نحنُ في زمن يموُج بِالفتن كقطعِ الليل المُظلم، وكأننا في بحرٍ لُجي متلاطم الأمواج، يغشاهُ موجٌ من فوقهِ موج، ظُلماتٌ بعضها فوق بعض!؛ حيثُ أصبحنا نُشاهد في مجتمعنا العربي المُسلِم اشتداد الخُطوب وتَبدُلَ الدُروب، واندِثار في ثقافة الشعوب، وتغريب فكر الشباب، وإِلهاء الشعُوب، والسير بالمقلوب، وإقفال، وإغفال بعض القلوب، والمزيد من المِحن، لا المِنح، وتَقلُب الزمان، وغياب الأمن، والأمان، وكأنما الأمرُ أُوِسِد لغير أهلهِ!. فنري انقلاب في القيم، وجحود النعم، وتغير في المعاير، وانفلات في الأخلاق غير مسبوق، ونزيف في الوعي، وتغريب الثقافة العربية، والإسلامية .حيث لم تعد الحروب بين الأمم اليوم توجه بالبنادق فقط، بل بالمعارك الثقافية، والفكرية، والعلمية، والتي هي أشد فتكًا من كل الحروب العسكرية؛ وبذلك أصبحت التربية للجيل الصاعد مهُمة بالغة الصعوبة، ولذلك يقع على كاهِل ولى الأمر، والخطيب، والمُعلم تقديم رسالة سامية خالدة، غزيرة الثقافة، والعلم، من تطوير في المناهج العلمية، والتحول إلى الخطاب الديني الوسطي البناء، ليخُرج للأمة جيل جليل جميل نبيل ذو أهدافٍ، وقيِم، وليس جيِل لئيم عقيم سقيم ذميم !!.
وإن من مُسببات نزيف الوعي هو ما يحدث اليوم من بعض وُلاة الأمر حينما يقلب الحق، ليصير، كأنه باطلاً والباطل، وكأنهُ حقًا!؛ وحينما يتكلم الرويبضة في أمر العامة، وحينما يتبوأ السُفهاء، والجُهلاء والخونة، والعُملاء المناصب الكبيرة، ويتم استبعاد، وتهميش الأذكياء، والأنقياء والشرفاء، وازدراء المثقفين المُتقِّين من خيرة العلماء الأجِلاء، وابعادهم عن كل مراكز صُنع القرار ، وحينما تكون الماكنة السياسية والاعلامية، والثقافية، والتعليمية تُغرد خارج السِرب الثقافي العربي الإسلامي، وحينما تكون بعض النُخب الحاكمة ليست هي النخُب الطليعية من بين الشعوب، وحينما يوضع الرجل الغير مناسب في المكان المناسب فلا يكون أهلاً لهُ، وحينما تنحدر، وتتدحرج دور الأسرة في التربية، وانحسار دور المُربين، وتغيب، وتَقَّهَقُر أهل الفضل، والفضيلة، وتتويج أصحاب الفواحش، والرذيلة!؛ نزل مستوي الأمة من القمة للقاع!؛ وأصبحنا في ضياعٍ يتلوهُ ضياع!؛ ولذلك تجد تراجع وتدني في مستوي الثقافة، والتعليم في الوطن التعليم، لأن البعض من تقلدوا المناصب الكبيرة ليسوا على قدر المسؤولية، ووضعوا في مكانٍ لم يكونوا في يومٍ من الأيام هُم الأشخاص المنُاسبين لذلك المكان، العالي المقام!؛ ولذلك يستمر نزيف العقول، وغفلة القلوب، "أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها"؛ ولذلك تغول الأعداء علينا، وأصبحنا نلاحظ انفلات القيم، وتبدل المعاير ، وتغير الأحوال في هذا الزمان؛ وهجرة العقول العربية المُبدعة، والكفاءات لبلاد الغرب؛ ولقد كشف "دراسات للجامعة العربية عن أن 54% من الطلاب العرب، الذين يدرسون فى الخارج، لا يعودون إلى بلدانهم الأصلية؛ لأنهم لا يجدون من يهتم بهم في أوطانهم، ولا يأخذون مكانهم الطبيعي في العمل المناسب لهم!.
ورغم هذا المشهد الحالك السواد، والألم الأليم الذي أَلمْ بنا يبقي بصيص من الأمل في أهل الخير، والعطاء، والعمل، بأن القادم هو السؤدد، والتمكين والنصر للإسلام، والمسلمين؛ فلقد أزِف وحان وقت نهوض المارد الإسلامي من القُمقم بعد غيابٍ طويل، ليعيد للأمة مجدها، وعزها، وكرامتها، وشرفها، وينشر في ربوع الأرض رسالة الإسلام، والتي فيها الخير، والسلام للبشرية جمعاء؛ فإن أشد ساعات الليل حلكة، وظلامًا هي تلك الساعة التي تسبق بزوغ الفجر، ومهما تسيد أهل الباطل، وتشدقوا بِه، يبقي سيف الحقِ بتارًا، وسَيارًا، وقادمًا لا محالة مقدامًا، ليوقف نزيف الوعي الفكري المُتَدثِّرْ، والمُتزمل بالفساد للعباد، والسائر بغير سبيل الهُدي، والحق والرشاد، نحو نشر الفضيلة، والوعي الإسلامي الوسطي المستنير ، فلن يحرر الأوطان الأفلام، ولا اتباع الهوى، والشيطان، ولا أصحاب التعصب للأحزاب، والتَشَّيُع، أو الفرق، والجماعات، أو من يحفظون لاعبين كُرة القدم الأجانب عن ظهر قلب، ويتعصبون لهم بشكل هستيري مجنون، وفي ذات الوقت يعزفون عن قراءة القرآن الكريم، وتدبر معانيه، والعمل بما فيه وصدق الله العظيم القائل في كتابه العزيز:" أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ ".
إضافة تعليق جديد