الذات البشرية عندما تفتقر من أساسيات أروائها وتغذيتها بالطاقة الإيجابية اللازمة لبقاء استمرارها وتستمد هذا كله من تعاليم الدين الإسلامي و بكتاب الله عز وجل كدستور لها ومرجعا في جميع نواحي ومقاصد الحياة اليومية لن تظل هدايتها عن جادة طريق الصواب ،وستبقى الذات دوما مفعمة بالحيوية و مليئة بالنشاط والتجديد وحب الذات والرضى النفسي وحب بقية الذوات الاخرى كافة من بني البشر ، وعند ابتعادها عن منهج كتاب الله و تدني مستوى إيمانها بخالقها ستنال نصيبا من الشقاء والمعاناة ويسوء بها الحال وتبقى معطلة تماما أشبه بآلة خرجت للتو عن الخدمة يسمع هدير أصواتها تارة و أزيز ضجيجها تارة أخرى لا يهدأ لها بالاً فلا تغني في إدائها ولا يمكن إعادة تأهيلها كسابق عهدها كذلك الذات البشرية عندما تتحول الى معولاً أو فأسا لتهدم ذاتها وتحطمها بالكم الهائل من الكدمات والتمزيق و ويلات كره ذاتها ومحاولة الهلاك بالانتحار وإبعاد عنها كافة الاصدقاء والأقرباء المحيطة بها حتى لا يكونوا خير معين ومرشد لهدايتها والإستنجاد بهم مما يتولد لديهم تغيرات متغيرة بشكل يومي وسريعة باستمرار و هذا من شأنه نفور المقربين منهم ولا يهتمون بهم ، ومحاصرة الذات البشرية بكل عوامل التدمير والتحطيم حينها يبقى الشك والوهم والغضب مسيطرا سائدا كل الاوقات يفتك بها وينخر في جسدها حتى يفقدها قيمتها الإنسانية و صولاً بهشاشة وتٱكل كيانها ومن ثم تنزع منها قيمة الثقة بالنفس وتصبح غير قادرة على أنعاش وأحياء نفسها وتجميع ما يمكن تجميعه من بقايا تهشم وحطام بالمزيد من الغضب والانفعال وبث كراهية ذاتها للغير .
يميز هذا النوع من المصابين بسلوك الذات التدميري أو ما يسمى بإضطراب الشخصية الحدية بشراسة كراهية ذواتهم ويتصرفون بشكل مؤذي للذات ولصحة الجسد، مثلا حرمان النفس من الرغبة في النوم والأرق والضرب والحرق والتهديد بالانتحار وتعاطي الممنوعات وإهمال الذات بشكل ملحوظ، وقد تؤثر هذه الأفعال على الصحة النفسية بدواخلهم بشكل سلبي جداً، مما يجعلها تتولد لديهم العدائية المطلقة تجاه الغير أو المقربين منهم وتصدر عنهم دائماً ردود أفعال الغير المتوقعة ومفاجأة أثناء نوبات الغضب والانفعالات الشديدة ، وقد تترسخ لديهم مبدأ كراهية المحيطين بهم ويتوهمون دوماً في مصير حكم العلاقة بهم بالفشل بسبب هذه العدوانية السلبية والتقلبات الحادة في المزاج والعناد وعدم القدرة على ضبط النفس وتحدي الآخرين، وهذا من شأنه يعيق تقدم وتحسن علاقتهم بالمحيطين بهم سوآءا العلاقة كانت من الدرجة الخاصة أو غيرها من بقية العلاقات التي تشكلت لديهم . ونظراً لكون أصحاب هذا السلوك لديهم مستوى ذكاء يتراوح من متوسط إلى العالي وقد يمثل هذا المستوى المتفاوت من الذكاء إلى مزيد إضافي من المعاناة والصراع وبشأنه نتجت لديهم المقدرة على إكتشاف نوايا الآخرين ومعرفة دوافعهم بشكل ملحوظ مما جعلهم يطوروا سلوكياتهم في كيفية التعامل معهم والتعري والظهور بعيوبهم والتعرف إلى ذواتهم جاهدين بذلك التغيير إلى الإيجابي والتحرر من الإنفعالية التي يعاني منها الكثير من الإضطرابات النفسية والسلوكيات الشاذة كالقلق الشديد والإكتئاب والفصام .
إن إضطراب هذا السلوك يقوض صحة العقل بالمقام الأول، ويؤثر سلبًا على طريقة تفكير الشخص ومشاعره تجاه نفسه والآخرين في نفس الوقت، حيث يمر المريض بنوبات غضب وعصبية شديدة تخرجه عن التحكم في مشاعره وإداء سلوكه، مما يحد من تطور علاقاته بالآخرين لإبتعادهم عنه خوفًا من انفعالاته وتقلبات مزاجه وردود أفعاله المفاجأة في كل لحظة ، تبدأ أعراض هذا الاضطراب مع بداية مرحلة المراهقة وحتى منتصف العمر حيث تبدأ الحالة بعدها بالتحسن تدريجيًا ومن أعراض سلوكيات الذات التدميرية :-
1-الخوف وإبتعاد المقربين عنه : يتصف هذا السلوك بأن لديهم مشاعر فراغ داخلية لذواتهم والحزن وعدم الرضى لأنفسهم، وأيضًا البعض منهم يشعر بانعدام القيمة و يرغبون دائماً لوجود من يهتم بهم ويحبهم و يعتني بهم ظنا منهم بأن مشاعرهم تجاهه متباينة ليست ثابتة ويبدأ يخاف المريض من العيش وحيداً وصعوبة يجد في التكييف بمفرده، فهو يقلق من فكرة أن يتخلى أصدقائه ومعارفه عنه، فيقوموا بملاحقتهم أو منعهم من الرحيل، وأيضًا قد يدفعونهم بعيدًا ولا يقبل حتى بالاقتراب منهم، ويقلق من مجرد تأخر أصدقائه عليه أو عدم رغبته في اصطحابه .
2-العصبية المصحوبة بالغضب : صعوبة جداً في إدارة والتحكم في غضبهم وعندما يغضب هذا النوع من الشخصية تصدر منه تصرفات غير لائقة أخلاقياً ، ويلجأ إلى الضرب والكلام اللاذع المسيء ويوجه الاتهامات لمن المحيطين حوله بطريقة مستفزة، وسرعان ما يهدئ ويشعر بالذنب والخجل أو عدم الجدارة والحزن مما يزيد من رغبته في الشعور بالحب والسيطرة ، لذا يميل إلى التلاعب بالطرف الآخر في العلاقة فهم بحاجة إلى تأكيد مشاعرهم وقبولها وعدم الرد بإنكار الألم الذي بهم .
3-علاقات متذبذبة : علاقتهم مع الآخرين تتغير دراماتيكياً ، فسرعان ما تتغير نظرتهم تجاه الغير إذا ما شعروا بأنهم يقللون من قيمته وشخصيته، ويتحوّل في دقيقة من شخص ودود و لطيف إلى شخص غاضب ثائر حينما يشعر بقلة الاهتمام مصاباً بخيبة الأمل وحساس جداً تجاه أي انتقاد يوجه له، مما يسبب لهم صعوبة في الاحتفاظ بعلاقات صحية، فقد يغيرون رأيهم في شخص ما من كونه مثالي إلى التقليل من قيمة وجوده بسرعة كبيرة والعكس صحيح، لذا تميل علاقاتهم الأسرية أو الاجتماعية إلى الفوضوية والعشوائية وعدم الاستقرار .
4-أذى الذات : الاندفاع السلوكي الذي يصيب مرضى اضطراب هذا النوع من الشخصية يتصرفون بخطورة جداً في حياتهم، ويتجهون إلى تعاطي المخدرات، أو الإفراط في الأكل والإنفاق، ويؤذي نفسه من خلال قيامهم بجرح او حرق أجسادهم و مما قد يقدموا إلى هلاك أنفسهم بالانتحار، و يقومون بأي فعل يدمر ذاتهم ويؤذيهم نفسيًا وجسديًا ، مما تلاحظ لدينا بتغيير مفاجئ في صورتهم الذاتية ويظهر ذلك من خلال تغيير وظيفتهم أو آرائهم أو أهدافهم أو تغيير أصدقائهم فجأة، وبطبيعة الحال سيؤدي حتماً إلى هدم تقدمهم .
وفي نهاية الموضوع أنصح الجميع بالتحاور مع ذواتهم وكبح جماح الإنفعالات والسيطرة على غضبهم وضبط أنفسهم عند أي موقف يثير مشاعرهم وتعلم كيفية إدارة والتحكم في المشاعر وفهم وإحتواء مشاعر الغير والرفق بهم وإعطائهم الوقت الكاف وعدم الرد عليهم أثناء إنفعالاتهم .. أما العلاج الدوائي فقط حصراً يبقى على تناول مضادات الإكتئات و مثبتات المزاج فهي ليست محل إستحسان ورضى تام كعلاج ناجح لدى المصابين بهذا النوع ..
إضافة تعليق جديد