في دراسة حديثة كان مركز مسبار للأخبار قد أجراها عن كيفية تمثيل المعلومات المضللة تهديدًا خطيرًا على العلم والصحة العامة، خاصة مع قدرتها على الانتشار على الشبكات الاجتماعية بشكل أكبر وأسرع من الحقائق.
ومرض السرطان ليس بعيدًا عن هذا، إذ أصبح هدفًا رئيسيًا للمعلومات الطبية الزائفة والمضللة، خاصة من قِبل أولئك الذين يبيعون ما تسمى بالعلاجات البديلة.
وحين تنتشر المعلومات الخاطئة عبر الإنترنت على نطاق واسع، يكون المرضى عرضةً لخطر حقيقي، فقد تؤدي تلك المعلومات إلى تأخير علاج السرطان أو حتى إيقافه في بعض الحالات، ما يعني تهديدًا مباشرًا لحياة المريض، تقف وراءه معلومة خاطئة. في مقال بعنوان "كيف تتحقق مما إذا كانت معلومات السرطان على مواقع التواصل الاجتماعي "أخبارًا زائفة"؟"، أشارت الطبيبة آن ميريديث غارسيا ترينيداد، رئيسة قسم طب الأورام في مستشفى داجوبان أطباء فيلافلور التذكاري في الفلبين، إلى نوعين من الأخبار الكاذبة حول السرطان:
الأول: الأخبار غير الصحيحة على الإطلاق، والمُختلَقة تمامًا بهدف خداع الناس أو إيذائهم.
الثاني: الأخبار التي تتضمن بعض الحقيقة، لكنها ليست دقيقة تمامًا.
وبينت الطبيبة، أنه رغم عدم وجود طريقة مضمونة لتفادي الأخبار الزائفة تمامًا، إلا أن هناك عدة طرق لاكتشافها.
قدمت آن ديريديث، في المقال، نصائح هامة للقراء ومدققي الحقائق، للتأكد من صحة الأخبار المتعلقة بالسرطان والمتداولة عبر الإنترنت؛ من بين أهم تلك النصائح: قراءة ما وراء العناوين الرئيسية مع الحذر من العناوين المثيرة، والتحقق من الكاتب عن طريق إجراء بحث سريع عنه والاطلاع على أعماله الأخرى، إضافةً إلى الانتباه لتاريخ النشر، والتحقق من مصدر الصورة، ففي بعض الأحيان تُستخدم صورٌ جذابة لكنها مفبركة أو أجريت عليها تعديلات. في هذه الحالة، البحث العكسي عن الصورة عبر Google image قد يساعدك في العثور على المصدر الأصلي للصورة إذا كانت مثيرةً للشكوك.
تنصح الطبيبة كذلك بالتحقق من مضمون المقال نفسه، عن طريق البحث عبر الإنترنت في الادعاءات التي يُوردها، للتأكد من أنها عن مصادر موثوقة. كما تشير إلى ضرورة الانتباه للأسلوب الذي كُتب به المقال للحذر من احتمالية أن يكون المقال ساخرًا في الأساس. وتحت عنوان "خدعة البريد الإلكتروني بخصوص السرطان"، فنّد موقع مؤسسة جونز هوبكنز الطبية، العديد من الأخبار التي نُسبت إليه كذبًا حول مرض السرطان.
وتُنسب الكثير من المعلومات الزائفة عن السرطان، إلى مؤسسة جونز هوبكنز الرائدة في المجال الصحي؛ بعض هذه المعلومات تُقدم وسائل للوقاية من السرطان لم يذكرها الموقع بل لا يؤيدها.
وأشار الموقع إلى أن البريد الإلكتروني الذي يتداول هذه المعلومات الزائفة، كُتب بتهجئة خاطئة، فبدلًا من "جونز" هوبكنز، يستخدم البريد اسم "جون" هوبكنز.
أخبار كاذبة حول السرطان يفندها مسبار
من جانبه، تمكن "مسبار" من تفنيد العديد من الأخبار الكاذبة حول مرض السرطان، ما بين ادعاءات عن اكتشاف علاجات، وادعاءات أخرى ذات تأثير سلبي على المرضى. من ذلك ما يلي: تداولت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخرًا، خبرًا مفاده أن العالِم الجزائري طه مرغوب اكتشف حلًا لمرض السرطان مع فريقٍ بحثي من 20 عالِمًا تحت قيادته. لكن "مسبار" وجد أن الخبرَ ادعاءٌ هدفه الإثارة، لأنّ فريق الباحثين في الولايات المتحدة الأمريكية، وبقيادة كل من عالم المناعة الجزائري طه مرغوب، والعالم جاد ولتشوك، والعالم تشارلز رودين. والاكتشاف الذي توصل إليه الفريق هو علاج يُساعد بعض الخلايا المناعية في تجاويف الجسم، في قمع المناعة المضادة للسرطان.
كما انتشرت صورة لفتاة بدون شعر ترتدي فستان زفاف، ادعت حسابات تداولتها أنها لعروس مصابة بالسرطان، وهو ادعاء تحقق "مسبار" من كونه مضللًا، لأن الفتاة ليست مريضة بالسرطان وإنما ناشطة وعارضة أزياء من الهند تُدعى أخشايا نافانيثان، وقد قررت التبرع بشعرها للناجيات من السرطان.
حقق "مسبار" أيضًا في منشورات أخرى مُتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات، تدعي أن مرض السرطان كذبة راجت بعد الحرب العالمية الثانية، وأن سببه في الأصل نقص فيتامين بي 17، وعلاجه متوفر من موادٍ طبيعية لكن شركات الأدوية تمنعه لأنه سيسبب لها خسائر. ووجد "مسبار" أن هذه الادعاءات ليست إلا خرافات لا أصل لها.
كما انتشر بين عددٍ من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي وعلى بعض المدونات، ادعاءٌ بأنّ ماء جوز الهند الساخن يحتوي موادًا يمكنها معالجة المصابين بالسرطان، وهو ما تحقق منه "مسبار" ليجد أنه زائف ولا أساس له من الصحة، مُكتشفًا أن معلومة العلاج المزعوم نُقلت عن خبرٍ زائف انتشر باللغة الإنكليزية، يدعيّ أنّ طبيبًا هنديًا اسمه راجندا بادوي، اكتشف "العلاج السحري" للسرطان.
وتوالت الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة حول مرض السرطان، والتي تحقق منها "مسبار"، مثل صورة متداولة لرجلٍ يحمل كفنًا أثناء عيادته لمريض في مستشفى، مع ادعاءٍ بأنها من مبادرة لتوزيع الأكفان بهدف دعم معنويات مرضى السرطان، ليجد "مسبار" أن الادعاء ساخر، ومصدره صفحة ساخرة على موقع فيسبوك نشرته في مارس/آذار 2019.
وغير ذلك من الادعاءات التي بحث فيها "مسبار" وفنّدها، وتتراوح ما بين الزائف والمضلل والساخر، أو ادعاءات تستهدف الإثارة. وبعض هذه الادعاءات قد يكون لها آثار نفسية سلبية على مرضى السرطان، وبعضها قد يتجاوز تأثيره إلى وصف علاجات غير صحيحة، بل خطرة.
مواقع التواصل الاجتماعي أرض خصبة للأخبار الكاذبة حول السرطان في دراسة بعنوان "وسائل التواصل الاجتماعي والمعلومات المضللة عن السرطان: منصات إضافية للاستكشاف"، نشرها المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية على النهوض بالعلوم والصحة الأميركي، في المجلة الأميركية للصحة العامة، وبرعاية المعهد الوطني للسرطان؛ تناولت القضايا الرئيسية للتضليل حول السرطان على مواقع التواصل الاجتماعي.
ذكرت الدراسة أن الأبحاث حول المعلومات الخاطئة المتعلقة بالسرطان على مواقع التواصل الاجتماعي، لا تزال في مهدها مقارنةً بغيرها من الأبحاث الصحية الأخرى.
وأجرت الدراسة بحثًا على عددٍ من منصات التواصل الاجتماعي، للتوصل إلى حجم الأبحاث المتعلقة بالمعلومات الخاطئة عن السرطان على هذه المنصات، فوجدت التالي:
43 نتيجة فقط على يوتيوب
يُعد يوتيوب من أكثر مواقع التواصل الاجتماعي شيوعًا في الولايات المتحدة، إذ إن 73% من البالغين الأميركيين يستخدمون يوتيوب. مع ذلك، فمن خلال البحث عبر "PubMedd" (وهو محرك بحث مجاني للوصول إلى قاعدة بيانات خاصة بالمقالات والأبحاث الطبية) عن الأبحاث التي تناولت المعلومات الخاطئة عن السرطان على يوتيوب، لم تظهر سوى 43 نتيجة فقط، العديد منها لا علاقة له بالمعلومات الخاطئة.
من هنا، تخلص الدراسة إلى أن تأثير المعلومات المضللة في واحدة من أكثر منصات التواصل الاجتماعي استخدامًا، لا تزال غير معروفة إلى حد كبير.
15 نتيجة فقط على إنستغرام
مع أكثر من مليار مستخدم نشط شهريًا، يُعد إنستغرام ثالث أكثر مواقع التواصل الاجتماعي شيوعًا في الولايات المتحدة، بعد موقعي يوتيوب وفيسبوك.
وبالبحث عنه عبر محرك PubMedd، جاءت النتائج أقل من يوتيوب، إذ لم تجد الدراسة سوى 15 نتيجة فقط، ومعظمها لم تكن ذات صلة بالمعلومات الخاطئة.
هكذا إذًا، لا تزال هناك فجوة كبيرة فيما يتعلق بمراقبة المعلومات الخاطئة عن السرطان على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة إنستغرام.
خمسة لريديت وصفر لتيك توك
أما بالنسبة لمنصتي ريديت وتيك توك، فلم تتوصل الدراسة إلى أكثر من خمسة نتائج لريديت وصفر نتيجة لتيك توك.
قد يُعزى سبب صفر موقع تيك توك إلى أنه لا يوفر وصولًا مفتوحًا إلى البيانات الخاصة به عبر واجهة بروتوكول التطبيق العامة (API).
في النهاية، تخلص الدراسة إلى ضرورة قيام شراكة بين الباحثين وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل: فيسبوك وإنستغرام وتيك توك، فأغلب الأبحاث تركز حاليًا على تويتر، ذلك لأن النظام الأساسي له يوفر وصولًا أكبر إلى بياناته عبر واجهات برمجة التطبيقات العامة، بعكس مواقع مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك، والتي تقلل إمكانية الوصول العام إلى بياناتها، لأسباب مختلفة، على رأسها حماية خصوصية المستخدمين. لذا فإن شراكة من هذا النوع، ربما تكشف لنا الكثير عن المعلومات الخاطئة حول السرطان على مواقع التواصل الاجتماعي، وتأثيرها على المستخدمين.