دراسة : تغير المناخ سيؤدي حتما إلى ازدياد الفقر في السنوات القادمة

دراسة وبحث
الأحد, أكتوبر 31, 2021 - 08
غير المناخ سيؤدي حتما إل رزدياد الفقر في السنوات القادمة

في دراسة قام بها النك الدولي حول التوفير المناخي وتأثيره علي البيئة وتنمية الإقتصاد قام بها الكاتب يورجن فوجيل نائب الرئيس للتنمية المستدامة في البنك الدولي ، أنه إذا لم نحد من تغير المناخ، سيقع 132 مليون شخص على الأقل في براثن الفقر على مدى السنوات العشر القادمة.. وهذا يوضح مدى ارتباط رخاء البشرية بالحفاظ على كوكبنا. وعندما نسيء إدارة الأصول الطبيعية ونغفل عن الآثار طويلة الأجل لما تقترفه أيدينا، فمن المرجح أن يتعرض ما ننعم به من رخاء- ورخاء الأجيال المقبلة - لعواقب وخيمة.

وبناء عليه، هل نقوم بتقييم الأصول الطبيعية على نحو دقيق؟ وعندما نفكر في الثروة، هل نفكر فقط في الشركات أو المباني أو السيارات أو النفط أو المعادن؟ وماذا عن الغابات أو أشجار المنغروف أو المياه أو الأسماك أو الهواء النقي؟ 

وفي عام 2005، أصدر البنك الدولي تقريرا بعنوان "أين ثروة الأمم؟" وأشار هذا التقرير إلى أن قياس إجمالي الناتج المحلي وحده لا يحدد ما إذا كانت تنمية بلد ما مستدامة أم لا. وفي كثير من الحالات، يحدث النمو الاقتصادي على حساب الطبيعة، وبالتالي على حساب الرخاء في المستقبل. وحتى يتسنى فهم استدامة النمو، يجب أن نتدبر قيمة جميع الأصول التي تحقق الدخل والرفاهية في نهاية المطاف: وهذا ما يسمى بالمحاسبة عن الثروة. وهذا بمثابة إعداد مركز مالي للبلد المعني. ويُعد إجمالي الناتج المحلي والمحاسبة عن الثروة مؤشران يكملان بعضهما بعضا لقياس الأداء الاقتصادي، ويقدمان صورة أكثر اكتمالا عند تقييمهما معا.

وبعد 16 سنة، أطلق البنك الدولي "تقرير الثروة المتغيرة للأمم 2021،وهو الإصدار الرابع في هذه السلسلة ويمثل الحسابات الأكثر شمولا في العالم حتى الآن لثروة الأمم، ويغطي هذا التقرير 146 بلدا في فترة السنوات 1995 - 2018. ويغطي هذا التقرير 4 أنواع رئيسية من الأصول: الأصول المتجددة وغير المتجددة التي تتيحها الطبيعة (رأس المال الطبيعي)، والأصول التي أنشأها الناس (رأس المال المُنتَج)، والثروة البشرية (رأس المال البشري)، وصافي الأصول الأجنبية.

وتبين لنا الأبحاث التي وردت في هذا التقرير أنه لم يعد بوسعنا أن ننمي اقتصاداتنا على حساب نفاد ثرواتنا الطبيعية. وفي بعض البلدان التي يتحقق فيها إجمالي الناتج المحلي اليوم باستهلاك الموارد الطبيعية أو تدهورها، على سبيل المثال الصيد الجائر للأسماك أو تدهور التربة، يتراجع إجمالي الثروة. وبعبارة أخرى، فإن البلدان التي شهدت تراجعا في إجمالي نصيب الفرد من الثروة كانت في أغلب الأحيان هي البلدان التي تدهورت فيها الأصول الطبيعية المتجددة. وإذا استمر هذا الاتجاه، فإن الأجيال الحالية والمقبلة ستعاني من عواقب هذا التدهور.

وعلى الرغم من أن الثروة العالمية آخذة في الازدياد، فمما يؤسف له رسوخ عدم المساواة بين البلدان، وزيادة تخلف البلدان المنخفضة الدخل عن أخذ نصيبها في الثروة العالمية. ولرأس المال الطبيعي المتجدد أهمية خاصة بالنسبة للبلدان المنخفضة الدخل، حيث يمثل 23% من مجموع ثرواتها. وهذا يعني الأهمية القصوى لإدارة الأصول الطبيعية المتجددة على نحو حريص وحصيف لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وضمان تحقيق الرفاهية للشرائح الأشد ضعفا والأولى بالرعاية.

ونظرا لتجاهل الآثار الناجمة عن التلوث والاحترار العالمي بسبب تغير المناخ ، جرت العادة أن يتم تقييم أصول الوقود الأحفوري بأعلى من قيمتها، وفي الوقت نفسه جرت العادة أن يتم تقييم الأصول التي تساهم في التخفيف من آثار تغير المناخ مثل الغابات بأقل من قيمتها الحقيقية مما يؤدي إلى تدهورها أو نفادها. ويمكن للحكومات أن تمنح حوافز على مستوى السياسات لإيضاح القيمة الحقيقية المستدامة للثروة.

ومثال على ذلك أشجار المنغروف؛ والشجيرات والأشجار الصغيرة التي تنمو في المياه المالحة والساحلية. فقد زادت قيمة أشجار المنغروف أكثر من 250% في السنوات 1995 - 2008. ويرجع ذلك إلى أن المناطق الساحلية التي تساعد هذه الأشجار على حمايتها قد زادت قيمتها، وفي الوقت نفسه، أصبحت أكثر عرضة لمخاطر الفيضانات. وتقدر ثروة أشجار المنغروف العالمية الآن بأكثر من 547 مليار دولار. ولما كان من المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة وتيرة العواصف الساحلية وشدتها، ستستمر قيمة أشجار المنغروف في الازدياد.  ويمكن للسياسات التي تستهدف استعادة الغطاء الأخضر من أشجار المنغروف وتوسيع نطاق هذا الغطاء أن تؤدي زيادة هذه الثروة بل وحمايتها، مع زيادة قيمة الأصول التي تحميها.

وثروات الطاقة المتجددة التي تهبها الطبيعة، مثل المياه والرياح وأشعة الشمس، ثروات كبيرة للغاية للبلدان ولكن البلدان لا تدرجها في حساباتها. وتبين الحسابات التجريبية أن قيمة أصول الطاقة الكهرومائية تتطابق بالفعل مع قيمة أصول الوقود الأحفوري في بعض البلدان. ومن شأن تحسين سياسات الطاقة والمناخ إطلاق ثروات كبيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لا سيما إذا لم تعد أسواق الكهرباء تستخدم محطات توليد الطاقة الحالية بالوقود الأحفوري عندما لا تكون قادرة على المنافسة.

وفي الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو إزالة الكربون وهو أمر حتمي، تواجه البلدان التي تعتمد ثروتها اعتمادا كبيرا على الوقود الأحفوري مخاطر.  وتظهر أمثلة المحاكاة الواردة في هذا التقرير أن التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون يمكن أن يقلل من قيمة أصول الوقود الأحفوري بما يصل إلى 6.2 تريليون دولار في السنوات 2018 ــ 2050، وسيكون هناك تفاوت في توزيع هذا الأثر بين البلدان، لا سيما تلك التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الوقود الأحفوري وعلى مسارات السياسات الدولية. وبعض البلدان المنخفضة الدخل، بما فيها البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات التي لا تملك سوى القليل من الأصول غير الوقود الأحفوري، ستحتاج إلى تعاون تكنولوجي ومالي لبناء مصادر ثرواتها وتنويعها، وتطوير النظم اللازمة للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون.

والثروة العالمية لم تكن أكبر من أي وقت مضى، كما أن المخاطر التي تواجهها لم تكن أكبر من أي وقت مضى. ويمكن لواضعي السياسات اتخاذ تدابير، على سبيل المثال تحسين السياسات والتسعير الدقيق، كي تحدد على نحو دقيق قيمة الأصول وتدفع عجلة النمو الاقتصادي المستدام والقادر على الصمود في مواجهة المخاطر المستقبلية. والحكومات ليست الأطراف الفاعلة الوحيدة التي تستحوذ على الأهمية الكبرى. فالأفراد والشركات والمستثمرون هم جميعا مديرو هذه الأصول، والخيارات التي يتخذونها يمكن أن يكون لها أثر كبير على مستقبل كوكبنا ورخاء الأجيال القادمة.

وعلى الرغم من أننا قطعنا شوطا طويلا في قياس الثروة، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. وتمثل خدمات الطاقة المتجددة والمياه واحتجاز الكربون التي تقدمها النظم الإيكولوجية أصولا أخرى غاية في الأهمية لتحقيق الاستدامة والرفاهية، ولكنها لم تُدرج بعد في حسابات الثروة. ولا تقيس حسابات الثروة إلا القيمة التي تحددها الأسواق. والأصول الطبيعية التي لا يمكن تحديد مالكيها وليس لها أسعار سوق يمكن ملاحظتها بسهولة تخرج من هذا التقييم في أغلب الأحوال. وتتطلب التحديات العالمية الجديدة مفاهيم وتصورات وبيانات وأدوات جديدة في الاقتصاد، لذا سيكون من المهم أن نتفهم طبيعة الثروة على نحو مستمر. 

وفي مؤتمر الأمم المتحدة القادم بشأن تغير المناخ، ومؤتمر اتفاقية التنوع البيولوجي، ستحدد البلدان في جميع أنحاء العالم مستهدفات جديدة للمناخ والطبيعة. وهما فرصتان غاية في الأهمية لتطبيق الدروس المستفادة بشأن الثروة والاستدامة، واستخدامها لرسم مسار تنمية أكثر خضرة (أكثر مراعاة للبيئة) وأكثر قدرة على الصمود في مواجهة الصدمات وأكثر وشمولا.