رسالة إلى قمة الجزائر العربية

مقالات عامة
الكاتبة فاطمة غندور تكتب : رسالة إلى قمة الجزائر العربية
الكاتب: 
الكاتبة فاطمة غندور

الكاتبة فاطمة غندور

كاتبة حرة - ليبيا
الأربعاء, نوفمبر 2, 2022 - 03

الجزائر الشقيقة،ضمن وقائع موثقة جرت على الارض،شهادات وسير مدونة،مجاهدون ليبيون متطوعون،وفيهم من خاطروا وهربوا أسلحة عبر الحدود الصحراوية ،ونهج تبرعات شعبية -رغم ضيق الحال وقتها- ،لأخوة الجوار،والهم النضالي المشترك،ففي طفولتي بيتنا والدي الناصري العروبي لمرات صدح بمقطع ظل في سمعي : وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر،تكشفت لاحقا مع تفتح الوعي،أنها جملة من النشيد الوطني الجزائري.وفي انشغالي بتوثيق ذاكرة ،وسير بديلة لنساء بلدي، المؤسسات في أكثر من مجال، جهودهن المنسية منذ العشرية الاولى للقرن العشرين ،حدثتني الرائدة في نهضة المرأة الليبية السيدة صالحة ظافر المدني حين جالستها ببيتها رفقة عائلتها ،عن تأجريهما لتاكسي،وزميلتها المعلمة المبكرة في مشوارها المعرفي جميلة الازمرلي ،قاطعتان شوارع طرابلس،طارقتان على البيوت التي كانت على جاهزية ملفتة ،نزعت النساء حليهن العزيزة على قلوبهن ،وسلمنها بلا تردد لتصل جمعيات تنشط في إيصالها للجزائر. أما الرائدة المعلمة والناشطة السياسية ،بهيجة المشيرقي حائزة جائزة القصة عام 1958،فصالون العائلة ماقاده والدها عبد الهادي المشيرقي سيشهد جلسات موضوعها الرئيس كيفية الدعم المعنوي والمادي لنضال الشعب الجزائري، ورفع الصوت بمواجهة مظالم وبشاعات المستعمر الفرنسي،بهيجة سيجري استقبالها،وستكرم من الجزائر لجهودها التي سجلتها كأول مرأة عربية تجعل مشروعها القومي قضية تحرر الجزائر.
وفي الجزائر،بملتقى دولي نظمته جامعة الجزائر عام 2013 حول "الصحافة في الاوضاع الانتقالية"،وعلى طاولة الغذاء في اليوم الاول، تفاجأت بأساتذة وطلاب ،أسمعوني أخبار متابعتهم لأصداء الثورة في ليبيا لحظة فبراير 2011،ورددوا معلوماتهم عن أحداث ومناخات الخطر التي تابعوها،ماحصلت بمدن ليبية ،بنغازي مصراته،طرابلس،وأنهم وضعوا أيديهم على قلوبهم،وتلاحقت أنفاسهم ،حين فتح القذافي مخازنه ووزع السلاح، وصار عند الطرفين الثوار،وأنصاره.هذا السلاح معضلة المسألة الليبية الى يومنا هذا ،خيضت به حروب أهلية خلال عقد كامل،صراعا على السلطة والثروة،فالاتحاد الاروبي أعلن أن بليبيا اثنين وعشرين مليون قطعة سلاح!،تسببت في تفاقم الازمة،وأوصلتها الى نفق مظلم،مع تعمق التجاذبات الاقليمية والدولية،فكل من طرفي الازمة ،تشحذ تمسكه بأللاوفاق وإبقاء الحال بماهو عليه،دول متدخلة،حصل ذلك منذ إنطلاق الثورة الليبية .
اليوم ونحن نقارب قمة الجزائر ،(في الدورة العادية لمجلس الجامعة العربية على مستوى القمة،يومي 1و2 نوفمبر 2022) ،تعلق الآمال وتعلو مطالبات الليبيين الملحة للقادة العرب في اجتماعاتهم ،لتبني مخرج من أزمتهم ،وسط صراع المصالح والنفوذ الدوليين ،ووسط ارتدادات مخاطر حرب قائمة بين روسيا وأوكرانيا ،ما تهدد مصائر شعوب في غذائها وأمنها وبيئتها. وفي هذه اللحظة العالمية الحرجة ،نتطلع لتوحيد المواقف،والعمل العربي المشترك لأجل دعم حقيقي لانفكاك عقال الازمة،والذهاب بها الى الامام ،لا المراوحة في ذات الوضعية ،الجزائر الدولة الجارة،أبانت عن موقف لم تتزحزح عنه،منحازة فيه لطرف غرب البلاد دون كسر لجمودها في هذا الموقف.وحتى وهي حكومة معترف بها دوليا ،وتمت شرعنتها وفق موعد تم تحديده لانتخابات، جرى النكوص عنها من ذات حكومة بعثة الامم المتحدة بليبيا!.وليس لنا أن ننفي أثر حدة الانقسام الحاصل على الارض منذ عام 2014،وما أعقبه من عقد لقائي الصخيرات ،وجنيف ،ماتمخضت عنه حكومتي السراج ثم ادبيبة، ولم تحققا الوفاق المرتجى لتوحيد البلاد،وظلت الجهود العربية ممثلة بجامعة الدول العربية قاصرة وغير جادة ،في أن تكون جامعة للصف في ليبيا.التي خارطة طريق حل أزماتها يتوازى فيه الليبي/ ليبي،مع الإقليمي الدولي لافكاك من ذلك،وإذا صح باب التفاؤل الذي شرعه الرئيس تبون في تصريحاته،من أن العام المقبل هو عام حلحلة لأزمة ليبيا باتجاه الانتخابات،فالمعول عليه هو الضغط  وإخلاص النوايا باتجاه ذلك مع عقد هذا الاجتماع .ففي المسار السياسي لابد من خلق قواعد ملزمة لأجل التسوية والتفاوض بين طرفي الازمة،ومن وراءهما دور القوى الإقليمية والدولية التي وضعت ثقلها السياسي وفيها العسكري.ونذكر أنه في المسار العسكري، الخلل والفراغ الامني في ليبيا مهدد لكل جيرانها ،وقد هدد الارهاب والتطرف دولنا،مادخل بلدا إلا وعانت من ارتداداته بلد جارة،الارهاب لادين له ولاجغرافيا،وما لم تتضافر الجهود،وتعزز الدفاعات بالتحالف والتشبيك عربيا بإعلان مواقف وخلق أليات،فلن نخرج جميعنا من ثقل هذه المسألة.
ونلفت الى أنه في هذه القمة دولتين كُبريين،جارتين لليبيا،مؤثرتين،مصر والجزائر،لو نجحتا في دفعهما للأزمة الليبية باتجاه الحل،لحالة مايمكن تسميتها بالسهل الممكن،وأن ليبيا فيها مؤهلة للحل،فمؤتمر القمة العربي بالجزائر قد يتوج بذلك ،في مسعى إيجابي عربي، وعلى مستوى أولي في نتائجه دفع ومعاضدة لموقف الجارة الشقيقة تونس تجاه ليبيا،تونس قاعدة الليبيين في مسارب عدة،والتي قدمت الكثير من أجل حل المسألة الليبية،والتي يهمها ذلك ،اليوم وغدا، وباعتبار أنها امتداد للمسألة الليبية ،كما وأن الانفراج بليبيا ،له إنعكاس على الجارة الحدودية السودان.
ولعل التطلع المأمول للذهاب لحل المسألة الليبية والتركيز عليها،عملية ايجابية إن توجت بها أعمال هذه القمة،ليبيا ليست إلا نموذج لواقع الحال المضطرب في منطقتنا،ما ينعكس انفراجها بشكل ما على هؤلاء ،اخوتنا في سوريا ولبنان،واليمن والعراق،والسودان والصومال،من يعانون الجوع والفقر والجريمة،والصراعات السياسية الداخلية، بأثر الانقسام الذي ظلاله القاتمة ،منزعها إقليمي دولي ،فهل من إرادة ومفاعيل تجتمع صوبها مستهدفات جلسات هذه "القمة" المهمة بعد جفوة وغياب؟. والتي تنعقد ،ونحن على وقع مؤشرات تنذر بحرب طويلة في القارة العجوز،وفيها الاروبيون مجتمعون، ملتفتون لقارتهم المهددة،منشغلون بأدق تفاصيلها غذاءً وطاقة وأمنا، أليست هي اللحظة السانحة،وأن علينا أن نلتفت "مجتمعين" لقضايانا المشتركة الشائكة،واجتراع حلول لأزماتنا؟.