الكاتبة فاطمة غندور تكتب : خطبة الفتاة للرجل قديم مُستعاد!

مقالات عامة
الكاتب: 
الكاتبة فاطمة غندور

الكاتبة فاطمة غندور

كاتبة حرة - ليبيا
الأربعاء, أغسطس 25, 2021 - 06

نشرت الزميلة الصحفية رفيقة موليحي من تونس ،خبرا طازجا على صفحتنا المشتركة بالواتس اب     " أتحاد الاعلاميات العرب" عن شابة قصدت منزل عائلة حبيبها وعند باب اسرته وبباقة ورد تقدمت لوالدته طلبا لخطبته ،مقدمة خاتم الخطوبة ،وعلقت الزميلة رفيقة أن ماحصل خطوة جريئة غير معتادة في المجتمع التونسي وغيره من المجتمعات عربية كانت أم غربية!، حيث دائما مايكون الرجل هو من يتقدم لخطبة المرأة .

وجاء تفاعل الزميلات بالغرفة الجامعة على الواتس، بين مستهجنات، ومتقبلات،فالكاتبة و والاديبة ، التشكيلية السورية لبنى ياسين علقت بأن ذلك ليس مستجدا إذا ما راجعنا خطبة خديجة للنبي محمد،وميادة سيف من مصر أشارت الى ان هذا مؤشر لأمكانية تغيير واقعنا في توابثه الجامدة،ومعارضا جاء رأي الأعلامية هيا الششتاوي كأخصائية علاقات زوجية ومعالج نفسي : "سأستنكر، فجمال المرأة في انوثتها وضعفها وقوتها في أن تجعله يلهث ويأتي مسرعا وملحا لخطبتها ،لاهي تفعل ذلك ،وهناك فارق بين ماتم بين السيدة خديجة والنبي محمد ،وبين السيدة هنا من اشترت ورودا وخاتم خطوبة ودقت على باب أهل الرجل لخطبته.

وكنتُ كتبت تواليا في مناقشاتنا (مايلي) في أطار تراثي شعبي لعله تواجد بليبيا وغيرها ، ومرجعية دينية متداولة ،كما ما يستند الى جهد الانسانية في خلق المتغيرات وكسر التوابث الاجتماعية، التي تنتصر للمرأة ، بأمثلة عدة لو استعدناها فكثير من أعرافنا وتقاليدنا شهدت تحولات مع أجيال تتقدم وترتبط بسياقات العصر من انفتاح كوني ،وعولمة جعلت العالم متقاربا مؤثرا ومتأثرا.

ومما كتبت : عندنا في الشرق الليبي من قرن مضى، طقس تراثي،ويحسب ظاهرة اجتماعية متقدمة في أطار تمكين المرأة وصنع قرارها في مجتمعها،وما أشبعها الباحث المبرز عبد السلام قادربوه أحاطة وتحليلا ، كطقس تقليدي تراثي ،جرى تحت مسمى " مقاعد أصحاب الصوب"، وتعني عموما قعدات تجمع فتيات وشباب، النجع(المكان بالبادية)، بشهادة وأمام  أعين القبيلة كبارها وعموم أهلها، وتتحقق مشاريع زواج عقب اختبارات شعرية وأقوال تقودها فتاة تحسن القول المنظوم والنثري وعندها سرعة البديهة ،والذكاء الذي يتكشف عبر بثه برموز النصوص ودلالاتها..وطبعا مفترض من ستختاره في تلك القعدة/ المجالسة، رفيق درب صاحب ذات الحس لديها ،وربما يتجاوزها ،لكنها الفيصل والحكم في الاختيار، وهم أي الشباب متبارون في حيازة رضاها وموافقتها.

طبعا التمدن والعصرنة بشكل ما أفقد المرأة في مجتمع البداوة ،جوانب كثيرة من تمكينها وحضورها المجتمعي.ماحصل من هجرة سكانية ، الريف الى المدينة،أو ما تبع خروج النفط من تحول معماري وقيمي في واقع الريف / الواحة كنموذج ليبي.ولعله حال مجتمعات مشابهة مابعد خروج النفط.

ولعلي أشير الى دور المرأة كأُس في المسألة :خطبتها للرجل من حيث المبدأ،وهو دور "الخاطبة " المركزي الموثوق به والمعول عليه مجتمعيا،أليست "أمرأة" تقود الزيجات وتقرب بين عنصري مؤسسة الزواج!..دور لم يفعله الرجل في مجتمعاتنا ،ولم تكن مهمته ،دوره لاحق لدورها ،ومازالت هذه المرأة تقوم بهكذا مهمة في مدن أطراف.

الخاطبة "مرأة" : من تطرق البيوت لتطلب تقارب بنت العائلة لابن عائلة هي من تعرف وتدرك ملائمتهم لبعض،لايطرق "رجل" ويمارس مهنة اجتماعية ،هي متيسرة لها لدخول بيوت العائلات المقصودة دون تحرج وموانع منهم...

وهنا ليست مقاربة مختلفة (كما أشارت زميلتنا هيا ) لهذا الخبر الذي نقرأه اليوم ونستغربه.وتلك احدى صور المرأة الخاطبة / خاطبة بنفسها  أو خاطبة بوسيطة وكلاهما مرأة نسمع صوتها لتخطب ،مادامت "المرأة" هي الوسيط اي من تقوم بالمهمة ..

الخاطبة في المجتمع الذي برزت فيه ،تمتعت  بمهارات وقدرات التكشف والتمحيص،هي من تتأمل وتتدبر في المسألة ، في شخصية "الفتاة" و شخصية "الفتى"،وفي المجمل تختبر لتعرف من من "ابناء" سيدات الحي يتطابق مع مواصفات تلك الفتاة التي تنشغل بموائمتها مع ماهندست وخططت له. ماندرسه عن التغير الاجتماعي، ونظريات علم الاجتماع ، وفي مناهجهما ،ان بروز ظاهرة ما يستلزم للباحث ، ان ينظر في مرجعية وعلائق الظاهرة "المستجدة" بسياقات تاريخية /دينية/ تراثية لأجل الكشف عن جذور هذه الظاهرة..ان تذهب مرأة لتخطب لنفسها كظاهرة نستغربها أو حتى نستهجنها، موجودة بتراثنا وتاريخنا المرجعي بأشكال  ومظاهر عدة، منها موروثنا الديني كأفصح علاقة بالظاهرة، طلب "خديجة" للنبي "محمد" ،مرأة تطلب رجلا تراه مُكمل لها ،ومنها طبعا بشرقنا الليبي جلسات جامعة بين طرفي المؤسسة المأمولة ،هي "مقاعد أصحاب الصوب" تجلس فتاة وتختار من تريد ..ومنها طبعا "مرأة" الخاطبة (وليس رجل) تقوم بمعرفة فتيات وفتيان الحي وتكون هي المرأة التي تبدأ موضوع الزواج...

وقد تطورت هذه الظاهرة اليوم ،مع متغيرات عصرنا، لتصل الى فتاة تطرق مباشرة باب من تريد وتطلبه لنفسها...وفي العلوم الاجتماعية نبحث في تاريخ أو مرجع يشابه ماخرج علينا ،وقليلا مانجد انها ظاهرة جديدة بكامل تفاصيلها،إذ البشرية لها محاولاتها في تغيير المتعارف عليه لتكسر القواعد من عادات وتقاليد،و في زمن متغير، ولايقف عند لحظة تاريخية ولايعمل حراكه وتحولاته فيها..

وهنا تعقيب لحظي ما تتيحه غرفة الواتس ،أو ما اسعفتني به مرجعيتي كباحثة اجتماعية،على خبر ليس مستجد ،لكنه مُستعاد تاريخيا في مبدأه ، وفي محاولات تمكين المرأة في كسر جدار عُرف وتقاليد...وقد حصل مايشابهه في قرون سابقة، لكن الحياة تتطور ،وتأخذ الظاهرة شكلا ينسجم مع العصر .