مظفر النواب الشاعر الغاضب "ملك القصيدة الثورية"

مظفر النواب الشاعر الغاضب "ملك القصيدة المهرية "
الكاتب: 

نسرين حلس

رئيس التحرير
التاريخ: 
الاثنين, مايو 23, 2022 - 09

لم يكن مظفر النواب شخصية عادية بل أن الحديث عنه يشكل محطة لاستذكار شخصية وقامة كبيرة ليست فقط شعرية وأدبية، إنما هي قامة وطنية سياسية واجتماعية عالية بنيت وصقلت مواقفها الفكرية والسياسية بناءا على أفكاره وانتماءاته التقدمية والتنويرية التي تبلورت في مراحل شبابه الأولى، فالشاعر عاش في وجدان القراء والناس لإنه تبنى قضاياهم وهمومهم، وهو ما تسبب في عيشه في العديد من المنافي خارج بلاده".

لقد وُلد مظفر النوّاب في بغداد في عام 1934 حيث نشأ وترعرع فيها ودرس وتخرج من كلية الآداب في جامعة بغداد. ثم انضم بعد ذلك للحزب الشيوعي العراقي وتعرّض للتعذيب من قبل الحكومة الهاشمية. و يعتبر  أحد أبرز شعراء العراق الذين بدأوا مسيرتهم الشعرية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي  وبرحيله انطوت صفحة من صفحات تلك المرحلة في تاريخ الشعر العراقي . كانت قد تميزت بالغنى والتجريد والخروج عن القالب المألوف وروح التمرد.

وقد ولد النواب في عائلةٍ أرستقراطيةٍ غنية مسلمة شيعية . يعود نسبها إلى الإمام موسى الكاظم، سافر أجداده إلى الهند حيث نُفيوا إلى هناك ولكنهم أصبحوا من أهم الرجال فيها بسبب طيب سمعتهم. عادت العائلة إلى العراق بعد أن نفاهم الإنجليز إليها أثناء الاحتلال الإنجليزي للبلاد.

وكانت عائلته تربطها صلةٌ كبيرةٌ بالموسيقى والفن. فتأثر  هو بذلك منذ نعومة أظافره، وفي المدرسة اكتشفه معلمه والتمس موهبته الفطرية في نظم الشعر وسلامة التقطيع العروضي. فبدأ كتابة الشعر  في مرحلة المدرسة الإعدادية ، حيث كان يكتب الشعر في مجلة الحائط المدرسية التي كانت توضع كنشاطٍ ثقافي للطلاب.

وعند بدايات المرحلة الجامعية ، تعرّض والده لأزمةٍ ماليةٍ قوية أدت به إلى حد الإفلاس، وكان النوّاب في تلك الفترة في كلية الآداب. فعانى كثيرا من قسوة الحياة بسبب ظروف أهله المادية الصعبة وخسارتهم لقصرهم الذي كان يعجّ بالندوات الثقافية.

وبعد أن تخرّج النوّاب من الجامعة ، بدأ العمل في مؤسسات الدولة العراقية، فعمل كمفتشٍ فني في وزارة التربية في بغداد. وكان قد حظي بفرصةٍ مشجعة لإكمال وتعزيز مسيرته في كتابة الشعر حين أقيمت فعالية تحثّ الموظفين الموهوبين على عدم قتل موهبتهم في المؤسسات والمكاتب الحكومية.

وقد أشتهر مظفر النواب بقصائده الثورية القوية وبالقسوة اللاذعة على الديكتاتوريين العرب. فعاش منفىيا في العديد من البلدان من ضمنهم سوريا، مصر ، لبنان و إريتيريا حيث مكث مع العديد من المتمردين الإريتيريين قبل أن يعود إلى العراق في عام 2011. 

كما أقام العديد من الأمسيات الشعرية وكان مهتمًا في القضايا القومية والاجتماعية والسياسية الخاصة بالعرب،  كتب الشعر بالعامية باللهجة العراقية، وحاضر في الشعر بالعامية حيث اشتكى العديد من الحاضرين في مجالسه بعدم فهمهم للهجة العراقية. له العديد من القصائد التي حازت على ضجةٍ كبيرة مثل قصيدة بنفسج الضباب، رسالة حربية عاشقة، في الحانة القديمة، جسر المباهج القديمة، اللون الرمادي، زرازير البراري، قمم، بيان سياسي، جرس عطلة، السلخ الدولي وباب الأبجدية، بكائية على صدر الوطن، قل هي البندقية أنت، وقصيدة من بيروت

 تناولت قصائد النوّاب مواضيعًا عدة حيث حمل بعضها قليلا من تجربته الشخصية مع الحكم العراقي ومع الحزب الشيوعي في العراق ومع الأنظمة العربية بشكلٍ عام، وحمل بعضها موضوعًا عامًا حول القضايا العربية، وقد تمحورت بعض قصائده حول أشخاصٍ محددين. فيما تناولت بعض قصائده الأخرى موضوع المرأة والجسد والإنسان بشكلٍ عام وعلاقته مع الله، وخصَّ في بعض قصائده فلسطين والعدوان الإسرائيلي على مدينة غزة.

لاقت العديد من قصائده  استحسانا كبيرا وأصداء عالية، ومع ذلك و بالرغم من شهرته العريضة التي حظي بها، بسبب  قصائده الثورية و السياسية داخل العراق وخارجه ، إلا أن شعره العاطفي والغزلي وخاصة باللهجة العامية العراقية لاقى استحسانا كبيرا فهو لا يقل جمالاً ورونقاً وسحراً. وقد نشرت أول طبعةٍ عربيةٍ كاملةٍ عن أعماله في لندن في عام 1996 من قبل دار نشر يدعى “دار قنبر”.

وفي العام 1963 بعد اشتداد المنافسة بين القوميين والشيوعيين العراقيين الذين تعرضوا للملاحقة الأمنية القضائية والمراقبة الصارمة من قبل النظام الحاكم اضطر إلى مغادرة العراق.هاربا إلى إيران عن طريق البصرة . وقد اعتُقل وعُذب من قبل الشرطة السريّة الإيرانية  وتم وضعه في سجن بالقرب من الحدود السعودية العراقية وبقى فيه مدة من الزمن، قبل إعادته إلى الحكومة العراقية، التي وضعته في سجن جنوب العراق . وأُصدر فيما بعد قرارًا بإعدامه بسبب أحد القصائد التي كتبها، ولكنّ هذا الحكم تم تخفيفه إلى السجن المؤبد مدى الحياة. و في السجن قرر النوّاب وزملائه الهرب، فحفروا نفقًا من الزنزانة إلى خارج السجن. وقد أحدث هروبه وزملائه ضجةً كبيرةً في أنحاء العراق والدول العربية المجاورة آنذاك.

و بعد الهروب المثير من السجن توارى عن الأنظار في بغداد، وظل مختفيًا فيها ثم سافر إلى جنوب العراق وسكن الأهوار، وعاش مع الفلاحين والبسطاء ما يقارب العام. وانضم إلى فصيل شيوعي سعى إلى قلب نظام الحكم.. وفي عام 1969 صدر بيان العفو عن المعارضين فرجع إلى سلك التعليم مرة ثانية فشغل منصب مدرس في إحدى المدارس. ثم غادر بغداد إلى بيروت في البداية، وبعدها انتقل إلى دمشق، وظل يسافر بين العواصم العربية والأوروبية، واستقر بهِ المقام أخيرًا في دمشق ثم بيروت. كما تعرض النواب لمحاولة اغتيال في اليونان في العام 1981.

قصائده الثورية القوية، تسببت في نفيه،  فعاش في المنفى في العديد من البلدان، بما في ذلك سوريا ومصر ولبنان وإريتريا، حيث أقام مع المتمردين الإريتريين، قبل أن يعود إلى العراق في عام 2011. قبل عودته إلى العراق، وكان عديم الجنسية ولم يكن قادرًا على السفر سوى بوثائق السفر الليبية . إذ كان قد حل على العقيد معمر القذافي كشاعر كبير، وأقام في ليبيا لسنوات، واتخذ من جواز سفرها هوية رسمية.

وغالبا ما كان يلقب «الشاعر الثوري». فشعره حافل بالرموز الثورية العربية والعالمية. استخدم عمله في إثارة المشاعر العامة ضد الأنظمة القمعية والفساد السياسي والظلم. كما أن لغته الشعرية وصفت بالقاسية، وتستخدم الألفاظ النابية من حين لآخر. استخدمت كتاباته الأولى لهجة جنوب العراق لأنه كان يعتقد أن تلك المنطقة «أكثر ثورية». ومع ذلك، فشل استخدام تلك اللهجة في جذب جمهور كبير، وتحول في النهاية إلى اللغة الكلاسيكية في أعماله اللاحقة.

ويعتبر كثيرون أن مظفر النواب هو "الوريث الشرعي" للشاعر الفلسطيني عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)؛ إذ تأثر  كثيرا بأشعاره. وبعد  88 عاماً من رحلة حافلة من التجوال بين حدود الأرض، لم يستقر فيها في بلد محدد، توقف قلبه عن النبض إذ أنه يوم الجمعة الموافق 20 مايو 2020 استفاقت الأوساط الثقافية والأدبية في العالم على خبر رحيله، الذي أحزن الكثيرين ، فقد كان له مكانة كبيرة نفوس العراقيين والعرب، ليرحل بذلك عن دنيانا ويحط رحاله عند ربه، مترجلاً في الشارقة عن حصان الشعر، تاركاً خلفه ثلة من قصائد، وأشعاراً أنارت جنبات مكتبة الشعر العربي على اتساعها. من سرير المرض الذي التزمه طويلاً، رحل مظفر النواب الذي كتب ذات يوم «جئت من كل منافي العمر.. أنام على نفسي من التعب»، وهو الذي عاش تعباً، ومتنقلاً بين مدن الدنيا على اختلاف مشاربها ولغاتها.

 


Deprecated: Directive 'allow_url_include' is deprecated in Unknown on line 0