لكل إنسان طاقة، لكنها محدودة ونسبية -فيما أتصور- فقدرات الإنسان من هذه "الطاقة المعنوية" تختلف من شخص لآخر حسب طبيعته الشخصية وامكاناته العقلية والنفسية، وربما الأيديولوجية والاجتماعية،،، لكن في المجمل هذه الطاقة غير "مُطلَقة".. فالعقل البشري له طاقة محدودة، والنفس لها طاقة محدودة، والوجدان له طاقة محدودة. بل الإنسان -عامة- رغم ادعائه القوة والصلابة وقوة التحمل؛ له طاقة محدودة مرهونة بحدودٍ حدها له خالقه وقدرها صانعه، الذي قال عن الإنسان : (وخُلِق الإنسان ضعيفا..) (وخُلٍق الانسان هلوعا ..)
والله عز وجل ذكر كلمة "طاقة" فى كتابه الكريم فى آخر سوره البقره ليؤكد أن لنا طاقة لكنها "محدودة". من الصعوبة لها أن تتحمل النفس البشرية فوق حدود طاقتها.. (ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به)
لقد خاض أبونا آدم النبي أولى تجاربه الحياتية ولأنه محدود العزيمة والإرادة والطاقة لم يتحكم في هوى نفسه وميولها، فانهارت قوة عزيمته. --ولم يتم ذلك إلا بعلم كلي من خالقه وترتيب أزلي مسبق، فليس لإرادة الله وعلمه حدود فهو العليم الحكيم-- وعن تجربة آدم قال تعالى شأنه: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ..)،،،
ولنا مع قصه سيدنا يونس إشارة إلى تلك الضغوط الداخلية والخارجية التي تدفع بمن لا يتحملها إلى ارتكاب أخطاء وتكون له ردود أفعال غير محمودة العواقب، فعندما دعا النبي يونس قومَه للإيمان بالله لسنوات عديدة وهم يكابرون ويعاندون رافضين دعوته ! فماذا حدث؟!
لقد ضاق صدره -وهو نبي-
ما يعنى أن طاقته استنفذت،
وهو نبي الله ومن أولى العزم والقوة، لم يتحمل وهجر قومه، ولم يكمل دعوته التي أمره اللهُ بها ! فكان العقاب الذي تعلمونه ! وما نجاه من هذه المحنة إلا أنه عاد لرشده وعرف أنه تسرع في رد الفعل عندما لم يتحكم في تلك الضغوط.. فكان من المستغفرين والمسبحين والنادمين فغفر الله له ونجاه من هلاك محقق في بطن الحوت !
إذن فنحن أصحاب "طاقة" لكنها وصفت بالضعف، ولنا إرادة لكن حدودها نسبية متباينة بين الآدميين في كل العصور، ولنا عزيمة محاطة بسياج من النسيان أحيانا وبالهلع والخوف والتردد أحيانا أخرى كثيرة.
لذلك وجب على كل إنسان الحفاظ على معدلات طاقته عالية وذلك بتجديدها كلما شعر بتراجع مؤشراتها.. وهو ما يتحدث عنه المحاضرون في التنمية البشرية حين يطالبون باستبعاد الطاقات السلبية، وعمل ما اسميته "غربلة" النفس من كل ما تعلق بها من طاقات سلبية وشوائب مُحبطة ومحزنة، وذلك بشكل دوري كلما شعر المرء بأعراض وانعكاسات تلك "الضغوط" على صحته النفسية وثبات انفعالاته في المواقف المختلفة خاصة في المواقف الحرجة. تلك العملية "الضرورية" هي عملية صيانة دورية مكثفة. فما نشعر به من ضيق واحباطات وقلق وتوتر في الظاهر أو في باطن شعورنا؛ ما هو إلا انعكاس لشدة الضغوط الداخلية وكذلك الخارجية.! لكن مع استدعاء الطاقة الإيجابية والأفكار السعيدة التي تسر النفس وتثلج الصدر؛ تكون عاملا مساعدا على تقوية الحالة النفسية، وتحسين قدرات الطاقة الحيوية التي تمدك بقوات إضافية تعينك على مواصلة معركة الحياة والفوز في كل جولاتها أو على الأقل تتحصن نفسيا بجملة معنويات تجعلك تشعر بالفوز والنجاح في معترك حياتنا. فالحياة كلها عثرات ووقفات ومتغيرات ومواقف مختلفة والإنسان ليس في قدرته جعلها دائما مريحة وسعيدة وعلى ما يرام، وليس في إمكانه التغلب دائما على صعوباتها ومتاعبها، لكن في إمكانه التعايش معها بسلام نفسي ومعنوي، مهما كان الموقف ومهما كان الحدث ومهما كان الابتلاء. وعلى ذكر الابتلاء فنحن مبتلون شئنا أم أبينا، فنحن معرضون في كل لحظة من لحظات حياتنا لابتلاء ما، ربما كان الهدف والحكمة منه هو امتحان وفحص وتمحيص لقدرة الإنسان على التعامل مع الابتلاء بشكل ايجابي وفعال فيكون المبتلى واعيا مدركا لأن الحياة لا يمكن أن تسير على وتيرة واحدة، فدوام الحال من المحال.
لذلك وجب علينا الصبر عند كل ابتلاء حتى يمر بسلام وأجر. وكما يقولون " الضربة التي لا تُميتك تقويك" ولكل جواد كبوة، ولكل ضعف قوة، ولكل مشكلة حل .. تعلم من أخطائك وصححها ولا تعود إليها، تعلم من سقطاتك وهفواتك وقف على قدميك من جديد، تعلم من ابتلاءاتك واصبر معها واصطبر عليها. جدد طاقة الطموح والأمل والهدف، جدد طاقة حسن الظن في قدراتك وامكاناتك، جدد طاقة السعادة بتجديد طاقة الرضا.. جدد طاقة الحب والعفو والتسامح في قلبك ووجدانك.. وأعرِض عن الجاهلين.
-دمتم سالمين
إضافة تعليق جديد