أمير الشهداء "أبو جهاد" غاب جسداً لكنّه بقي روحاً وفكراً وفكرة ، وقيماً وأخلاقاً، ونصراً وصموداً، وكرامةً وشجاعة.
أمير الشهداء؛ أحد أولئك القادة الأوفياء الشجعان، كان قلباً ينبض بحرارة الإيمان، وروح وثّابة ميادين العزة والكرامة، والصمود والتحدي و النضال .
وهو أحد صنّاع المنعطفات الوطنية في التاريخ الفلسطيني المعاصر، الذين سطروا أروع ملاحم البطولة وتركوا أفعالهم ونضالاتهم وتضحياتهم لتروي عنهم تفاصيل المسيرة.
تتزاحم الكلمات على بوابة مجدٍ تليد صنعه الرجال الرجال .
تلوذ بستار الحياء عبارات تروي تاريخ الشجعان الذين أوفوا بعهودهم وصدقوا وعودهم وأخلصوا عملهم وضحوا بأعمارهم صوناً لعدالة قضيتهم وحرية وكرامة شعبهم.
القائد "خليل الوزير" عنواناً يشعُ بنوره بين الكواكب كالبدر، أحد قمم وطنيتنا التي شمخت بحملِ أمانة شعبه بتفان حتى النفس الأخير، مسيرةٌ حفلت بالبذل والعطاء، إنه رمزٌ سبق الضوء أثراً، وإختصر المكان والزمان حضوراً، ونحت التحدي والكبرياء الفلسطيني على جدار تاريخنا المشرق.
تأتي ذكرى العظماء لتجدد فينا العزم على مواصلة النهج والسيرة والمسيرة، ولتبعث فينا الأمل من جديد نحو النصر والتحرير، ولتذكرنا بالعناوين التي رسمت بالدم الطاهر طريق العزة والإباء.
نستذكر اليوم القائد الفذّ الهمام، صاحب العبقرية الوطنية "أبو جهاد" الاسم الذي يتردد صداه بين قمم فلسطين جبلاً من جبالها.
صاغرةٌ هي الكلمات، بل تنزوي أمام هذا الاسم المنفرد، لعجزها عن وصفه ينبوعاً نضالياً لا ينضب في الذاكرة الفلسطينية، والذي امتد عقوداً من البذل والعطاء، كان فيها منارةً للتعاون والبذل والعطاء، وقد تتبختر الكلمات لِتُسهم في سرد البسيط من مسيرته النضالية الغنية بالكفاح.
إن الحديث عن القائد الشهيد "أبو جهاد" هو الحديث المقترن بتاريخ أمة ومسار ثورة، حديث عن تحديات وشموخ وإرادة شعب الجبارين.
نعم لقد عُرف الرجل المقدام، تقدم الرجال في أشد المواقف، و راية تخفق بين الرايات، عرف عنه أنه كان أخاً نصوحاً لإخوانه المناضلين قاعدةً وقيادة، وضع وطنه في حدقات عيونه، وفداه بروحه وجسده، كان صادقاً مع نفسه ومع الأخرين، وقيل عنه أنه كان يقول كلمة الحق ولو كان السيف على رقبته، كان قائداً و مناضلاً وفياً صامداً صبوراً محافظاً على طبيعته لا يتغير، ثابتاً على المبدأ لم يتبدل ولم تؤثر فيه تقلبات الأوضاع. هادئاً متزناً متحفزاً للعطاء، رجل المسؤولية يقدر المواقف حق قدرها، رجل الوحدة الوطنية ، كان يجسد وحدة ضرورية بين السياسة والأخلاق وبين الأخلاق والعمل التنظيمي، وقيل أنه كان يعيش تفاصيل الحال الفلسطيني ويناضل فيه بلا انقسام ولا انفصام، ولم ينظر إلى خصمه السياسي بمنظار الكراهية أوالانتقام أوت قليل الشأن، بل بمنظار الحوار مع الآخر لقناعته بأن الجميع يحمل هم فلسطين.
رجل اتفاق ووفاق وطني بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، وحدوياً يسعى جاهداً لإصلاح ما أفسده الدهر والآخرون بين المناضلين والثوار، و رمزاً للتسامح والمصالحة ومدرسة للوطنية الخالصة. أحب شعبه وبلاده أكثر من نفسه وجعل ذاته مدرسة في النضال والأخوة والمحبة والتسامح والإيثار والود والألفة، فأحبه أبناء شعبه بمكوناتهم السياسية والاجتماعية والتفوا حوله، إنه نموذج فريد من نوعه وظاهرة وطنية منفردة.
كان الشهيد قائدا وطنيا تاريخياً، آمن بالديمقراطية والتجديد والعدل والمساواة والتعددية الحزبية الثورية، ومارس فعلياً ذلك على أرض الواقع فبقيت مبادئه وقناعاته حية في وجدان إخوانه ورفاقه المناضلين.
أربعة و ثلاثون عاماً مضت على رحيلك عنّا يا أعزّ الرجال ولا تزال العين تدمع والقلب يبكي ألماً وحرقة على فراقك وغيابك.
رحلت بجسدك من بينتا ولكنك بقيت في قلوبنا حياً. بكاك الرجل والكهل، والمرأة والطفل، والشيخ والقسيس والشعب الأبي، عشت حراً كريماً شامخاً، ومت شهماً شجاعاً قوياً. لا نهوى البكاء ولكن الدمع يتمرد على مقلنا فيغادرها ليعلن ولادة فقدنا المتجدد، فينا أنت "أبو جهاد" دائم الحضور، تحتل كل المسافات في العقل والقلب والوعي والوجدان في مخزون الذاكرة ونظرات المستقبل. التحية كل التحية لشهداء الثورة الفلسطينية؛ أبو عمار ، وأبو جهاد، وأبو اياد، وجورج حبش، والشقاقي، والياسين والقائمة تطول من القادة والرجال الذين قدموا أرواحهم ودمائهم من أجل حرية الوطن، فاستحقوا أن تنحني لهم الهامات، لأنهم كانوا بلسماً يشفي جراح الفلسطينيين، وها هي الأجيال تسير على دربهم حتى تحقيق الحلم المنشود في كنس الاحتلال الصهيوني الغاشم وتحرير الأرض والإنسان ورفع علمنا الفلسطيني خفاقاً فوق مساجد القدس وكنائسها ( إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) .
إضافة تعليق جديد