الحمد لله الذي تقدست أسماؤه، وتسامت علياؤه، ودام بقاؤه، ودعت للإيمان به رسله وأنبياؤه، المتفضل على خلقه بوافر رزقه، الوارث الحق بعد فناء الخلق، الذي أنزل على نبيه في كتابه الكريم: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾.( مريم : 40) والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي المصطفى، والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه وسلم تسليماً كثيراً.... وبعد ،،،،
لقد كرّم الإسلام المرأة تكريماً عظيماً، وأعلى شأنها ومنحها جميع حقوقها؛ من هذه الحقوق جعل لها حقوقاً لم تكن تنالها من قبل في الجاهلية والكثير من الشرائع والحضارات القديمة ؛ فالمرأة في الإسلام تحظى بمكانة لم تحظ بها نظيرتها في اليهودية أو التشريعات والحضارات القديمة.. وعلى الرغم من هذا تثار الكثير من الشبهات حولها ..
وفي الحقيقة إن إثارة مثل هذه الشبهات والمزاعم الباطلة – التي لا تدل إلاّ على جهل قائلها وعدم فهمه بحقيقة الدين الإسلامي – الهدف منها هو محاربة الدين الإسلامي ومحاولة تشويهه. فالإسلام هو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، وقد بيّنت النصوص القرآنية أن الله – تعالى – خلق الإنسان – ذكراً كان أم أنثى - من أصل واحد ، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً﴾.( النساء : 1) وأن إرادة الله من هذا التنوع في الخلق- ذكوراً وإناثاً – له حكمته البالغة، وقد جعل العلاقة بين هذين النوعين – الذكر والأنثى – قائمة على المساواة بينهما في أصل الخلق وفي الحقوق والواجبات، وفي التكريم والتكليف والجزاء ، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا﴾.(الإسراء : 70)
وإذا كان القرآن الكريم قد جعل للرجال على النساء « درجة » ، في قوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.( البقرة : 228) فَقَوَام هذه الدرجة هو المسؤولية والتكليف من جانب الرجل أكثر من المرأة ، قال ابن عباس إن معنى ﴿وللرجال عليهن درجة﴾: « بما ساق إليها من المهر، وأنفق عليها من المال». قال القرطبي: أي « منزلة ... وزيادة درجة الرجل بعقله وقوّته على الإنفاق». ولهذا ، كان الذي بين الرجل والمرأة من فضل هو درجة ! « درجة واحدة.. لا يخف بها ميزان المرأة ، إزاء الرجل ، ولا تضمر شخصيتها إزاء شخصيته... فهذه الدرجة لازمة لقيام الشركة بين الرجل والمرأة على مودة ورضا». وقال ابن العربي في أحكام القرآن: « طوبى لعبد أمسك عما لا يعلم، وخصوصاً في كتاب الله العظيم، ولا يخفى على لبيب فضل الرجال على النساء ، ولو لم يكن إلا أن المرأة خُلِقت من الرجل فهو أصلُها، لكن الآية لم تأتِ لبيان درجة مطلقة حتى يتصرف فيها بتعديد فضائل الرجال على النساء .... ومنها : وجوب الطاعة، حق الخدمة، حجر التصرف إلاّ بإذنه، أن تقدم طاعته على طاعة الله في النوافل ، فلا تصوم إلاّ بإذنه ، ولا تحج إلاّ معه ، وبذل الصداق وإدرار الإنفاق..».
والقوامة في قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾( النساء : 34).. يراد بها مزيداً من الأعباء الثقيلة ، بحكم طبيعة الرجل التي تتميز بالقوة في أمور معينة ، وفي ضوء ذلك هناك من يجعل للمرأة «قوامة» أيضاً على اعتبار أنّ « حقيقة القوامة المسئولية المتخصصة ، والتكليف الأزيد ، بحكم التأهيل الفطري والقيادة والريادة في ميادين بعينها – كانت قوامة المرأة في الميادين التي هي مؤهلة للبراعة فيها أكثر من الرجل.. فهي ليست محرومة من هذه القوامة ، أي الريادة والقيادة والرعاية ، أي أن هذا التمايز بين الرجال والنساء إنما هو تمايز بين جملة ومجموع النوعين، وليست بين كل فرد وآخر من النوعين. وهو تمايز في الدرجات داخل إطار ذات التكاليف المكلّف بها الرجال والنساء». فلم ينظر الإسلام إلى المرأة نظرة تفرق بينها وبين الرجل.. فالإسلام يساوي بينهما في الإنسانية، وتختلف عن الرجل في بعض الصفات التي تجعلها أنثى ، كما يختلف عنها في بعض الصفات التي تجعله رجلاً..
لقد وضع الإسلام المرأة في صورة كريمة ومشرقة فقد سوّى بينها وبين الرجل فيما أناط بهما من تكاليف، وما وجه إليهما من أوامر وزواجر... وبرغم كل هذا ، فإن «النظرة السائدة في الغرب تريد المرأة « نَدّاً مساوياً للرجل» في كل ميادين الحياة... أما النظرة الإسلامية فإنها تريدها «الشق المُكَمِّل والمُساوي للرجل» فتتساوى معه في الإنسانية والتكليف والجزاء ، وتتميز عنه بأنوثتها ، كما يتميز هو عنها بذكورته ورجولته، على النحو الذي يقسم العمل بينهما بما يحفظ فطرة الله في تمييز كل منهما عن الآخر بحيث تكون العلاقة بين شقين متكاملين ، يثمر تكاملهما سعادة الجنس البشري ، وليست علاقة نِدّيْن متماثلين ، تثمر النفور والشقاء».(يتبع).
إضافة تعليق جديد