الدكتور جمال أبو نحل يكتب : شَالِيهَات الأَغَنِياء، وأهات الفقُراء

مقالات عامة
الكاتب: 

الدكتور جمال أبو نحل

كاتب، باحث، مفكر ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسطين، والعرب
الأحد, أغسطس 15, 2021 - 17

يقول تعالى:" قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ "؛ فليس عن هؤلاءِ العبادِ الزهُاد نتكلم فهنيئًا لهم، ولمن رزقه الله المال الكثير الحلال فهو يؤدي حق الله فيه ويُخرج زكاته، ويتصدق  ليل نهار، فأولئك قدموا خيرًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون؛ ولكننا نتكلم عن كل من هو ظالم ولصٍ سارق بالحرام غارق. إن غزة "المَوْتُ أَفْجَعَهَـا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا... وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا، وَالغَمُّ أَضْنَاهَـا فَمَنْظَرُ الحُزْنِ مَشْهُودٌ بِمَنْظَرِهَـا، وَالبُؤْسُ مَرْآهُ مَقْرُونٌ بِمَرْآهَـا"!!؛ وهذا أصدق ما قيل علي لسان الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي رحمه الله، في قصيدة شعرية كان منها هذا البيت من الشعر، والذي يُحاكي حال الناس اليوم، حيثُ يستمر مشهد الألم، والمعاناة الشديدة، والكبيرة، والمحن العظيمة التي يحياها سكان قطاع غزة بعد جائحة كورونا لدرجة وصلت في البعض يتمني الموت، وأن يدُفن في باطن الأرض خيرٌ له من ظاهرها، حتي لا يرى وجوه الظالمين من ذوي القربي، وكذلك المحتلين الغاصبين، المُجرمين؛؛ فَشَعب الجبارين  ينزف،  ويذبح من الوريد إلي  الوريد، ولا مُغيث ولا ناصر لهُ؛ ورغم ذلك نرى اليوم في غزة المُحاصرة مشهد جديد هي ظاهرة الشاليهات، والتي كانت شِّبه مَعدُومة، وغير مَعروفة، أو مُوجودة في قطاع غزة، وخاصةً بعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية لأرض الوطن بعد عام 1993م، فَلا أحد يسمع عنها، ولكن انتشار الشاليهات، والمنُتجعات السياحية بدأت في الظهور، والانتشار، والاتساع بشكل كبير بعد الانتخابات الفلسطينية عام 2006م، وخاصةً بعد الانقسام، وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة وتوليها الحُكم، وزمام الأمور بقوة السلاح قبل قُرابة خمسة عشر عاماً؛؛ فكانت، ولازالت تلك السنوات العِجاف الجَفاف الغيرِ خِفَاف على أغلب الشعب في غزة؛ وذلك على الرغم من أن قطاع غزة تعرض لأربع حروب، وعدوان همجي سافر بربري، فاشي، ومجازر بشعة يندي لها جبين الانسانية ارتكبتها عصابات الصهاينة القتلة الغاصبين لفلسطين؛ وحصار جائر ظالم اكتوى في ناره أغلب الشعب المسكين، ولكنهُ لم يؤثر في أحد من القيادات الفلسطينية الإسلامية أو الوطنية، ولا من أبناء تلك القيادات، ولا الُزمُرة المُقربة منهم، وكذلك لم يؤثر في أغلب الفلسطينيين العاملين في المؤسسات الدولية غير الحكومية من بعض المؤسسات الأهلية "إن جي أوز"، وبعضها يُعد مؤسسة استخبارات، وجلب المعلومات للغرب، والشرق عن فلسطين وشعبها، تحت اسم العمل الانساني داخل الدولة!!؛ وأما عن حال الشعب فيشعر أغلب الناس من سكان غزة بأنهم اصبحوا، وأمسوا كالأيتام على موائد اللئام لا نصير لهم، ولا مُعين، ولا بواكيٍ لهم، ولا جليس ولا أنيس، ولا من يُكفكف دموع المقهورين، ويسد رمق الجوعى إلا من رحم ربي من بعض التُجار من الأغنياء الأبرار!؛ فالبطالة مُستشريه، ومنتشرة انتشار النار في الهشيم، فَعُمال بلا عمل، وأيتام بلا مُعيل، وخريجي الجامعات وشهادات عليا كذلك بالطوابير، وقوافل، وقناطير مُقنطرة من غير عمل، ومنهم من فقد حتي بصيص الأمل؛  وكّأن بعض تجار الوطنية، والدِين من كبار القوم في كل فلسطين من أصحاب القرار هُم صمٌ بكم عمي لا يُبصرون حال الشعب المُزرى، والذي يُرثَىَ له!!؛؛ فغزة فقرٌ، وحصار، واحتلال، وظُلم، وظلام، وبلا كهرباء سائِر اليوم، وعدوان من الأعداء مستمر، ورغم ذلك صبر الناس على المُر، والحنظل، والعلقم،  ومنهم من التحف السماء، وافترش الأرض، ومنهم من يحاول تضميد الجراح النازفة؛؛ والله حرم الظلم علة نفسه، وجعله بينكم محرمًا، ولم يكتب في كُتبهِ المقدسة الثلاثة التوراة، والانجيل، والقرآن أن يكُون الناس منهم أسياد، وعبيد، وطبقات فوق الأرض تمتلك الملايين من الدولارات، وقد أكلوا وسرقوا ونهبوا الأخضر، واليابس، وأخرين كالأموات في بطن الأرض؛ فلا يجوز أن يكون الوزراء والأمراء، والقادة، والساسة، وأبنائهم، يتنعمون، ويغنون، والناس يتألمون، وبعضهم صاروا يتسولون!؛ فلا يستطيعون شراء الطعام لأبنائهم، وغالبية الشعب بات تحت خط القهر، ويعيشون مرحلة الفقر المُدقع!، فيقتلهم القهر، والمرض، والجوع، والبطالة، ويمرون بظروف صعبة للغاية لم يأتي مثلها من قبل، وسط ظروف اقتصادية قاهرة، وكئيبة، وحزينة ودامية للقلب، وفي ذات الوقت تجد من الأغنياء الأغبياء من الذين لا يزكُون أموالهم، يتنعمون في الشاليهات المنتشرة بالقطاع، ويُؤجرونها، ولا يهتمون بحال الناس، وما يجعل في القلب غصة أن يصعد البعض منبر رسول الله صل الله عليه وسلم مطالبًا إياهم بِشد الحبل، وربط حجر على البطون، وهو وأولاده لهم شركات، ونهبوا دم الشعب، وبعضهم تكرش حتي أصبح بلا رقبة؛ ويكون قد أكل الأخضر واليابس، وسرق، وكأن الوطن لهم ولأولادهم، رغد العيش وللناس الفقر والجوع والحرمان!!؛؛  كنا نرجو أن يكون قانون يُسَنَ، وهو من أين لك هذا؟؟ فمن كان قبل خمسة عشر سنة بالكاد يجد قوت يومه أو يعيش مستور الحال، كيف أصبح يمتلك في أقل من ربع قرن شاليهات فارهة، وسيارات فخمة، وشركات ضخمة، وعقارات شاسعة!!!؛ فالكل غدًا موقوف أمام الله عز وجل ومسئول عن رعيته فمن ضيع الرعية ضيعهُ الله؛؛ فالقبر ينتظر الجميع فلا تحسبوه حفرة من تُراب بل هي إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار؛؛ فلا تكلمني بلِسانك وتصرخ بأعلى صوتك عن آية الصبر، والمصابرة في كتاب الله عز وجل؛؛ بل ما نريده أن نرى تطبيق ما تقول حقيقة على أرض الواقع، وتذكر سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم يوم غزوة الخندق كان الصحابة رضي الله عنهم يربط أحدهم حجر واحد من شدة الجوع على بطنه وسيد الأنبياء والمرسلين سيد الكونين يربط حجرين على بطنه؛؛ فهكذا نعم القائد، ونِعم الملك والأمير، والزعيم، والرئيس وما دون ذلك عليهم من الله ما يستحقون!!؛؛ وما دون ذلك نقول لهم: قُل متاع الدنيا قليل"، واتقوا يومًا ترجعون فيه إلا الله!!؛ وكفاكم تكديس أموال من الحرام ومن دم الشعب وشراء عقارات وبناء شاليهات يرتادها من يستطيع من الأغنياء وباقي الشعب بعضهم لا يجد قوت يومه!؛ فويلٌ للعرب من شر قد اقترب إن لم تفيقوا قبل فوات الأوان؛ فغزة التي كانت المخزون الاستراتيجي للثورة الفلسطينية نكبتم شعبها المكلوم، وجعلتم منهم مِثل الُكرة في ملعب كُرة القدم بين فريقين، وكل فريق يقول يدعي حبهَا، ولكن الحقيقة الكل يضربُ شعب غزة بسيف ظُلمِه، والكل يغني على ليلاه، ويدعي حبُ ليلى "غزة"، وشعب غزة لا يزال يئن، ويَطِّن، ويَحِّنَ للقُمة العيش الكريمة، ولكنها منهوبة، والراحة مسلوبة..
الباحث، والكاتب الصحفي، والمفكر العربي الإسلامي، والمحلل السياسي
الأديب الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر/ محمد عبد الله  أبو  نحل
عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر، رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين
الأستاذ، والمحاضر الجامعي غير المتفرغ/ غزة  ـــــــ  فلسطين
رئيس الاتحاد العام للمثقفين، والأدباء العرب بفلسطين
dr.jamalnahel@gmail.com