يصطحبنا المعلم زياد اليوم ليحدثنا عن عهد الخلفاء الراشدون مع فلسطين ، فيسرد قائلا :
أبنائي الأعزاء إن عهد الإسلام بفلسطين ممتد عبر كافة حكام المسلمين فبداية بعهد الخلفاء الراشدون ......
لم تنقطع علاقات الجزيرة العربية مع فلسطين على مرّ التاريخ، إلا أن الإسلام أخذ يهتم بها بجدية وذلك لارتباطها بمسرى الرسول (ص)، ولكونها أول قبلة للمسلمين قبل اعتماد الكعبة قبلة ثانية.
بدأ العصر الراشدي بخلافة أبي بكر الذي كان أول عمل له هو إرسال جيش أسامة بن زيد، الذي جهزه الرسول لفتح فلسطين قبل وفاته، لكن أبو بكر توفي وفلسطين لم تفتح بعد. واصل عمر بن الخطاب أداء مهمة أبي بكر، وانتقل بنفسه إلى ميدان القتال، حتى أن التاريخ يذكر أن عمر خصّ فلسطين، دون سواها من البلدان التي تم فتحها بأربع زيارات.
كانت فلسطين قسماً من الأقسام الأربعة التي قسم عمر البلاد على أساسها، واحتفظ جند فلسطين بوضعه الذي أرساه عمر بن الخطاب لزمن طويل.
كان عمرو بن العاص أميراً على فلسطين في عهد عمر، ولمّا سار لفتح مصر استخلف أبا عبيدة بن الجراح الذي جعل يزيد بن أبي سفيان أميراً على فلسطين. ومات أبو عبيدة في طاعون عمواس فاستخلف معاذ بن جبل على إمارة الشام، ومات معاذ فاستخلف يزيد بن أبي سفيان الذي وضع أخاه معاوية أميراً على فلسطين فأقره عمر. ولما توفي يزيد تولى معاوية إمارة الشام فأصبح علقمة بن مجزر أميراً على فلسطين. واستمر معاوية في إمارة الشام يولي الأمراء ويعزلهم حتى ما بعد العصر الراشدي.
ظلت الأرض ملكاً عاماً للمسلمين في فلسطين، يزرعها الناس مقابل خراج معين، وحافظ أصحاب الديانات الأخرى على دياناتهم مقابل الجزية.
تدفقت القبائل العربية إلى فلسطين بعد الفتح؛ فاستقرت غسان في اليرموك والجولان، الأشعريون في طبريا ومدين في ما بين تبوك والعريش وبيت جبرين. وسكن أريحا جماعة من قيس وقريش، كما نزلت قبائل من لخم بين مصر والشام، وسكن بنو بكر منطقة جنين وبعض من مضر في نابلس.
أعطى موقع فلسطين لسكانها بعد الفتح دوراً كبيراً في حركة الجهاد، سواء في رد المحاولات البيزنطية لاستعادة فلسطين أو في حركة الفتح الإسلامي. حتى أن معاوية أقام مصنعاً للأسلحة البحرية في عكا، فوضع بذلك أساساً لأول أسطول إسلامي في عهد عثمان.
في الفتنة التي حدثت بعد مقتل عثمان وقف أهل فلسطين مع معاوية في المطالبة بدم عثمان وخرجوا معه للقتال في "صفين"، وعندما انتهت المعركة إلى قرار التحكيم، جرى التحكيم في منطقة أذرح بأطراف فلسطين الشرقية، وظل أهل فلسطين موالين لمعاوية ولمن جاء بعده إلى أن توفي يزيد بن معاوية، فوقف نائل بن قيس الجذامي إلى جانب عبد الله بن الزبير وأعلن له البيعة.
خلق التعدد السكاني في فلسطين بعد الفتح تنوعاً حضارياً وتنوعاً لغوياً، فقام المسلمون بإنشاء دور العبادة ودور العلم في طول البلاد وعرضها، ولما كثر توافد الناس إلى دور العلم بعث لهم عمر بن الخطاب معاذ بن جبل الذي ظل يدرس فيهم حتى وفاته، فتولى التدريس بعده عبادة بن الصامت حتى مات عام 34هـ.
كان من جراء هذا الدور الحضاري أن استعربت غالبية السكان في الشام وفلسطين، فغلبت الصبغة العربية على البلاد مما أدى إلى تعريب الدواوين بعد ذلك كضرورة تاريخية في عهد عبد الملك بن مروان.
الأمويون:
ارتبطت بلاد الشام بالأمويين منذ ما قبل الإسلام، لذا فقد حظيت فلسطين في عصرهم بامتيازات. وشهد مطلع العصر الأموي استقرار التوزيع القبلي في فلسطين، وفرضت الضرورات العسكرية تكوين الأجناد مما أدى إلى تقسيم الشام إلى 4 أجناد كانت فلسطين واحداً منها.
كانت الأرض في فلسطين شبه مشاعية، واهتم الأمويون بتطوير الزراعة فيها،خاصة في مناطق الغور، وكان معاوية وابنه يحبان الإقامة جوار طبرية. وقد بني الوليد بن عبد الملك قصر المشتى قرب البحر الميت، وبني سليمان بن عبد الملك مدينة الرملة سنة 98هـ. وقام معاوية بترميم سور القدس، واعتنى ببساتينها وغاباتها وبني دارا لصناعة السفن في عكا.
عين مروان بن الحكم ابنه عبد الملك والياً على فلسطين، فواجه ثورة قبلية قضى عليها. ومالت فلسطين في عهد عبد الملك إلى عبد الله بن الزبير في ثورته بمكة، وقد سيطر على فلسطين نائل بن قيس الخزامي سنة 64هـ ودعا إلى ابن الزبير، فالتقاه عبد الملك في أجنادين وقتله. وانتهز الروم فرصة المشاكل هذه فأثاروا الجراجمة في لبنان وفلسطين، فهاجموا سواحل الشام.
وبنى عبد الملك بن مروان قبة الصخرة والمسجد الأقصى، ويعد مسجد قبة الصخرة أول مسجد للإسلام في الشام كلها (72هـ).
استطاع الوليد بن عبد الملك القضاء على فتنة الجراجمة في فلسطين فتميز عهده بالاستقرار.
إثر مقتل الوليد بن يزيد (744م) ثارت فلسطين على واليها، فأخمد يزيد بن الوليد ثورتها وعين عليها ضبعان بن روح. وفي وسط هذه المحن ظهر مروان بن محمد، الذي سار إلى دمشق للانتقام لمقتل الوليد، لكن أهل فلسطين، بقيادة ثابت بن نعيم الجذامي تمردوا على مروان الذي صمد في وجه التمرد وقبض على ثابت الجذامي فهدأت الفتنة مؤقتاً. وظل مروان يخمد فتنة تلو أخرى إلى أن أخضع الشام في النهاية سنة 746م.
وحين بدأت الدعوة للعباسيين وتولى أبو العباس الخلافة سنة 132هـ 749م، كان مروان بن محمد لا يزال صامداً وانسحب إلى فلسطين. وقتل عبد الله بن علي 70 رجلاً من أمراء بني أمية بعد أن أعطاهم الأمان عند نهر العوجا في فلسطين وبذلك انتهت الخلافة الأموية.
إضافة تعليق جديد