نعيش اليوم فى عصر يجمع بين ثلاث ثورات هى ثورة الحاسبات وثورة الإتصالات وثورة المعلومات أو ما يسمى بالعصر الرقمى، ورغم التطور الهائل والذى إنعكس على تحسين حياتنا فأصبح العالم كله قرية صغيرة وأصبحت المعلومة فى متناول الجميع ونصل إليها بصورة آنية وبشكل أسهل من ذى قبل، لكن لا يستطيع أى شخص أن ينكر الآثار السلبية التى انعكست على حياتنا من جراء استخدامنا المبالغ فيه للتكنولوجيا.
التكنولوجيا خلقت لإسعادنا وليس لتدميرنا، فيجب أن نمتلكها لا أن تمتلكنا، بأن نستفيد من نورها وننتبه ألا نحترق بنيرانها، لذا يجب علينا أن نطوع التكنولوجيا لخدمتنا لا أن تصبح سيد يتحكم فينا، فلا يجب أن ننقاد بشكل أعمى خلفها، فلا يجب أن نعتمد عليها بشكل كلى وتتوقف حياتنا بدونها، فبالرغم مما للتكنولوجيا من فوائد عديدة لكن لا ننكرأن لها تداعيات خطيرة على حياتنا، فالتكنولوجيا لها ما لها وعليها ما عليها، فلها تداعيات خطيرة سواء على صحتنا الجسدية أو النفسية أو علاقاتنا الإجتماعية والتى تأثرت بشكل خطير فأصبحت العلاقات شبه مقطوعة وهناك انفصال وانعزال داخل الأسرة الواحدة وكذلك الحالة الدراسية التى تأثرت بسبب هدرنا للوقت على الفضائيات والأجهزة الذكية وخاصة على الشبكات الإجتماعية فيها مثل الفيسبوك والواتس وتويتر وانستجرام وتليجرام ويوتيوب وغيرها وتفضيلنا التواجد عبرها عن الحياة الطبيعية للهروب من الواقع؛ لذا فقد آن الأوان للانتباه ودق ناقوس الخطر لمخاطرها فيما يسمى بالتسمم الرقمى أو التسمم التكنولوجى أو التقنى.
يعرف التسمم الرقمى بأنه التداعيات والآثار الجانبية أو السلبية لظاهرة العولمة والتى وصلت لحد السيطرة الكاملة للتكنولوجيا على الإنسان وانسياقه بشكل أعمى خلفها على حساب حياته بما يعيق مصلحته وإصابته بالعجز عن آدائه لمهامه بسبب انبهاره بهذه التكنولوجيا المتمثلة فيما يحيطه من عناصر بيئته التكنولوجية مثل التليفزيون والفضائيات والكمبيوتر والإنترنت والتليفونات المحمولة وأجهزة التصوير والطباعة والوسائل التكنولوجية للتسلية والترفيه والألعاب وغيرها وما ينتج عنها من مخاطر تؤثر على الفرد تأثيرًا خطيرًا ينذر نذير شؤم على المجتمع.
لذا فقد انتشرت مؤخرًا دعوات ملحة من بعض الخبراء لما يسمى بالحمية إلكترونية أو الصوم الرقمي للحد من هذه الظاهرة المقلقة على الصعيدين الإجتماعي والصحي للأفراد؛ لفصل الأفراد - الذين يعانون من ضغوط بسبب التكنولوجيا - عن أجهزتهم.
ولن ننجح فى تنفيذ هذه الحمية إلا بتجويع أنفسنا وحرمانها عن استخدام التكنولوجيا وذلك بتنفيذ بعض الآليات مثل تقييد وقت استخدامنا للتكنولوجيا بحيث تكون فى نهاية اليوم بعد تنفيذ المسئوليات المناط بنا تنفيذها خلال اليوم - كنوع من المكافأة عندما نحقق أهدافنا – ولا تكون مفتوحة المدة وإنما لفترة محدودة ومقيدة بعدد ساعات معينة على حسب المستهدف تحقيقه فيها ولا تكون فى قمة أولوياتنا بما يضر بباقى الأولويات.
كما ينبه الخبراء لضرورة الحزم فى تنفيذ قرار الإنفصال لمنع التعلق الزائد بها ولن يتحقق ذلك إلا بتوفير حياة بعيدة عن المحيط التكنولوجى لفترة لحين التخلص من إدمانها، ويتحقق ذلك بانشغالنا بتطوير أنفسنا بدون الإستعانة بالتكنولوجيا فى تعلم كل جديد مثل تنمية مهاراتنا المختلفة بالإضافة للقراءة، وممارسة الرياضة، والتنزه، وتكوين علاقات إجتماعية، ووضع أهداف ومحاولة تحقيقها بما ينعكس على توفير حياة إيجابية بعيدًا عن المحيط التكنولوجى لنكون بعد ذلك قادرين على التعامل مع التكنولوجيا بالقدر المعقول بدون إلحاق الضرر بأنفسنا للحد من انغماسنا المفرط فى استخدامنا للتكنولوجيا.
كما يجب على الأسر الانتباه إلى أبنائها وخاصة الأطفال منهم الذين يدمنون هذه الأجهزة، وعلاجهم فى المراحل الأولى قبل تدهور الأمر وتصاعده، لذا لا يجب علينا الانتظار حتى تتفاقم الظاهرة ولكن علينا تقنين استخدامنا للتكنولوجيا من البداية فالوقاية خير من العلاج.
يجب أن يكون استخدامنا للتكنولوجيا بالقدر الذى يفيد ولا يضر؛ فالدين الإسلامى وكل الأديان السماوية تدعو إلى الوسطية والإعتدال، فالتكنولوجيا سلاح ذو حدين، فلقد أصبحت من الضروريات التى لا غنى عنها فى حياتنا؛ فلقد يسرت علينا كل عسير؛ فيمكننا أن نستفيد من التدفق المعلوماتى عبرها، وتطبيقاتها المتعددة والمتنوعة المجالات، بالإضافة لتيسيرها لتبادل المعلومات، وتنمية مهاراتنا عبر قنواتها المختلفة، كما تساعدنا فى التواصل مع الغير بدون الإنتقال بالجسد بما يجنبنا عناء السفر، وتوظيفها فى التعليم بتوفير بيئة تعليمية جاذبة تجمع بين العلم والمتعة، كما لونت حياتنا بتوفير سبل الراحة والتسلية والترفية، ولكن لا يجب أن ننسى أخطارها؛ فيجب أن نأخذ من خيرها ونبعد عن شرها لتكون لنا رفيق يفيدنا طوال الطريق.
إضافة تعليق جديد