علم الاجتماع عمليا

مقالات عامة
الدكتور أحمد لطفي شاهين يكتب : علم الاجتماع عمليا
الكاتب: 

الدكتور أحمد لطفي شاهين

كاتب حر - فلسطين
السبت, أبريل 1, 2023 - 06

في كلية علم الاجتماع اشترط البروفيسور في جامعة ماليزية على طلابه إسعاد إنسان واحد طوال الأربعة أشهر، مدة الفصل الدراسي، للحصول على الدرجة الكاملة في مادته. وفرض البروفيسور على طلبته الثلاثين أن يكون هذا الإنسان خارج محيط أسرته وأن يقدم عرضا مرئيا عن ما قام به في نهاية الفصل أمام زملائه.

ولم يكتفي البروفيسور بهذه المبادرة بل اتفق مع شركة ماليزية خاصة لرعايتها عبر تكريم أفضل 10 مبادرات بمبالغ مالية كبيرة واجهزة الكترونية كهدايا

وفي نهاية الفصل الدراسي نجح الطلاب الثلاثون بالحصول على الدرجة الكاملة، لكن قرر البروفيسور عمل تصويت على أفضل 10 مبادرات لعمل ترتيب تقييمي لهم بعد أن قدم الجميع عروضهم على مسرح الجامعة، وحضرها آباء وأمهات الطلاب والطالبات.

هذه الافكار والمبادرات الإنسانية نشرت أجواء مفعمة بالمفاجآت والسعادة في ماليزيا كلها وليس في الجامعة فقط، فالجميع كان يحاول أن يقدم عملا إنسانيا مختلفا يرسم فيه السعادة على حياة غيره دون مصلحة خاصة.

لقد حصل على الترتيب الاول طالب ماليزي وهو أحد الفائزين العشرة، ومبادرته كانت بوضع هدية صغيرة يوميا أمام باب شقة زميله في سكن الجامعة وهو طالب هندي مسلم ، ارسله والده لدراسة الطب في ماليزيا.

اختار الطالب الماليزي هذا الطالب تحديدا لأنه شعر بأنه لا يمتلك أصدقاء أو ابتسامة طوال مجاورته له لنحو عام،

كان الطالب الهندي لا يتحدث مع أحد ولا أحد يتحدث معه، يبدو حزينا وبائسا مما جعل زميله الطالب الماليزي يرى أنه الشخص المناسب للعمل على إسعاده.

أول هدية كانت رسالة صغيرة وضعها تحت باب شقته كتبها على جهاز الكمبيوتر في الجامعة دون توقيع و هذا نصها:

“كنت أتطلع صغيرا إلى أن أصبح طبيبا مثلك، لكني ضعيف في مواد العلوم، إن الله رزقك ذكاءاً خارقا وانت ستسهم عبره بإسعاد البشرية”. .. يا للروعة في فن التخفيز….

في اليوم التالي اشترى الطالب الماليزي قبعة تقليدية ماليزية ووضعها على الباب ومعها رسالة:

“أتمنى أن تنال قبولك هذه القبعة”.

في المساء شاهد الطالب الماليزي زميله الهندي يعتمر القبعة ويبتسم ابتسامة لم يراها في وجهه من قبل، ليس ذلك فحسب بل شاهد في حسابات الطالب الهندي على الانترنت صورة للرسالة الأولى التي كتبها له، وأخرى للقبعة، التي وجدها أمام باب منزله، وتعليقه “اني اشكر الله الذي ارسل لي هذه الهدايا عن طريق انسان لا أعرفه…”” وأجمل ما رأى هو تعليق والد طالب الطب الهندي على صورة رسالته، والذي قال فيه:

“حتى زملاؤك في الجامعة يرونك طبيبا حاذقا، .. لا تخذلهم يا ولدي واستمر”.

دفع هذا التعليق الطالب الماليزي على الاستمرار في الكتابة وتقديم الهدايا العينية الصغيرة إلى زميله بشكل شبه يومي دون أن يكشف عن هويته !!

كانت ابتسامة الطالب الهندي تكبر كل يوم، وتزدحم صفحاته عبر الانترنت بالأصدقاء والأسئلة:

“ماذا ستحصل اليوم من هدايا؟”،

“لا تتأخر… نريد أن نعرف ما هي الهدية الجديدة؟”.

تغيرت حياة الطالب الهندي تماما، تحول من انطوائي وحزين إلى مبتسم واجتماعي بفضل زميله الماليزي !!

بعد شهرين من الهدايا والرسائل أصبح الطالب الهندي حديث الجامعة، التي طلبت منه أن يروي تجربته مع هذه الهدايا في لقاء اجتماعي مع الطلبة، تحدث الطالب الهندي أمام زملائه عن هذه الهدية وكانت المفاجأة عندما أخبر الحضور بأن الرسالة الأولى، التي تلقاها جعلته يعدل عن قراره في الانصراف عن دراسة الطب ويتجاوز الصعوبات والتحديات الأكاديمية والثقافية التي كان يتعرض لها.

لعب الطالب الماليزي، دورا محوريا في حياة هذا الطالب الهندي بفضل عمل صغير قام به.

سيصبح الطالب الهندي طبيبا يوما ما وسينقذ حياة العشرات والفضل بعد الله لمن ربت على كتفه برسالة حانية.. والفضل ايضا للبروفيسور صاحب الفكرة

اجتاز الطالب الماليزي مادة علم الاجتماع، ولكن ما زال مرتبطا بالفكرة ويقوم بإسعاد شخص كل فصل دراسي، بعد أن لمس الأثر الايجابي الذي تركه، اعتاد قبل أن يخلد إلى النوم أن يكتب رسالة أو يغلف هدية.

واتفق مع شركة أجهزة إلكترونية لتحويل مشروعه اليومي إلى عمل مؤسسي يسهم في استدامة المشروع واستقطاب متطوعين يرسمون السعادة في أرجاء ماليزيا على وجه اي انسان يحتاجها..

هذه هي روح الاسلام المصدر الاول لعلم الاجتماع الانساني

ما احوجنا أن نكون مصدر سرور لبعضنا البعض.. !!

يقول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم : إن أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ .

فهل نطبق ذلك؟

كن مبادرا إيجابياً ورائعاً.

واحرص على النية الطيبة

فالنوايا‏ البيضاء ترتِب لصاحبها أجمل الأقدار..

وتسخّر له أطيب الأحداث..

وتزرع الورد في دروبه

والجمال في أيامه..

وكم من شخص رزقه الله بنيّته الصافية أكثر مما يتوقع ويتصور

وكم من أبواب عظيمة فتحت بمفتاح النية الطيّبة….

النوايا الطيبة هي الشمعة التي تنير طريقك اذا كان مظلما..