النظرة الأولى إلى عنوان القصيدة يدفع القارئ إلى التأويل و متابعة قراءة النص لكشف ما يخبئه العنوان ، حيث أن المفردتين( جدائل - النهر ) بحالهما تبعثان في مخيلة المتلقي الكثير من التساؤلات و التأويلات.
القصيدة في مضمونها العام مناجاة الشاعر للأخر/ الحبيبة، حيث الأيام و المسافات باعدت بينهما ( وهالات الأقدار تحاصرني.....تجذبني لمداها المجهول البعيد ) .
النص تبدو فيه العاطفة قوية ، تنساب منها الرقة و الشفافية ، تتبدى من خلال هيام الشاعر بالمجهول البعيد الذي يعشقه ولا يستطيع الوصول إليه، ويتمناه و لا يدركه ويلمحه قريبا و بعيدا في نفس الوقت ، فملأ القصيدة بروحه و قدرته على التعبير والرسم بالكلمات المتألقة .
إن الصور الشعرية في النص تحولت إلى شبه قصة تتسم بسرد الأحداث، نتيجة تجربة شعرية عاشها الشاعر نتجت من فضائين، الأول فضاء الذات وتتأطر داخله معظم معاني النص، و الثاني فضاء الآخر/ الحبيبة التي تحضره وان غاب جسدها، بحيث جعل حضورها في القصيدة معادلا لحضوره في الحياة ، حضوران اتسقا معا لانتاج بنية دلالية ذات تكثيف ايحائي عاطفي ، موضحة في صور شعرية في مقدمتها الاستعارة التي كانت واضحة وشكلت معظم أرضية بناء النص ( محلقا بالوان قوس قزح ) و ( اجاهد تجدد و تناسخ الأرواح ) ، وتتكرر الصور و لكن باستعارة أكثر قدرة على تحريك الخيال( تغريدات تلك الأوراق المصفرة.......) و في نهاية القصيدة ( المسمرة فوق ضفاف الأشواق ) .
استخدم الشاعر الفعل المضارع( اقلد، اعانق ، اجاهد ، افترش ) و الفعل الماضي ( ادمنت، فرفعت ) والتي ترصد في حركتها الحنين إلى ذكريات الماضي التي يفتقدها الشاعر و يتوق اليها ، كما أن النداء كان حاضرا أيضا( يا ابنة قلبي ....) .
أن الشاعر (عدنان ريكاني ) حاول خلق محاورة بين ذاته و الآخر/ الحبيبة والتي أفردت في مخيلتها صورا شعرية جمعها الشاعر من الواقع الذي عاشه و قام خياله بتوظيف الحالة الشعورية التي انبعثت من تجربته و التي صاحبها بناء الصور الشعرية المترابطة و المنسجمة ، وهنا تمكن خيال الشاعر من تحويل كل المدركات الحسية إلى مجموعة من الصور الذهنية المتولدة من فضاء من الاستعارات لصنع مشهد شعري يتحسسه القارئ أو المتلقي، فيحس بجمالية الصورة و قوة دلالاتها الممتلئة بالايحاءات الذي تطرحه الصور الشعرية.
تتجسد شاعرية ( عدنان ريكاني ) في روحه الهائمة في أفق القصيدة وفضائها الشعري الذي تنساب فيه اللغة كالنهر في خريره حين يصطدم بالصخور .
أن القصيدة تثير اهتمام و إنتباه القارئ و تحفزه على خلق رؤى شعرية كل حسب تجربته و مستوى تفكيره، وتحليله لشفرات النص.
لقد جعل الشاعر ( عدنان ريكاني ) من لغة المخاطبة لغة يتواصل خلالها مع الآخر/ الحبيبة، في تحاور واضح لكل الزمنية و الامكنة ( تخطت خرائط البر و البحر )
فهو يعتبر حبيبته الزمان و المكان الوحيدين حيث كل شيء ممكن الا بوجود الآخر/ الحبيبة .
عبد الكريم حمزة عباس.
===================
جَدَائِلُ النَّهْرِ ..
--------------
رَذَاذُ صَمْتكِ يُجْبِرني
أنْ أقَلِدَ صَدَى مَوْجَه الفَسِيْح
وَأعَانِقَ وَجْهكِ الصَبُوحي
الذي بِنَدَاهُ تتَقاطَرُ أحْلامِي
مُدْمِنٌ أنا بِظُلمَة اللّيْلِ لأسْمَع
عُذُوْبَة صَوْتُكِ المُمْتَلئ
بِأسْرِابِ نُوْرِ الكَوْن ..
مُحَلِقاً بِألوَانُ قَوْسُ القُزَحِ
فتَخْتَنِقُ كُلُ الألوَانِ بِلَوْنًكِ القَمْحْيّ
يَاااا أبْنَةَ قَلبْي ..
أدْمَنْتُ ظُلْمَةُ اللّيْلِ
أجَاهِدُ تَجَدُدَ وتَنَاسُخَ الأرّوَاحِ
وَهَالاتُ الأقْدَارِ تُحَاصِرُنْي ..
تَجْذِبُنْي لِمَداهُا المَجهُوْلِ البَعِيْد
تَغْرِيْدَاتُ تِلْكَ الأوْرَّاقُ المُصْفَرَّة
المُتَآكِلةِ أطْرَافُهَا لَمْ تَكُنْ عَبَثْيَة
بِخَطَوَاتِهَا المُتَبَاطِئَة ..
تَخَطَتْ خَرّائِط البَرّ والبَحْرِ
فَرَفَعْتُ كَفَيَّ للسَّمَاءِ ..
يَا وَارِثَ ضِيَاءَ الشَّمْسِ
في العَليَاءِ لِكُلِ مُعْتَلي
زِدْ مِنَ لهِيبِ تُرَّابِ الطَمُوْحِ
وأفْتَرِش لسَوْسَنةُ قَلبِي العَقِيْق ..
لا تزَالُ جَدَائلُ النّهْرِ
عَالِقَةٌ بِعُقَدَةِ احْجَارِ الرَّحى
المُتَسَمِرّةَ فَوْقَ ضِفَافِ الأشْوَاقِ
بَيْنَ الأنْتِظَارِ والأحْتِضَار
إضافة تعليق جديد