قبل أيام أعلنت حركة حماس عن موافقتها إجراء الانتخابات الفلسطينية وبالتتابع؛ التشريعية فالرئاسية ومن ثَم المجلس الوطني حسبما وردَ في الرسالة المُوجهة من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس للرئيس الفلسطيني محمود عباس، لِتُلحق هذه الموافقة ببيان لأحد قياديّيها يؤكد على " إنهاء الانقسام وتمتين الجبهة الداخلية وإعادة بناء المؤسسات وتبني استراتيجية موحدة بمشاركة الكل الفلسطيني، أصبح أمراً ملحا جداً، ونأمل أن يتحقق ذلك قريباً "، ذات الحديث كان قد أكده زميله صالح العاروري في المؤتمر المشترك الذي جمعه بالقيادي عن حركة "فتح" جبريل الرجوب، ورغم أن العديد عقَّب (بأن تأتي متأخراً خيراً من ألا تأتي أبدا) إلا أن العبارة وحسب سياق المحادثات التي تمت بخصوص المصالحة الفلسطينية خلال عِقدِ من الزمن لا تنسجم تماماً والموقف المُعلن أخيراً، فما الذي تغير اليوم بحيث يصبح إنهاء الانقسام (أمراً مُلحاً) ! أو لم يكن مُلحاً في تشرين الثاني من العام المنصرم !
قراءات وأحاديثٌ عديدة تناولت موقف الحركة الأخير أشارت في معظمها لحصول حماس على ضماناتٍ من الأطراف العربية والدولية الوسيطة في ملف المصالحة تؤكد التزام القيادة الفلسطينية بجملة التفاهمات الواردة بالاتفاق، رغم أن تلك الضمانات تجلت في موقف الرئيس محمود عباس الذي ثَبُتَ خلال المسار وبأن الشعب هو صاحب الولاية ومصدر السلطات وتأكيده الدائم على الالتزام التام بما ينتج عن الاستحقاق وبمستوياته الثلاث، الموقف الذي تدركه حماس جيداً بل عاصرته تجربةً بانتخابات العام 2006. بالتوازي والخطوات التي تمت بهذا الملف شهدت أطرافٌ وسيطة على التزام القيادة الفلسطينية بما تم الاتفاق عليه، بل إن بعض الأطراف أشارت ولِمراتٍ عديدة امتلاكها الدلائل القاطعة على مواقف حماس التي أعاقت إنجاز المصالحة والحؤول دون إتمامها.
ورغم الترحيب الفلسطيني الذي رافق هذه الموافقة إلا أن أسئلة عديدة تتبادر إلى الأذهان لا من باب التشكيك بموقف الحركة وإنما بهدف استيضاح الفارق بتوقيته إضافةً لتفسير عدداً من الوقائع التي تتناقض ومضمونه، فما الذي اختلف اليوم عن الأمس إن كانت حماس تؤمن فعلياً بأهمية إنجاز المصالحة وتحقيق الوحدة، أم أنها لم تدركها كأولوية وطنية منذ اتفاق مكة ليومنا هذا ! وإن كانت الحركة تؤمن بالشراكة الحقيقة وضرورة تبني استراتيجية يتوحد ضمنها الكل الفلسطيني كيف تُفسر المناورة التي تمت في قطاع غزة قبل أيام تحت إشرافها وشارك بها أربعة عشر فصيلاً بعيداً عن برنامج نضالي موحد !! وإن كانت حماس تمنح نفسها تصدُّر مسار المقاومة والدفاع عن شعبنا لماذا لا نجدها تنخرط في أعمالٍ مقاوِمة للاستيطان وقطعان المستوطنين في الضفة الغربية أو حتى المشاركة في فعاليات المقاومة الشعبية !! وما هي الخطوات الفعلية التي نفذتها الحركة في قطاع غزة تثبت صدق توجهاتها؛ فلا دعوة لأجهزة الحكومة الفلسطينية التنفيذية (تحديداً الصحية منها) وجهت ولا سراح المعتقلين السياسيّن أطلقت !
أما علاقات الحركة بأطرافٍ عربية وإقليمية وطبيعة تحركاتها فهذه مسألة هامة أخرى يجدر التوقف أمامها، ورغم امتلاكها كحركة الحق في كيفية نسجها وتحديد منطلقاتها إلا أنها بمجملها لا تُدلل على حدوث إختراقٍ فعلي في توجهات الحركة على الصعيد الوطني، الحال الذي يؤكد عدم امتلاك حماس ولهذه اللحظة الإرادة الجادة تجاه تصليب الجبهة الداخلية في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي والتصدي لمخططاته وكل ما يُحاك ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية. فسيل التصريحات التي يدلي بها قيادييّ الحركة بالشأن الفلسطيني تتوازى والمواقف التي يبدونها لدى عاصمةٍ عربية هنا أو إقليمية هناك.
مما سبق؛ يبدو أن توقيت الموقف الأخير لحركة حماس يدلل على الكثير، فالفارق الزمني بين موقفيها المتباينين جملةً وتفصيلا لم يتعدَ الشهر، وجملة الاعتراضات التي ألقتها مبرراً لفشل لقاء القاهرة المنعقد بتشرين الثاني (الماضي) ما عادت تُشكل اليوم حجر عثرة في طريق الوحدة الوطنية! وعليه بات من المؤكد أن جملة المتغيرات على الصعيد الدولي لعبت الدور الأساس في صياغة موقف الحركة الأخير، تحديداً نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب تفاصيل المشهد الإسرائيلي الخاص بسيطرة اليمين على اختلاف تحالفاته. الأبرز في تحديد توجهات حماس الأخيرة هو التغيّر الواضح في استراتيجياتها كحركة حيث لم تعد المؤسسة التشريعية المستندة لاتفاق أوسلو هي أقصى الأهداف، سيما وأنها تمكنت من مفاصل النسيج الفلسطيني ومُكِّنتْ في أحيانٍ كثيرة، وبحكم تطور تجربتها فها هي اليوم تسعى للتمكن من المظلة الوطنية الجامعة وبالتالي ضرب استقلالية القرار ، وهنا نتوجه بالتساؤل للفصائل الوطنية المنضوية بمنظمة التحرير الفلسطينية : هل يمتلكون من الجاهزية ما يمكّنهم خوض المعركة الجديدة على القرار الوطني الفلسطيني المستقل، خاصةً بظل التعقيدات المحيطة ؟
إضافة تعليق جديد