاراد تاندون الخبير الإقتصادي في قطاع الممارسات العالمية للفقر والإنصاف وسيدهارت كريشناسوهمي رئيس قسم الأبحاث والتحليل والرصد في منطقة شرق أفريقيا التابعة لبرنامج الغذاء العالمي جاء فيها أن عام 2020 وبداية عام 2021 عدداً من الصدمات المدمرة التي أثقلت كاهل سكان اليمن الضعفاء ودفعت البلاد إلى حافة المجاعة. وهذه الصدمات تشمل أزمة العملة، وتراجع المساعدات الإنسانية، وجائحة كورونا، بالإضافة إلى سلسلة من الكوارث الطبيعية. وقد أدت كل واحدة منها إلى تفاقم أزمة الأمن الغذائي الذي كان منخفضاً أصلاً. ومع ذلك، ونظراً لكثرة الصدمات، يصعب تحديد أولويات الاستجابة اللازمة لتحسين الوضع على أرض الواقع.
واستناداً إلى عاملي الزمان والمكان اللذين تتدنى فيهما إمكانية الحصول على الغذاء، يبرز الارتفاع السريع في أسعار السلع الغذائية كمحرك مهم لأزمة الأمن الغذائي. ويوضح الشكل 1 التردي السريع في إمكانية الحصول على الغذاء في منتصف عام 2020، كما كان أسوأ حالاً في الجنوب، وهما الزمان والمكان اللذان بلغت فيهما أسعار المواد الغذائية أسرع ارتفاع لها. ويشكل الارتفاع السريع في أسعار المواد الغذائية على وجه الخصوص عاملاً مهما في إمكانية الحصول على الغذاء في اليمن، حيث يوضح الشكل 2 أن نسبة الذين يعانون في الحصول على الغذاء قد زادت بالمثل خلال أزمة العملة التي حدثت في عام 2018، وهي فترة شهدت ارتفاعاً سريعاً في أسعار المواد الغذائية والوقود على حد سواء؛ كما يشير إلى أن هذه النسبة لم يطرأ عليها تغيّر يذكر خلال الحصار الجوي والبحري الكامل عام 2017، وهي فترة ارتفعت فيها سريعاً أسعار الوقود فقط.
رتفاع أسعار الغذاء يؤثر في كل أسرة يمنية تنتمي للفئات الفقيرة والفئات الأكثر احتياجاً. وبدلاً من ذلك، يمكننا القول بأن صدمات الدخل الناجمة عن جائحة كورونا وارتفاع أسعار الوقود تكون لها تأثيرات أشد على الأمن الغذائي للأسر الميسورة قليلاً. ويشير التحليل الذي يتناول زمان ومكان زيادة الأسعار خلال العام ونصف العام الماضيين إلى أن ثلاثة عوامل تقف وراء زيادة أسعار المواد الغذائية وهي كما يلي:
زيادة أسعار المواد الغذائية عالمياً أثناء جائحة كورونا.
الزيادة السريعة في معدلات التضخم والانخفاض الكبير في قيمة العملة بالمناطق الجنوبية.
الصعوبات التي واجهت استيراد الوقود من وقت لآخر في الشمال أسهمت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب زيادة تكاليف النقل.
وعلى ذات القدر من الأهمية، وعلى غرار عدد من أزمات الأمن الغذائي الأخرى التي حدثت في مختلف أنحاء العالم، ثمة القليل من الأدلة على أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يعود إلى نقص الإنتاج الزراعي. وتشير التقارير إلى أن اليمن كان يستورد أكثر من 90% من احتياجاته من الغذاء قبل الصراع، وخلال العام الماضي، لم يطرأ على الإنتاج الزراعي أي تغيّر يُذكر.
ومع هذا، ورغم أن الأزمة تعود في جانب كبير منها إلى الارتفاع السريع في أسعار المواد الغذائية، فإنها تتجاوز القدرة على تحمل أسعار الغذاء. ويؤدي الارتفاع السريع في أسعار المواد الغذائية إلى انخفاض كبير في الموارد المتاحة لشراء سلع وخدمات أساسية غير غذائية بمجرد أن تشتري الأسرة الحد الأدنى من احتياجاتها الغذائية، مما يضطرها إلى اختيار أي الاحتياجات أكثر إلحاحا لكي تلبيها أكثر من أي وقت آخر أثناء الصراع. ويوضح الشكل 3 أن إمكانية الحصول على الرعاية الصحية قد ساءت كثيراً خلال أزمة الأمن الغذائي الحالية، وأنها قريبة من مستوى ذروتها منذ بدأت عملية المتابعة. والأهم، أن الأسر التي أغفلت الرعاية الطبية الضرورية حتى مطلع عام 2021- والتي تشكل ما بين 86% إلى 88%- فعلت ذلك بسبب عجزها عن تحمل تكلفة هذه الرعاية.
ولهذه النتائج تداعياتها على الاستجابة للأزمة على المديين القصير والطويل. فعلى المدى القصير، ثمة حاجة ماسة إلى زيادة الاستجابة الإنسانية والإنمائية وتنسيقها على نحو أفضل لضمان توفير الدعم الكافي لجميع الأسر اليمنية التي تعاني في ظل الأزمة الحالية. وعلى المديين المتوسط والطويل، ينبغي تخفيض أسعار المواد الغذائية إلى مستوى أفضل يكون في متناول الأسر. ورغم صعوبة التصدي المباشر للعديد من العوامل التي أدت إلى زيادة أسعار المواد الغذائية في العام الماضي بسبب الصراع، فإن ثمة خطوات يمكن اتخاذها لتحسين سبل السيطرة على ارتفاع تلك الأسعار. وأخيراً، تسلط هذه النتائج الضوء على الحاجة إلى المزيد من العمل التحليلي ــ لاسيما تحديد الخطوات الإضافية التي يمكن اتخاذها لتحسين سبل معالجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمواءمات التي تجريها الأسر ــ للاستجابة للأزمة الحالية على أفضل وجه ممكن