لبنان الصاعد من الرماد للشاعر يوسف عبد الصمد

لبنان الصاعد من الرماد للشاعر يوسف عبد الصمد
الأربعاء, ديسمبر 29, 2021 - 08

كتب : يوسف عبد الصمد

كتب لي صديقٌ شاعرٌ يهنّئني بعيد الأضحى في الوقت الذي كان فيه لبنان منهارًا بينَ الفوضى والدمار. أجبْتُهُ بهذه الابيات:

 

أعيدٌ! والكؤوسُ بلا شَرَابِ وطَعْمُ العَيْشِ مِنْ طَعْمِ التُّرابِ
وحبُّ العَيْشِ ليسَ بمستحبٍّ ولا ما طابَ فيهِ بمستطابِ؟
أعيدٌ! والأسى لمْ يُبْقِ عيدًا ولا فَرَحًا يُرِيحُ من العذابِ
أَذلكَ! كانَ مِنْ تَفْجيرِ آبٍ؟ وما أَدْراكَ ما تَفْجيرُ آبِ!
صُعِقْنا، عِنْدَ زَلْزَلَةٍ وقصْفٍ وعَصْفٍ هزَّ أعصابَ الهِضابِ
كمَنْ صُعِقوا بِهِ وغدَوا سُكارى ومَذْعورينَ مِنْ حجمِ الخرابِ
وحكّامٍ لنا! حَكَموا علَيْنا بساعي الموتِ يقرعُ كلَّ بابِ
ونحنُ لَهُمْ خَسِرْنا ما لَدَيْنا وبِعنا ما علينا من ثيابِ
وأعْطَيْنا الذي لمْ يبقَ منّا   لِعرّافٍ وصرّافٍ مُرابي
***
إذا لبنانُ ظلَّ كما نراهُ بأيدي الفَالِتِينَ مِنَ العِقابِ
وعَنْ أرضِ الجدودِ الشمسُ غابتْ وليلُ غيابها غطّى الروابي
فلبنانُ الذي ما زالَ فينا لهُ شمسٌ تُضيءُ بلا غِيَابِ
وإنْ كنّا، بِظُلمِ بني أبينا لنا،  ضُعْنا بوديانِ الضَّبابِ
ومِنْ أمْجادِنا لمْ يبقَ شيءٌ سوى قَلَمٍ وبُقيا مِنْ كتابِ
سنُرجعُ ما بأيدينا تَدَاعى وقدْ عُدْنا بلبنانِ الشبابِ
وبيروتُ التي بالنارِ حَرْقًا قَضَتْ، ستعودُ راقصةَ القِبابِ
وروحُ فتى الربيعِ تَسيرُ زَحْفًا بغاباتِ الأسنّةِ والحِرابِ
ومِنْ وَطَنِ الغَدِ الخلاّقِ نُعْطَى الذي نَرْجوهُ مِنْ مَطَرِ السَّحابِ
ولبنانُ التجدّدِ! سَرْمَدِيٌّ وليسَ من الترابِ إلى الترابِ
لندن في الرابع من شهر- آب سنة – 2021
***
ربّةُ الشعر
ربّةُ الشعرِ التي طيِّ الغيومْ
 والتي أجفانُها لمْ تنعسِ 
أُنظري ما فَعَلَتْ فيَّ الكلومْ
 واغسليني بدموعِ النرجسِ
قبلَ أن طيفُكِ من طيفي دنا
 كنتُ في حضنِ الروابي ألعبُ
جانيًا ما طابَ فيها من جنى 
 ومن الغدرانِ ماءً أشربُ
وفراشاتٍ بألوان المنى
 والمنى من صائديها تهربُ
ومن الملكِ الذي صارَ لنا
 ظلَّ ما ظلَّ من الاندلسِ
ذكرياتٌ، ودموعٌ، وشجونْ
 ونقوشٌ في سقوفٍ ضلَّعِ
وقِلاعٌ تعبتْ منها السنونْ
 لمْ تزلْ تلوي عليها أضلعي
وحكايا بلَغتْ حدَّ الجنونْ
 عن حماقات الملوكِ الخُنَّعِ
تركتْ ما كان ممّا لا يكونْ
 لنيوبِ القَدَرِ المفترسِ
آه يا ملهمتي ماذا جرى؟
 لكِ حتى تتركيني للعذابْ 
كنتُ في عينَيكِ جنّاتٍ أرى
 أيَّ جناتٍ وأنهارٍ عِذابْ
ولقدْ أصبحتُ أمشي القَهْقَرى
 بعدما صرتُ بما يُبلى مُصابْ
حابسًا بي نهرَ أحزانٍ جرى
 ماؤهُ الدمعُ الذي لمْ تُحْبَسِ
ربّة الشعرِ التي طيِّ الاثيرْ 
 خلفَ شبّاكي الزجاجيِّ اجلسي
وانظريني أكتبُ السطرَ الاخيرْ
 قبلَ أن تلفظَ نفْسي نَفَسي
***
لو زادَ تَعْذيبي
لَوْ زادَ تَعْذيبي وَزِدْتُ جُنونا
    وعَلى مُعَذِّبَتي صَبَرْتُ سِنينا
أألومُ قاتلتي إذا سَفَكَتْ دَمي
 وأنا الذي أعْطَيْتُها السِّكَّينا
كانَتْ تُعَذِّبُني، وكُنْتُ أُحِبُّها
 وبِحُبِّها عِشْتُ السِّنينَ حَزِينا
حُزْنًا على أمسٍ ثمينٍ عِشْتُهُ
 وَغَدًا بِهِ صارَ البقاءُ ثَمِينا
ولأنَّ زَنْبَقةَ الفُصولِ تأخَّرَتْ
 وَدَخَلْتُ قَبْلَ ربيعها تِشْرينا
أفْنَتْ على العُمُرِ المُضَاعِ حبيبتي
 عُمْرًا شبابيًّا تَجَدَّدَ فينا
وعَلَيْهِ! منْ حزنٍ علَيْهِ لمْ نَزَلْ
 نَبْكي مَعًا حينًا ونَضْحَكُ حِينا