أسعدَ الله صباحكم سيدي الرئيس؛ وأنتم تقرأون سطوري هذه أرجو ألا يجول بخاطركم أنني أنشدُ مرتبة الوكيل ولا درجة الوزير، فنحن خرجنا مِن رحم الثورة التي استزدناها هويةً وقيّماً بل حاضِنة في منازلنا، منذ أن أدركنا نعمةَ أن تُخطِئ شظايا القصف في بيروت الغربية أجسادنا الغضّة رغم تناثرها على شرفاتنا واقتحامها لحُجراتنا الصغيرة، وبأننا شعبٌ اجترحَ طليعيّوه درب التحريرِ كونَ قضيته العادلة استَحقّتْ النصر حتميةً لا شعاراً، وبأننا امتداد أولئِكَ الذين تجرعوا المظلمة التاريخية شتاتاً وقهراً فصاغوا الإرادة بُدّاً وقدرا، فكيف لنا أن ننزِلَ عن (أُحُدِ) دمِنا النازف وحقنا السليب ! تردّدتُ مراراً وعلى مدار الشهرين بأن أخطّ سطوري هذه، حيث شعراء البلاط يهابون الأصالةَ حروفاً فيوغلون في حصاركم بدعوى الفَهم والحرص و(الوطنية)! لكنني مدفوعةً بسيل الأذيّة اليومية المتوارية في حروفهم بل وآمالهم الموؤودة، تلك التي تتخذكم شواخصاً لِقلّة حيلتهم وقِصَرِ أنفاسهم، أجدني قد اتخذت القرار بالمراهنة على ما تبقى مما نمتلكه على هذه الأرض؛ الكرامة.
سيدي الرئيس؛ وأنتم تتحضرون لخطاباكم بالحضرة الأممية كما جرت العادة في أيلول من كلّ عام، تابعنا تلك الحملات التي تُستَهل بتعابيرٍ افتقدت حتى صداها، (نحن معك، خطاب تاريخي، كلمة هامة) وهلّم جرا. بَخلاف العديد من تلك العناوين بل والصور التي تتصدر عديدُ المنابِر منتَهِزةً المناخات بِجلّها لإصابتكم في مكانة، كصورتكم اليوم وأنتم بِخضمِّ لقاءٍ توسطتم فيه وزراء كُلّفوا في حكومة (الآخر) المُحتل، لم يستكفوا حدّ هذا بل استكملوا حلقاتهم بالإشارة لِرفض قادة من اليمين المتطرف الإسرائيلي مقابلتكم، بمسعىً لتفنيد جوهر خطابكم ومنهجكم برمّته. أمّا المشهد الأبرز فقد تلَخّص بتلك القراءات التي أعقبتْ كلمتكم الشهرالمنصرم كنتم قد ألقيتموها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتنوعت بين المدحِ والهجاء أطرب كلٍّ منهما (لغةً) فرقٍ تبعَت معسكراتها المتباينة موقفاً ومنطلقا، بعيداً عن ذاك الفلسطيني المتشبع بالإحتلال جرائماً والمُثقَل بالحياة هموما.
وبعيداً عن نبض الشارع الحيّ انتماءًا وإراداةً وبَذْلاً، وأبعد مما تدركونه وتنشدونه قائداً وحافظاً لِمَنْ تقدمونا بالحرب الشعبية العهدَ، تراوحت تفسيراتهم وتحليلاتهم في اجترارٍ عبثي، بين الشعارات؛ تلك التي تُصّر فشلاً أن تؤكد لكم على وطنيتكم، والاتهامات؛ تلك التي تَجْهد لِثلَم وطنيةَ وجهِكُم وخيارِكم ودأبِكم. لكأنَّ هؤلاء اللاعبون المتراقصون نخبويةً على مصائرنا لم يدركوا بعد البَوْن المهول بين نبرةِ حرفكم وصمم ذواتهم. المُفاجئ هنا؛ هو اتّفاق الفرق جميعها على موقفٍ توَحّدَ تجاه رسالتكم التي هدَرَتْ صوتاً بعروش العالم على امتداده إلا نحن، عندما رفعتم بيدكم صكَّ ملكية عائلَتكم في صفد المحتلة، الرسالة التي استَحضَرت أمامنا صوتَ سَلَفِكُم رفيقكم وهو يردد من قلب حصاره "يريدونني أسيراً أو طريداً أو قتيلاً، وأنا أقول: بل شهيداً شهيداً شهيداً" رحمه الله روحاً وأدامه لوطنيتنا الرمز.
الأخ "أبو مازن" القائد العام لمسيرة التحرير والبناء؛ تدركون كما أدرك صنوف التأويلات التي ستعقب نشر سطوري هذه، لكنني وأمام الحقيقة سأمضي متجاوزةً ردودهم وحتى أفعالهم إن أقدموا عليها. لقد كنتُ قد وصفتكم قبل سنواتٍ عديدة بـ(يوسف فلسطين) مُستعرِضةً حينها جوانب مقاربتي تلك التي اجتهدتُها، لكنني اليوم أقف أمام ذاك الجانب الجديد "الرؤيا" حيثُ الآخر سخّر ولا يزال جلّ ما امتلكَ ولا يمتلك، كلّ ما أعدَّهُ ويتخَذ، كي لا تَقْصُص على شعبِك الحقيقة فيُدركها وعياً، ولا حتى رؤياك فيتسلح بها سيرورةً، لكنّه (الآخر) ليس بوالدكم بل هوَ غيّهم المُمتَد من حيث استَلَبكُم منزلكم وطفولتكم وأمانَكم، كما مستقبلكِم المزدحم أثقالاً وأدواراً وحصارا. ما إن أنهيتم خطابَكم؛ حتى اجتاحتني هواجس اعترضتها تلك المحاولات التي أفضت بنا لفهم طبيعة صراعنا وضرورة أن نسعى (مجتمعين) كي نُجيد قراءة الآخر كما أجدتْ فأوجَعتْ، وبمستوى أوجاعهم كانت وتستمر طعناتِهم.
يا "يوسف" فلسطين؛ هل تذكر آخر لقاءٍ لي بسيادتكم عام 2015 عندما سألتموني مسألتي لأُجيبكم (يا وحدك)؟ لكنني اليوم؛ ورغم اشتداد حصارِهم وخبثهم وامتداداتهم حولكم ونحونا، ورغم قُبح وزيف الكثير المترقب لحظة رحيلكم، ورغم حرصهم (الآخر ومحاولاته) على تمدُّد الصحاري بين قمة هويتنا الوطنية حاضنة قرارنا وإرادتنا التي افترشتموها مقدرةً وثباتا، وواحاتٍ استزرعها شعبنا نخيلاً بالبذل نَمتْ ودماءًا للمجدِ روّتْ، أؤمن بخلاف إجابتي تلك بأنكم لستم وحدكم، فشعبُنا الذي من بين صفوفه تقدَّمتُم، ومهما استحاله الغبار ظلماً وظلاماً، لم ولَنْ يسمح لِرِهاناتهم بالنفاذ بيننا، ولِمحاولات استباحَتِهم إيّاكم مسيرةً ومهمةً ومكانة، فبالحقّ والأصالةِ والوعي سدّاً سيتصدى. سيدي الرئيس؛ نحنُ لسنا معك، بل لكم مطلق ثقتنا وفهمنا وتقديرنا، وبكم ندرك منطلق استشراس معاركهم ضدنا (عنواناً، وهويةً، وثباتا، ومسارا)، ومعكم على دربٍ اختطموه ورفاقكم سنمضي إيماناً وفعلاً ومنطلقاً، وسويةً نحنُ لِفلسطين. وعليه سيدي الرئيس؛ نرجوكم كما نرجو الله جلّ وعلا بأن يمنحكم مديد العمر والعافية، ألا ترحلوا قبل أن تُسلِّموا صكَّ الأمانة للرهانات الأصيلة حيثما حلّت، لسان حال الشعب العربي الفلسطيني المُرابط العظيم.
إضافة تعليق جديد