الكاتب ناصر خليفة يكتب : من أنوار الكتابة الصحفية

مقالات عامة
الكاتب ناصر خليفة يكتب : من أنوار الكتابة الصحفية
الكاتب: 

الكاتب ناصر خليفة

كاتب حر
الأحد, يناير 16, 2022 - 22

ذات مرة طُلب مني أن أكتب مقالًا يتناول عدة نصائح لشباب الصحفيين، مقال يحوي توجيهات من خلال تجربتي في الكتابة الصحفية.. فكتبت مقالًا لكن أردت أن أنشره بهذا الكتاب بل وأفتتح به؛ لأني وجدته يحمل قِيمًا لا تخص الكتابة الصحفية فقط بل تهم كل الكتابات، فالكلمة أمانة حتى لو كانت كلمة في رسالة خاصة.. 

•• الكتابة هي الأداة المثالية التي تساعدنا على استخراج كنوز المعرفة، سواء كانت في مخيلتنا الإبداعية أم انعكاس لقراءاتنا في أفكار الآخرين ثم تسجيلها لينتفع بها غيرنا. بالكتابة نحاول فتح أبواب مؤصدة عليها أقفالها، لكن الكاتب الصحفي المبدع صاحب الذهن الواعي والضمير اليقظ والقلم الحر لا يتوقف عن الكتابة مهما كانت المعوِّقات. الكاتب البارع يتسلق جبال المعرفة وكلما سقط قام من جديد محاولًا مرات ومرات، هكذا الكاتب الصحفي الذي وهب قلمه وضميره للبحث عن الحقيقة ولو بالمرور عبر نوافذ ضيقة موقوف عليها حراس أقوياء، فلا تهمه كل الحواجز لأنه أخلص النية ونقَّى مقصده وهدفه النبيل؛ لكشف الغبار عن الحقائق التي تفيد القارئ الذي حمَّله مسؤولية الكلمة التي يقرؤها في مقاله أو تعقيبه أو الخبر الذي نشره.. الصحفي النقيّ يدرك تمامًا أن مهمته في غاية الصعوبة وأن طريقه ممتلئ بالأشواك، لأنه يبحث في الظلمات ليستخرج كلمات النور من وسط أشباح التناقضات لكشف غموضها وملابساتها.. ولتقديم إجابات لأسئلة حُشرت بين أوهام وعوالق وأنفاق عتمة مظلمة وتعريفات حارت وتاهت معها العقول قبله، فبقت مدفونة في غيابة المستور في انتظار الصحفي الماهر الفذّ لاستخراجها، وكأنه كاتب مبدع يستخرج لنا من كنوز المعاني وباحث عن الحقيقة ومكتشفها.. نعم، أريد الصحفي المبدع الذي يتفنن في إظهار الحقيقي وليس جلب الوهم. 

 في البداية الصحافة علم وفن بمعنى أن يكون الصحفي دارسًا دراسة أكاديمية مُتقَنة على يد أساتذة بارعين في علم الصحافة. ولأنها تشتمل على فنون تحريرية مختلفة فعلى الصحفي أن يكون ملمًّا بكل تلك الفنون.. 

•• ثم تأتي الممارسة الاحترافية في واقع العمل ولكي يكون متمكنًا وناجحًا نجاحًا حقيقيًّا وليس نجاحًا وهميًّا ظاهريًّا؛ عليه أن يدرك بعض النقاط المهمة والتي أعتبرها دستورًا لا يفارق مواده ولا ينساها ولا يتجاهلها: 

- بما أن الصحفي صاحب رسالة كتبت بمداد الضمير الإنساني النابض بالإخلاص، فعليه أن يكون على قدر تلك الأمانة والمصداقية وألا يكتب كلمة واحدة إلا وهو متيقن أنها كلمة حق مكونة من حروف الصدق والشفافية، وإذا نقل ينقل بموضوعية وعدل وأمانة. 
- على الكاتب الصحفي أن يكون متصالحًا أولًا مع نفسه لكي يكون متصالحًا مع مجتمعه ومن ثمَّ مع قرائِه.. 

- الصحفي عليه أن يُخلِص كل الإخلاص لقضايا وطنه ومجتمعه ولا يفارقه الشعور بالانتماء للوطن أبدًا مهما كانت "ظروفه الخاصة"، ومهما كانت مغريات الحياة وألاعيب الأعداء أو انحرافات بعض المحيطين به. 
- الصحفي الماهر عليه أن يتمكن كل التمكن من أدواته الكتابية من الثقافة والوعي والمعرفة والأسلوب الجيد واللفظ الدقيق والبيان الواضح، وذلك من خلال إتقان اللغة التي يكتب بها وإلمامه بالثقافة المعرفية الإنسانية.. 

- على الصحفي العمل دائمًا على أن يكون له أسلوبه الخاص ليميز شخصيته الكتابية والصحفية بأن يخلق لنفسه عالمًا خاصًّا من التراكيب اللُّغَوية والمهنية والاحترافية، خاصة في التقارير والمقالات والقراءات المتأمِّلة والمتعمِّقة، والبعد كل البعد عن السطحية والابتذال والتقليد. .

- بما أننا أصبحنا في عالم متشعب وسريع في نفس الوقت؛ فعلى الصحفي أن يتسلح بسلاح العلم والتكنولوجيا وأن يكون مواكبًا متابعًا لكل جديد ومستحدَث، وهذا لا يعني أن يستبعد ثقافته الأصيلة وأصول مجتمعه ومبادئه، ولا يتناسى هموم المجتمع المحيط به وقضاياه، بمعنى أن يتلقى ويتطلع ويطمح ويتأمل ويشارك ويسعى، ويستقبل كل جديد لكن ينقل منه كل ما هو مفيد ومثمر لبلده دعمًا للصالح العام. ثم يبتعد عما هو متناقض مع قِيم مجتمعه ومبادئه ومصالح وطنه.. 

- لكي تكون صَحفيًّا عظيمًا قديرًا فلا تهتم بالشكليات ولا تحرص على النجومية والشهرة؛ فكلها بريق زائل لأنك ستُحاسَب على كل كلمة كتبتها وعلى كل خبر نقلته، وعلى كل رأي أو فكرة كتبتها من الله عز وجل، وليس من المهرجان أو الندوة أو في البرنامج الإعلامي، فليس كل نجم صحفي لامع على شاشات التلفاز هو نجم لامع في حقيقته! فهذه الأضواء لا بُد وأن تخفت يومًا ما وتبقى الكلمة الصادقة بنورها الحقيقي في حياتك وبعد مماتك. فلا تسعَ للنجومية بل اجتهد وأخلص وكن صادقًا مع نفسك وضميرك وقلمك، ولسوف تأتي الشهرة والنجومية رغم أنفها زاحفة إليك. (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) ولنا في كتابنا العظام القدوة والعبرة والأسوة الحسنة، فمنهم من لم ينل حظه من التعليم الرسمي لكنه علَّم نفسه بنفسه، واجتهد حتى أصبح من مشاهير الكُتَّاب وأكثرهم إبداعًا، ومنهم الأعمى الذي تفوق على نفسه حتى أصبحت كل الأضواء من حوله مُسلَّطة عليه في حين أنه يرى الظلام! لكن النور كله في بصيرته وقلبه وعقله.  ولنا في كل أنبياء ورسل السماء الأسوة الأعظم والأحسن والأفضل إنهم المعلمون الأوائل الذين علموا الدنيا كلها من نور ربهم . 

- لا تحاول القفز فوق أي مرحلة من مراحل تطور مهنتك الصحفية بل خذها درجة درجة من درجات سلم النجاح والمجد.. فلو تريثت واجتهدت فسوف تتمكن من الصعود للمرحلة التالية وهكذا حتى يعلو شأنك وتبرز نجاحاتك وتحقق هدفك بإذن الله.. أما لو سلكت طريق القفزات السريعة واتباع أساليب النفاق والتدليس والأكاذيب والأوهام.. فحتمًا ستسقط -لا قدر الله-. 
وختامًا.. الصحافة رسالة إنسانية شريفة، فاحرص أن تكون إنسانًا صاحب قلم إنسان حر شريف