مما لا شك فيه أن التدخل الروسي في أوكرانيا كان ومنذ سنوات على طاولة الرئيس بوتين الساخنة، وقد تحدث عن ذلك صراحة ففي أول لقاء له مع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون قبل أكثر من عقدين من الزمن قال له بوتين بأن أي حرب ستنشأ في القارة الأوروبية ستكون أوكرانيا سببا فيها وهو بذلك لم يكن يبالغ أو يتخيل بل كان على علم مسبق بما يمكن أن يشكله تحول أوكرانيا للمعسكر الغربي دونما النظر لمصالح الجارة العظمى.
وفي خطابه الأخير وحتى قبل ذلك كان دائما يتحدث عن الخلفيات التاريخية والأرض والارتباطات الأيدولوجية التي تجمع الجارتين حتى أنه قد تطرق في حديثه عن نوع من الحماية الدينية التي يجب أن تشكلها روسيا الجديدة للكنيسة الأرثوذوكسية في أوكرانيا، وبذلك فهو يعطي صبغة دينية واضحة لطبيعة نظرته الخاصة لعمق الترابط بين البلدين والشعبين. وهذا تحديدا ما فشل المعسكر الغربي في قراءته والذي تعامل مع الأمر من منطلقات أمنية ومصالح بحتة متجاهلا حجم وطبيعة الترابط التاريخي والديني بين البلدين، فروسيا بوتين ليست روسيا يلتسن وهي لن تترك خاصرتها الضعيفة تفلت باتجاه الأعداء التقليديين حتى وإن كلفها الأمر أكثر من مجموعة من العقوبات الاقتصادية وهي بكل تأكيد لم تدخل بهذه الخطوة الكبرى دون أن تأخذ بالحسبان ردود الأفعال الدولية وخاصة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
لذلك فالخيارات الروسي بلا ادنى شك جاهزة ومعدة قبل القيام بالعمل العسكري ضد أوكرانيا، وكان واضحا حجم التنسيق الروسي الصيني وطبيعة التفاهمات الأمنية والاقتصادية وكذلك السياسية بين البلدين الحلفين والذين تجمعهما ليس المصالح الاقتصادية وحسب بل الهموم المشتركة أيضا، فالتهديد الذي شعرت به موسكو من الانزياح الأوكراني نحو الغرب تعيشه الصين في أكثر من منطقة جغرافية كانت وما زالت تعتبرها جزءا أصيلا من حدودها الطبيعية والسياسية. وبهذا فإن ما يجمع بين روسيا والصين أكثر من تحديات مشتركة ستعملان على تخطيها معا، وكذلك فإن هذه التحديات ستدفعهما للتعاون فيما بينهما في شتى المجالات، كما أنه من المتوقع جدا أن تتحول الحرب الأوكرانية لبداية حقبة جديدة في العلاقات الدولية بحيث ستعمل الدول الممتعظة من السلوك الغربي والأمريكي في الأزمات الدولية المختلفة لا سيما جائحة كورونا التي ألقت بظلالها وتأثيراتها الكارثية على العديد من دول العالم وأظهرت بوضوح حجم التباين بين الدول الفقيرة والغرب، وهذا ما سيشكل لها دافعا قويا لتشكيل تحالف دولي على غرار الجبهة الشرقية التي كان يقودها الاتحاد السوفيتي زمن الحرب الباردة، غير أن موازين القوى الآن تختلف جذريا فالدور الصيني المتصاعد سيكون عاملا حاسما في حسم الصراع لصالح روسيا وحلفائها على المدى المتوسط والمدى البعيد وإن كان ذلك ليش بالنتيجة الصفرية فإنه سيكون على الأقل لتعديل الكفة التي مالت كثيرا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي مما سيؤدي لعودتنا لعالم ثنائي القطبية.
إضافة تعليق جديد