نحن الأن في فصل الصيف، وبالتحديد شهر أُغسطس ـ آب اللهَاب، والذي يشوي الكباب كما يقول عنهُ بعض العرب في بلاد الشام، من شدة حَرِهِ؛ حيثُ تتعرض أغلب الدول العربية، والإسلامية، والعالم في هذه الأيام لموجة حر حارقة مُحرقة غير مسبوقة، حيث وصلت درجات الحرارة في بعض الدول الخليجية لما يزيد عن ستون درجة مئوية، ومن منا يستطيع أن يقف في عِز الظهيرة تحت لهيب تلك الشمس المحرقة؟، والتي لو وقف أحد من الناس تحتها أكثر من ساعة واحدة لمات من ضربة شمس!؛ وإن منا من شدة الحر من يهرع فورًا لتشغيل مكيف البيت، والشقة، ومكيف السيارة فراراً من شدة الحر، وإن منا من يسير في الشارع ظهرًا فَتَراهُ يتفيأ الظلال ليسير في الظل، هروبًا من لهيب الشمس الحارق؛ نهرب من حر الشمس والتي لا نتحمل حرَها صيفًا، وبعضاً منا إن لم يكن كثيرًا من الناس قد نسوا يوم الحساب، ونسوا العظيمين "الجنة والنار"، علمًا بأن حر نار الدنيا ما هو إلا أقل من حر دخُان نار جهنم، وما نتعرض له اليوم من شدة الحر ما هو إلا نَفَس بسيط جدًا من فيَحِ جهنم، فكيف نحن إن كانت الشمس بمقدار ميل يوم القيامة منا حيث يقول نبينا ورسولنا وسيدنا محمد صل الله عليه وسلم: "تدنو الشمسُ يومَ القيامةِ من الخلقِ ، حتى تكونَ منهم كمقدارِ مَيلٍ، فيكون الناسُ على قدرِ أعمالهم في العَرقِ ، فمنهم من يكونُ إلى كعبَيه ، ومنهم من يكون إلى ركبتَيه ، ومنهم من يكون إلى حِقْوَيه ، ومنهم من يلجُمه العرقُ إلجامًا، ويقول رَسولَ اللَّهِ صَلَّ اللهُ عليه وسلَّمَ: " إِذَا كانَ الحَرُّ، فأبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ، فإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ، وَذَكَرَ أنَّ النَّارَ اشْتَكَتْ إلى رَبِّهَا، فأذِنَ لَهَا في كُلِّ عَامٍ بنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ في الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ"، وقال تعالى: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}؛ قال تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ* فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ* وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ* لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ}، وقال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ۚ قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}، وقال تعالى:{وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ*إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ*تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ}، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا""؛ وعنْ عبدِالله بن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صل الله عليه وسلّم قال: "يُؤْتَى بجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لها سَبْعُونَ ألْفَ زِمامٍ، مع كُلِّ زِمامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَها، عن أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النَّبِيّ ـ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّ اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: نَارُكُمْ جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءًا مِن نَارِ جَهَنَّمَ، قيلَ يا رَسولَ اللَّهِ إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قالَ: فُضِّلَتْ عليهنَّ بتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا"، عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ ـ صل الله عليه وسلّم ـ قالَ: (يُؤْتَى بأَنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيا مِن أهْلِ النَّارِ يَومَ القِيامَةِ، فيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقالُ: يا ابْنَ آدَمَ هلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا، واللَّهِ يا رَبِّ ويُؤْتَى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا في الدُّنْيا، مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ، فيُقالُ له: يا ابْنَ آدَمَ هلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا، واللَّهِ يا رَبِّ ما مَرَّ بي بُؤْسٌ قَطُّ، ولا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ"، عن أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:" اشتَكَتِ النَّارُ إلى ربِّها ، فقالت: يا ربِّ أَكَلَ بَعضي بعضًا ، فجعلَ لَها نفَسينِ: نفَسٌ في الشِّتاءِ ، ونفَسٌ في الصَّيفِ ، فشِدَّةُ ما تجدونَ منَ البردِ من زمهريرِها، وشدَّةُ ما تجدونَ مِنَ الحرِّ من سمومِها"؛ وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صل الله عليه وسلم-: "تَحاجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ، فَقالتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بالمُتَكَبِّرِينَ والمُتَجَبِّرِينَ، وقالتِ الجَنَّةُ: ما لي لا يَدْخُلُنِي إلَّا ضُعَفاءُ النَّاسِ وسَقَطُهُمْ، قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى لِلْجَنَّةِ: أنْتِ رَحْمَتي أرْحَمُ بكِ مَن أشاءُ مِن عِبادِي، وقالَ لِلنَّارِ: إنَّما أنْتِ عَذابِي أُعَذِّبُ بكِ مَن أشاءُ مِن عِبادِي، ولِكُلِّ واحِدَةٍ منهما مِلْؤُها، فأمَّا النَّارُ: فلا تَمْتَلِئُ حتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، فَهُنالِكَ تَمْتَلِئُ ويُزْوَى بَعْضُها إلى بَعْضٍ، ولا يَظْلِمُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ مِن خَلْقِهِ أحَدًا، وأَمَّا الجَنَّةُ: فإنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يُنْشِئُ لها خَلْقًا؛؛ وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عمر رَضِيَ الله عَنْه يقول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَنْسَوَا العظيمتين.قلنا: يا رَسُولُ الله، وما العظيمتان؟قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْجَنَّةُ وَالنَّارُ. فَذَكَرَ مَا ذكر حتى بكى إلى أن جرى الدمع، أَوْ بَلَّ الدَّمْعُ جَانِبَيْ لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ تَعْلَمُونَ مِنَ الْأَمْرِ مَا أَعْلَمُ، لَمَشَيْتُمْ إِلَى الصَّعِيدِ ، فَحَثَيْتُمْ عَلَى رؤوسكم التُّرَابَ" مع العلم وللأمانة العلمية فإن هذا "الحديث ضعيف"، ولكننا نستأنس بِه؛ وعن النعمانِ بن بَشِيرٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صل الله عليه وسلّم قال: (إنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّارِ عَذابًا مَن له نَعْلانِ، وشِراكانِ مِن نارٍ، يَغْلِي منهما دِماغُهُ كما يَغْلِ المِرْجَلُ، ما يَرَى أنَّ أحَدًا أشَدُّ منه عَذابًا وإنَّه لأَهْوَنُهُمْ عَذابًا""؛ يومُ القيامةِ يومٌ عظيمٌ، وأهوالُه ومَواقفُه مُتعدِّدةٌ، منَ الحَشرِ، وانتِظارِ الحِسابِ، والمرورِ على الصِّراطِ وغيرِ ذَلك، ومِن أَوائلِ تلكَ المَواقفِ أن يَجمعَ اللهُ الخَلائقَ في ذلكَ المَحشرِ العَظيمِ فيَشتدَّ الكَرْبُ، وتَدنو الشَّمس منَ الرُّؤوسِ فتَشتدُّ الحرارةُ، وتَرشحُ الأَجسامُ بالعَرقِ الغزيرِ؛ وفي هذا الحَديثِ تَدنِّي الشَّمس يومَ القيامةِ منَ الخَلقِ، حتَّى تكونَ منهم كمِقدارِ مِيلٍ، قال سُليمُ بنُ عامرٍ: فَو اللهِ ! ما أدْري ما يَعني بالمِيلِ؟ أَمسافةُ الأرضِ، أي: أَراد المَسافةَ الَّتي هيَ عندَ العَربِ مِقدارُ مَدِّ البصرِ منَ الأرضِ، أمِ الميلُ الَّذي تَكتِحلُ به العينُ. فيَكونُ النَّاس على قَدرِ أَعمالِهم في العَرَقِ، فمِنهم مَن يَكونُ إلى كَعبيْه، ومِنهم مَن يَكونُ إلى رُكبتَيْه، ومِنْهم مَن يَكونُ إلى حِقوَيْه، وهوَ مَعقِدُ الإِزار، أو طَرفا الوَركَيْنِ، ومِنهم مَن يَلجُمُه العرقُ إلجامًا، أي: يصلُ إلى فيهِ وأُذنَيْه فيكونُ له بمَنزلَةِ اللِّجامِ منَ الحَيواناتِ، كَما قالَ الرَّاوي: (وأَشارَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بيدِه إلى فيهِ)، فَتَتراكمُ في هذا الموقفِ الأَهوالُ، وتَدنو الشَّمسُ، ويَكونُ زحامُ بعضِهم بعضًا، فيُشدَّد أمرُ العَرقِ على البعضِ ويُخفَّف على البَعض بحَسَبِ أَعمالِهم؛ ولنتذكر في هذا الصيف الحارق اللهاب نار جهنم، والآخرة، والحساب والجنة والنار، ونعمل الصالحات ونبتعد عن المنكرات، ونكون مفاتيح للخير ومغاليق للشر، وكلما أخذتنا أنفسنا لعمل المعاصي والمنكرات نتذكر النار وحرها وجحيمها، ونتذكر الجنة ونعيمها الخالد الذي يزول، ولا يتحول ولا يتغير، جعلنا الله عز وجل وإياكم جميعًا من أهل الفردوس في الجنة.
الباحث، والكاتب الصحفي، والمفكر العربي الإسلامي، والمحلل السياسي
الأديب الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر/ محمد عبد الله أبو نحل
عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر، رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين
الأستاذ، والمحاضر الجامعي غير المتفرغ/ غزة ـــــــ فلسطين
رئيس الاتحاد العام للمثقفين، والأدباء العرب بفلسطين
dr.jamalnahel@gmail.com
إضافة تعليق جديد