الملكة نفرتيتي أقوى نساء مصر القديمة والأكثر غموضا

الملكة نفرتيتي أقوى نساء مصر القديمة والأكثر غموضا
الكاتب: 

شدا ناصر

مراسلة
التاريخ: 
السبت, فبراير 26, 2022 - 08

تميزت الملكة نفرتيتي بأنها إحدى أقوى نساء مصر القديمة وأكثرهن غموضًا، وجلست إلى جوار أخناتون ملكة بين سنتي 1353-1336 ق.م، ويُظن إنها حكمت المملكة الحديثة لوحدها بعد وفاة زوجها، وعرف عن عهدها أنه كان عهد اضطراب ثقافي عظيم بعد أن أعاد أخناتون تشكيل بناء مصر الديني والسياسي فجعله متمحورًا حول عبادة إله الشمس آتون.

وتعرف نفرتيتي اليوم من تمثالها النصفي الملون المصنوع من الحجر الرملي، وقد اكتُشف سنة 1913 فأصبح أيقونة عالمية لجمال الأنثى وسلطتها.
الملكة نفرتيتي

وربما كانت نفرتيتي ابنة «آي»؛ رئيس مستشاري الفرعون، الذي أصبح فرعونًا بدوره بعد موت توت عنخ آمون سنة 1323 ق.م، وربما كانت أميرة من مملكة ميتاني (شمالي سوريا)، وقد كانت ملكة على أي حال بصفتها زوجة أخناتون المفضلة حين تربع على العرش في طيبة باسم أمنحوتب الرابع.

وكان  أمنحوتب الرابع آتون قد استبدل بإله مصر الرئيسي آمون، في سنة حكمه الخامسة، ونقل العاصمة شمالًا إلى العمارنة ونبذ اسمه القديم ودعا نفسه أخناتون، وفي ذلك الوقت أضافت نفرتيتي إلى اسمها القديم الاسم «نفر نفرو آتون» فأصبح معنى اسمها الكامل «جميلة هي محاسن آتون، الجميلة أتت».

وربما لا يعلم الكثيرين بأن جمال تمثال نفرتيتي النصفي لا يتعدى حدود الجلد؛ إذ صوِّر بالأشعة سنة 2009 فأظهر التصوير أن تحت السطح الجبسي الصقيل والملون يوجد نحت من الحجر الجيري أكثر واقعية لامرأة مجعدة الخدين يشوه أنفها نتوء ظاهر.

وتغيرت التقاليد الفنية بصورة جذرية مع انقلاب أخناتون الديني، فهُجرت صور الفراعنة المثالية لصالح تمثيل أكثر واقعية حتى إن أخناتون كان يصوّر أحيانًا بوركين أنثويين وملامح وجه مبالغ فيها، أما صورة نفرتيتي المبكرة فقد كانت تُظهر شابةً نمطية إلا أنها أُظهِرت في هيئة شبيهة بهيئة أخناتون لاحقًا قبل أن تُصور -أخيرًا- في هيئة جليلة لكن واقعية.

وقد تفوقت نفرتيتي على باقي ملكات مصر بعدد صورها المنقوشة بجانب صور زوجها على جدران المقابر والمعابد، وكثيرًا ما صُورت في مواقع القوة والسلطة كالنقوش التي تجعلها تترأس عبادة آتون أو تقود عربة حربية أو تسحق بنفسها أحد الأعداء.

ولقد ولدت نفرتيتي لزوجها ست بنات وحينها بدأ أخناتون يتخذ زوجات أخريات بجانبها ومنهن أخته التي أنجبت له الفرعون المستقبلي توت عنخ آمون، الذي تزوج -لاحقًا- من «عنخ إسن با آتون» أخته لأبيه وابنة نفرتيتي.

تختفي نفرتيتي من السجلات التاريخية نحو السنة الثانية عشرة من حكم أخناتون الذي دام سبعة عشر عامًا، ربما تكون قد توفيت في تلك الفترة وربما تكون قد أصبحت شريكة رسمية لزوجها في الحكم تحت اسمها الجديد نفر نفرو آتون.

ثم خلف الفرعون «سمنخكارع» أخناتون ويقترح بعض المؤرخين أن يكون سمنخكارع اسمًا آخر لنفرتيتي، ولن تكون تلك المرة الوحيدة في التاريخ الفرعوني التي تحكم فيها امرأة المملكة متخفية في هيئة رجل إذ فعلت ذلك حتشبسوت في القرن 15 ق.م حتى إنها ارتدت لحية شعائرية مزيفة.

فإن كانت نفرتيتي قد احتفظت بالسلطة في أثناء حكم زوجها وبعده فمن الممكن أن تكون هي من بدأ تغيير سياسات أخناتون الدينية، التغيير الذي أثمر العودة الى الدين القديم في عهد توت عنخ آمون، إذ نجد أن نفر نفرو آتون وظفت -في وقتٍ ما- كاتبةً لتقديم القرابين إلى آمون تطلب منه العودة لنشر نوره وتبديد الظلمة من المملكة.
تمثال الملكة نفرتيتي النصفي
قاد عالم الآثار الألماني لودفيغ بورشاردت حملة استكشاف أثرية عملت في موقع ورشة النحات الملكي تحتموس بالعمارنة، وقد عثرت في 6 كانون الأول/ديسمبر 1913 على تمثال مرمي على أرضية الورشة ومدفون تحت ركام من الرمال.

إن أظهر التمثال الملون رقبة ممشوقة ووجهًا متناسق القسمات، جليل الملامح، وغطاء رأس اسطوانيًا أزرق يميز صور نفرتيتي دون غيرها، وكان فريق بورشاردت قد اتفق مع الحكومة المصرية على تقاسم القطع الأثرية، وكان نصيب التمثال النصفي الشحن إلى ألمانيا. ولم تُنشر إلا صورة واحدة للتمثال في مجلة للآثار قبل أن يُسلم إلى ممول الحملة جاك سيمون ليعرضه في مسكنه الخاص مدة 11 سنة.

وقد اكتشف عالم المصريات البريطاني هوارد كارتر -سنة 1922- مقبرة توت عنخ آمون، فأثار ضجة في العالم وأضحت صورة قناع توت عنخ آمون الجنائزي المصنوع من الذهب الخالص رمزًا للجمال والثروة والسلطة، وبعد سنة واحدة عُرِض تمثال نفرتيتي النصفي على الجمهور في برلين، ليُجابَه توت عنخ آمون «الإنكليزي» بقطعة «ألمانية» للجمال الفتان القديم.

وبقي تمثال الملكة نفرتيتي النصفي في يد ألمانيا خلال اضطرابات القرن العشرين، وقد بجله هتلر الذي قال: «لن أتنازل أبدًا عن رأس الملكة»، وأخفي التمثال في منجم ملح حماية له من قنابل الحلفاء ثم رغبت به ألمانيا الشرقية بشدة طوال الحرب الباردة، أما اليوم فالتمثال معروض في متحف برلين الجديد يزوره خمسمئة ألف زائر في السنة.