الجزيرة للدراسات : من منصات التواصل الاجتماعي إلى الشاشات وما يصاحبها من تحديات تحريرية

من منصات التواصل الاجتماعي إلى الشاشة: التحديات التحريرية لبرامج المنصات الرقمية
تحليل ورؤية
الخميس, يوليو 15, 2021 - 16

في ورقة تحليلية  كان أصدرها مركز الجزيرة للدراسات كتبها عبد اللطيف حيدر، الباحث في قضايا الاتصال، حيث ترصد الورقة زحف البرامج التفاعلية نحو شاشة التليفزيون يومًا بعد الآخر؛ إذ باتت أغلب الشبكات الإعلامية تخصص برامج لمناقشة محتوى منصات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الاعتماد على هذه المنصات في التزود بالأخبار والصور، وهو ما عزز من أهمية محتوى هذه البرامج. وتركز الورقة على دراسة حالة برنامج "هاشتاج"، الذي يُبث عبر قناة الجزيرة مباشر، باعتباره أول برنامج تفاعلي في شاشة تليفزيونية عربية.

وأصبح  العالم الرقمي وتعدد منصات التواصل الاجتماعي ميدان صحافة اللحظة وآنية الخبر والتعليق والتفاعل مع الأحداث في ذات الوقت، وهو الأمر الذي قلب هرم العملية الاتصالية رأسًا على عقب وبات الاتصال تفاعليًّا وتشاركيًّا من الجميع إلى الجميع. وبهذا التطور اللافت نتيجة الثورة الرقمية لجأت وسائل الاتصال التقليدية إلى استيعاب الفاعل الرقمي الجديد، والاستفادة من الإمكانات التواصلية التي أحدثها، لتعزيز انتشارها وتأثيرها على الجمهور بكل فئاته وفي مختلف جوانب اهتماماته. من هنا، لجأت هذه الوسائل إلى الانخراط في العالم الرقمي بكل وسائله المختلفة وباتت جزءًا أصيلًا منه، بل أصبحت هذه المنصات جزءًا رئيسيًّا من المحتوى الخبري للوسائل التقليدية وعلى رأسها التليفزيون، كما أصبحت تخصص برامج لهذا المحتوى القادم من الفضاء التواصلي العام الذي يصنع فيه المواطن العادي، وكذلك المثقف والمدوِّن والناشط، الحدثَ، ويقوم بتوثيقه والتعليق عليه والتفاعل معه على نطاق واسع. وهذا بدروه أنتج ما بات يُعرف بـ"صحافة المواطن".

وبين الكمِّ الهائل من المعلومات والمواد التي تنتجها منصات التواصل الاجتماعي على كثرتها وسعة انتشارها، وسهولة انتقالها إلى الشاشة التليفزيونية على شكل برنامج يختص بالمواد والقصص والأخبار المتفاعلة على هذه المنصات، أصبح التحقق من سلامة المحتوى ومصداقيته وكذلك أهميته محلَّ تساؤل كبير وتحديًا مهنيًّا في ذات الوقت؛ إذ بالإمكان أن يتسرب الكثير من الأخبار المغلوطة والزائفة بحجة السبق الصحفي والتفاعل الآني مع الأحداث. بالإضافة إلى نوعية الموضوعات المختارة وطريقة تناولها والتعامل المهني والموضوعي معها، كل هذا بات أمرًا جديرًا بالتوقف والمراجعة والتدقيق. إن الطبيعة التفاعلية والآنية واللغة المتحررة من كثير من القيود المهنية التي يتسم بها المحتوى الذي تنتجه المنصات التفاعلية تفرض بطبيعة الحال لغة مخصوصة للتعامل مع هذا المحتوى؛ إذ لا توائمه اللغة التحريرية الجامدة التي تمتاز بها اللغة الخبرية. بل تحتاج هذه البرامج إلى نمط أو مستوى خاص من اللغة الحية والمتفاعلة والمبسطة بأسلوب يتسق مع قالب هذه المنصات، وكذلك المستخدم الذي يتابع المحتوى التواصلي على شاشة التليفزيون، وبالتالي فإن اللغة التحريرية مسألة مهمة في فضاء برامج التواصل الاجتماعي. إضافة إلى ذلك، فإن هذه البرامج من المفترض أن تمنح مساحة أوسع للتفاعل والمشاركة والنقاش بدلًا عن الرتابة الخبرية للأسلوب التقريري.

ومن الملاحظ زحف البرامج التفاعلية نحو شاشة التليفزيون يومًا بعد الآخر؛ إذ باتت أغلب شاشات التلفزة والشبكات الإعلامية العالمية تخصص برامج تهتم بمناقشة محتوى هذه المنصات، إضافة إلى الاعتماد على المنصات الرقمية في التزود بالأخبار والصور، وهذا بدوره عزز من أهمية محتوى هذه البرامج وبالتالي شجَّع على دراسة هذا النوع من البرامج. وهنا، فإن هذا الفاعل الجديد في الشاشة التليفزيونية دفعنا في هذه الورقة إلى السعي لمعرفة آلية تعامل غرف الأخبار مع هذا الوافد الرقمي إلى المسرح التليفزيوني، وكذلك التعرف على طرق وآليات إعداد القصة التفاعلية، والسمات الرئيسية التي تختص بها البرامج التفاعلية. إضافة إلى التعرف على أبرز التحديات التي يواجهها صحفيو هذه البرامج، وطرق التغلب عليها، وذلك من خلال دراسة حالة برنامج "هاشتاج"، الذي يبث عبر قناة الجزيرة مباشر، باعتباره أول برنامج تفاعلي في شاشة تليفزيونية عربية.

1. هوية برنامج "هاشتاج"
برنامج "هاشتاج" (Hashtag) هو برنامج تليفزيوني يومي على قناة "الجزيرة مباشر"، انطلق في يونيو/حزيران 2014 كأول برنامج تليفزيوني تفاعلي عربي يختص بتناول أبرز وأحدث ما يدور في منصات التواصل الاجتماعي. ويتركز اهتمام البرنامج على رصد أبرز الأحداث والموضوعات والوسوم والمنشورات ومقاطع الفيديو والصور الأكثر والأحدث تداولًا على هذه المنصات. كما يفتح الباب لاستضافة الشخصيات المثيرة للجدل، ويسعى البرنامج إلى إثارة قضايا تحدث زخمًا ونقاشًا ساخنًا على مواقع التواصل. وكان البرنامج في بدايته عبارة عن حلقة يومية في منتصف الليل لمدة 25 دقيقة. وباعتبار البرنامج جزءًا من شاشة تليفزيون الواقع الذي تمثِّله قناة "الجزيرة مباشر"، انطلقت خدمة "هاشتاج الآن" (Hashtag Now)، في أغسطس/آب 2017، وهي خدمة تقدم للمشاهد العربي التغريدات والوسوم والمنشورات ومقاطع الفيديو والصور الأكثر والأحدث تداولًا في شكل موجز إخباري مباشر، لأول مرة على شاشة عربية، وهو ما يكمل رسالة الجزيرة مباشر التي تهتم ببث أحدث ما يهم المشاهد فور وقوعه، وفي قالب بصري أعطى حيوية وتميزًا للشاشة. ويبث البرنامج ثلاثة مواجِز صباحية بشكل يومي في الساعة الواحدة والثالثة والخامسة، ويتراوح زمن الموجز بين 5-7 دقائق.

2. عملية انتقاء الأخبار من المنصات الرقمية
في هذا الجزء نحاول الإجابة عن سؤال: كيف يرصد الصحفي الأخبار من المنصات الرقمية؟ بداية، لابد للصحفي بصورة عامة أن يُلمَّ بشكلٍ كافٍ بمختلف المنصات الرقمية، وأن يكون على دراية شافية بطبيعة هذه المنصات وكيفية التعامل معها كضرورة مهنية. وهي أكثر أهمية بالنسبة للصحفيين في هذا النوع من البرامج؛ إذ يتطلب الأمر من الصحفي الإحاطة المستمرة بكل جديد ومتفاعل على هذه المنصات والقيام برصد أبرز القصص المثارة والموضوعات المتفاعلة باعتبارها المزوِّد الرئيس لبرنامجه، بل لابد أن يملك الحاسة الصحفية في التقاط القصص اللافتة وإن لم تحظ بتفاعل واسع؛ إذ إن إحدى مهمات برنامجه تسليط الضوء على مثل هذه الموضوعات وصناعة التفاعل حولها. فكثير من القصص المهمة لا تجد صدى واسعًا إلا بعد أن يتم إبرازها وحشد التفاعل معها بما يتناسب مع أهميتها، وهذه الموضوعات قد تكون صورة مؤثرة لطفل في مخيمات اللجوء في ظل موجة الثلوج لتعكس حجم المعاناة التي يعيشها الأطفال في المخيمات أو النازحون بشكل عام، أو قد تكون تغريدة تكشف انتهاكًا حقوقيًّا معينًا أو تتضمن تصريحًا مهمًّا لشخصية معينة، أو قد تكون مقطعًا مصورًا يكشف حادثة تحرش بطفل كما حصل مع المتحرش بطفلة المعادي في مصر، والتي أشعلت تفاعلًا واسعًا، أو قد يكون مقطعًا مسرَّبًا من مستشفى للحظة انقطاع الأكسجين عن مرضى كورونا وموت عدد من المرضى كما حصل في أحد المستشفيات في مصر أيضًا، وغير ذلك من القصص التي تستدعي حاسة رفيعة من الرصد والمتابعة المتواصلة في هذه المنصات المتعددة.

لقد أصبحت مختلف منصات التواصل الاجتماعي اليوم مصدرًا مهمًّا للأخبار بدءًا بفيسبوك وحتى تطبيق "كلوب هاوس"، وهو أحدث ما وصلت إليه الثورة الرقمية على صعيد التواصل الاجتماعي، وبالتالي فإن الحاجة لتقصي الأخبار من هذه المنصات صارت أمرًا ملحًّا. وبالاستناد إلى ما سبق، فإن على الصحفي أن يكون على دراية بحسابات أبرز النجوم والمشاهير والشخصيات المعروفة من زعماء ومسؤولين وصحفيين وناشطين وحقوقيين على الأقل في محيطه التواصلي، والمجال الذي يعمل فيه، إضافة إلى حسابات المنظمات الدولية، مثل: منظمات الأمم المتحدة، والحسابات الرسمية للمؤسسات العالمية، وكذا حسابات الدول والحكومات والشخصيات الرسمية باعتبارها مصادر أساسية في عملية متابعة وانتقاء الأخبار والتصريحات والمواقف. وقد تكون أكثر المنصات التفاعلية التي تعتمد عليها بعض البرامج التليفزيونية هي فيسبوك وتويتر، باعتبار فيسبوك يحظى بجماهيرية تفاعلية هائلة بينما يغلب على منصة تويتر الطابع الجاد والرسمي، ويدور في هاتين المنصتين الكثير من الجدل والنقاش السياسي والحقوقي وغيرهما. بل أصبحت ساحة محتدمة للصراع السياسي وتنفيذ الحملات الإلكترونية فيما يمكن تسميته بـ"حرب الوسوم".

هناك اختلافات جذرية وفوارق بين برامج المنصات الرقمية على التليفزيون؛ إذ يقوم بعضها على التقاط الموضوعات المتفاعلة وإثارة النقاش حولها باستضافة بعض أطراف القصة الخبرية، فيما قد يعتمد بعضها على تعليقات الجمهور على القصة وتقديمها بأسلوب سردي للواقعة وتطوراتها ومنها مثلًا برنامج "تريندينغ" على قناة "بي بي سي" عربي. بينما هناك برامج أخرى تقوم بشكل أساسي على فكرة المتابعة الآنية لمحتوى المنصات وطبيعة تفاعل روادها مع هذا المحتوى ومنها برنامج "هاشتاج" الذي يمثِّل الحالة الدراسية للورقة.

وهنا، وفي إطار بحث الصحفي المتواصل على القصص، وكذا رصد تفاعل المدونين عليها، يجب أن نبحث أولًا عن تفاعل من تهمهم القصة بشكل وثيق؛ فمثلًا حادثة حرق لاجئين إثيوبيين في اليمن من قبل جماعة الحوثي(1)، أو أي حادثة أخرى تتعلق بالشأن اليمني، تقتضي البحث عن أبرز ردود الفعل في اليمن باعتبارهم المعني الأول بالحدث، ومن ثم البحث في ردود فعل عامة. وهذا يتطلب إلمامًا -كما ذكرنا سابقًا- بأبرز الناشطين والمدونين في الشأن اليمني، أو أي بلد آخر؛ وذلك لإثراء القصة وإبراز جوانبها المختلفة. وهنا، فإننا بحاجة إلى رصد بعض التفاعلات من خلال الشخصيات المعروفة، أو من خلال استخدام الوسوم المتداولة حول القصة، وكذا بعض الكلمات المفتاحية للحدث، وهكذا. ومن الجيد أن ننتقي تفاعلات لشخصيات معروفة ونخب ورموز، لكن في نفس الوقت ينبغي عدم إغفال أهمية تعليقات الجمهور فهي جزء أصيل من هذا التفاعل، وعلى القصة أن تعكس مختلف وجهات النظر ولا تجعلها حكرًا لفئة معينة في ظل مساحة تفاعلية بالأساس.  

3. التحقق من الأخبار والمواد الخبرية
لا شك أن التحقق من المواد والأخبار في منصات التواصل يشكِّل تحديًّا صعبًا؛ وذلك لأمرين: أولهما الحاجة لمواكبة جديد ما يتداول عبر هذه المنصات، وبالتالي إيجاد نوع من السبق الصحفي وآنية المتابعة، والأمر الآخر وهو الأهم ويتعلق بالتأكد من محتوى هذه المواد، وهي مهمة ليست بالسهلة. ومع الحرص الشديد على متابعة أبرز ما يدور في هذه المنصات المختلفة ومواكبة التفاعل لحظة بلحظة، إلا أن مسألة التحقق من مصداقيتها تعتبر أمرًا جوهريًّا. وهنا، نلجأ إلى طرق عديدة للتأكد من موثوقية المواد والأخبار قبل نشرها، ومن ذلك متابعة أبرز الناشطين والحسابات الموثقة للمهتمين بالأمر والجهات الرسمية أيضًا، إلى جانب الحرص على أخذ المعلومات من الحسابات الموثقة والمعروفة ونسبة المصادر إلى الجهات المعنية بها. إضافة إلى العودة إلى وكالات الأنباء والقنوات الإخبارية الموثوقة في حال تناولت الموضوع، وكذلك شبكة العلاقات الشخصية للصحفي والتي تمكِّنه من التواصل مع أشخاص ذوي إطلاع على القصة للتأكد من مصداقية هذه المعلومات أو الصور وغيرها.

لقد أصبحت أغلب القنوات التليفزيونية حاليًّا تملك وحدة خاصة بالتحقق من المحتوى قبل نشره، خصوصًا تلك المواد التي ترد من منصات التواصل الاجتماعي، ففي "الجزيرة مباشر" مثلًا هناك فريق خاص معني بالتحقق من الأخبار ومصادرها، لذا فالصحفي يقوم بالتأكد بالطرق الأولية، أما الموضوعات والصور التي تحتاج إلى تحقُّق أوسع فيتم تحويلها إلى وحدة التحقق ليتم التأكد منها بتقنيات خاصة بالوحدة.

وتشير الصحفية الاستقصائية بشبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، براندي زادروزني (Brandy Zadronzy)(2) إلى ما ذكره الباحث بشأن وسائل التحقق من محتوى المواد على المنصات الرقمية؛ فتركز على الاهتمام باسم المستخدم باعتباره نقطة البداية في التحقق، وهو مدخل جوهري بطبيعة الحال؛ حيث نجد لدى بعض الشخصيات المعروفة والمشاهير حسابات تحمل أسماءهم وإن لم تكن تابعة لهم، وبالتالي يجب التأكد من أن الحسابات موثقة وتعود ملكيتها لأصحابها الفعليين. وتضيف خاصية الصورة باعتبارها مفتاحًا للتأكد من حقيقة الشخصية في حال كانت الحسابات غير معروفة، وبالتالي يمكن التأكد من أصحاب الحسابات من خلال البحث عبر استخدام الصورة وفق تقنيات معينة مثلما نجد في محرك البحث غوغل (Google Chrome extension)، وذلك بالنقر على الصورة لتظهر الصور التي تشابهها. بالإضافة إلى العلاقات الشخصية التي يتمتع بها الصحفي، كما ذكرنا سابقًا. ويجدر الانتباه إلى التحري عن ملكية الحسابات؛ إذ في مناسبات كثيرة تقوم حسابات عادة بنسخ تغريدات لشخصيات معروفة أو تقتبس نصوصًا من تغريدات شخصيات أخرى وبالتالي يجب التحري في رصد التغريدات عبر حسابات دقيقة وموثقة؛ لأن ذلك يقلِّل من مصداقية ودقة البرنامج أمام جمهوره. كما تجدر الإشارة إلى أمر آخر يتعلق بالوسوم؛ ففي مناسبة معينة قد يجري تداول عدة هاشتاغات للتعليق على الموضوع وليس بالضرورة أن تكون هذه الوسوم مرتبطة بشكل مباشر بالحدث بل قد تكون لها ارتباطات بموضوعات أخرى، ومن ذلك على سبيل المثال ما حدث في فعالية يوم الأسير الفلسطيني؛ إذ كان وسم "#أسد_فلسطين" ضمن الوسوم المتفاعلة وغلب الظن أن هذه الوسم توصيف للأسرى واحتفاء بهم، لكن اتضح لاحقًا أن هذا الوسم يتعلق بذكرى أخرى وهي ذكرى اغتيال عبد العزيز الرنتيسي، بينما يتسق الوسم موضوعيًّا مع فعالية يوم الأسير، لذا يجدر بالمحرر التأكد والتدقيق في الهاشتاغات المتفاعلة مع الحدث.

وتشير أستاذة الاتصال والإعلام في كلية ميريماك الأميركية، ميليسيا زيمدارس (Melissa Zimdars)(3)، إلى قضايا مهمة في مسألة التحقق السريع من مصداقية المحتوى في المنصات الاجتماعية، ومنها ضرورة التحقق من تاريخ نشر القصة أو الصورة أو الفيديو المتداول؛ ذلك أن منصات التواصل يكثر فيها إعادة التداول وقد يكون المحتوى صحيحًا ودقيقًا ولكنه قديم. وهنا، في حالة الصور والفيديوهات فإن مسألة تاريخ نشرها وتداولها وصحتها أمر مهم؛ حيث إن بعض الصور أو الفيديوهات قد يجري التلاعب بمحتواها أو تحويره. ويتم التحقق من ذلك بالعودة إلى محرك البحث، غوغل، للتأكد من تاريخ نشر القصة ومدى تطابق الصورة مع صور أخرى إن كانت نُشرت سابقًا أو تداولتها وسائل إعلامية أخرى موثوقة.

4. بناء القصة التفاعلية للتليفزيون
في هذا الجزء نعالج طرق بناء القصة التفاعلية للتليفزيون، وهو الأمر الذي يتوقف عليه نجاح القصة أو إخفاقها.. لذا، فإن الشكل الذي تبدو عليه القصة التفاعلية عامل رئيسي من عوامل تميزها وجذب التفاعل معها. ولبناء قصة تفاعلية للتليفزيون يجب اتباع بعض الإرشادات المهمة لإنتاج محتوى تفاعلي لافت، ومنها:

1. المتابعة الجيدة والاطلاع الدائم على محتوى منصات التواصل الاجتماعي، وذلك لالتقاط أفكار وموضوعات تفاعلية لافتة للعمل عليها، وليست هذه المنصات المسرح الوحيد للحصول على الأفكار والموضوعات، بل أحيانًا قد نجد الأخبار في أية وسيلة أخرى، سواء من وكالات الأنباء أو التليفزيون، أو غيرها، ثم نقوم بالبحث عن تفاعل الجمهور معها على هذه المنصات، ثم رصد هذا التفاعل لإنتاج قصة خاصة بنا.

2. بعد الحصول على فكرة تُوائم الخط التحريري للقناة التليفزيونية يتوجب علينا الاطلاع بصورة أوسع على تفاصيل القصة والتطورات الخبرية المتعلقة بها، وكذا ردود الفعل التي أثارتها هذه القصة، وهنا ينبغي الإلمام بمختلف جوانب الموضوع.

3. حين تتوافر لدينا إحاطة كافية بحيثيات الموضوع سيكون علينا أولًا التفكير بالشكل الأنسب لبناء القصة بصورة تجعلها متفردة ولافتة، كما سنفكر بالمواد المرئية التي ستقوم عليها القصة، سواء كانت صورًا متداولة، أو مقاطع فيديو، أو غيرها.

4. قد يكون مدخل إنتاج قصة تفاعلية للتليفزيون مقطع فيديو متداولًا، أو صورة حظيت بتفاعل واسع، أو خبرًا، أو قد يكون تدوينة، أو تغريدة لشخصية معروفة تتضمن تصريحًا أو تعليقًا بشأن قضية جدلية، كما قد يكون وسمًا متفاعلًا على المنصات الاجتماعية ونحو ذلك. وهنا تكون عناصر كهذه المدخل الرئيس لإنتاج قصة تفاعلية.  

5. بعد التقاط الفكرة والإحاطة الشافية بمختلف جوانبها ورصد مدى التفاعل معها بين المدونين، نتجه إلى إعداد القصة من حيث تجهيز المادة المرئية أو العنصر الرئيس الذي تقوم عليه القصة، ثم تحرير المقدمة الخبرية للقصة، ومن ثم نقوم برصد جانب من التفاعل مع الموضوع بحيث تكون ردود الفعل متضمنة لمختلف وجهات النظر وتعطي صورة واضحة للمشاهد عمَّا يريد معرفته حول هذه القصة المتفاعلة.

الشكل رقم (1) يبرز نموذج بناء قصة تفاعلية

5. لغة البرامج التفاعلية
تمثِّل اللغة في البرامج التفاعلية تحديًا حقيقيًّا ورئيسيًّا ينعكس بشكل مباشر على جودة وحيوية بل ونجاح البرنامج أو انحساره، ونقصد باللغة هنا لغة الصياغة التحريرية للقصة التفاعلية، بين الصياغة الخبرية التقليدية والأسلوب المتحرر من القوالب الجامدة. وبما أن اللغة جزء أصيل من هوية هذه البرامج، فإن الإشكالية اللغوية عنصر حاسم في تطور وتميُّز هذا النمط من البرامج. وتعد إشكالية اللغة تجليًا لمأزق هوية هذه البرامج: هل هي برامج منصات تواصل اجتماعي أم برامج تليفزيونية إخبارية؟ وهل عليها أن تستند إلى الأسلوب الخبري أم تحتاج إلى كسر القواعد التحريرية الخبرية وإثبات هويتها بصياغة تحريرية جديدة تتناسب مع المرونة والآنية والتفاعلية التي تتسم بها المنصات الاجتماعية؟

وفي خضم هذا النوع من الجدل هناك رؤى تتجه إلى المزج بين الأسلوبين، باعتبارها برامج تواصلية في قنوات إخبارية، وهذا يقتضي أن تخضع تحريريًّا إلى قواعد محددة وإن لم تكن تقريرية صارمة، بينما هناك رؤى أخرى ترى أن هذه البرامج تحتاج إلى التملص من السياقات التحريرية الخبرية، وابتكار نماذج خاصة تتناسب مع المزاج التواصلي الذي يتسم به مستخدمو هذه المنصات وروادها. وهنا، يمكن القول: إن الغايات التي قامت عليها هذه البرامج هي التي تفرض أحيانًا شكل ولغة البرنامج إلى حدٍّ كبير. فعلى سبيل المثال برنامج "هاشتاج"، في قناة الجزيرة مباشر، يقوم على فلسفة تحويل آنية التفاعل الرقمي إلى خبر الساعة على الشاشة، ومواكبة التفاعل بصورة مستمرة دون انقطاع، وإبقاء الجمهور على اطلاع حثيث على أبرز ما يُدار على منصات التواصل الاجتماعي، وهذا التوجه قائم على فكرة الآنية والمباشرة التي تقوم عليها قناة الجزيرة مباشر.

ويختلف الأمر عند مقاربة -على سبيل المثال لا الحصر- تجربة برنامج "نشرتكم"، في قناة "الجزيرة"، باعتباره حلقة واحدة يومية تستعرض أبرز القصص المثارة على منصات التواصل الاجتماعي، بينما نجد في قناة "الجزيرة المباشر" ثلاثة مواجز مختلفة طوال اليوم. كما يختلف الأمر أيضًا بالنسبة لبرنامج "تريندينغ" على شاشة "بي بي سي" بالمقارنة مع برنامج "هاشتاج" من حيث الفكرة وأسلوب التناول وكذلك اللغة المستخدمة فيه، وإن كانت جميعها برامج تستقي أخبارها من منصات التواصل الاجتماعي.

وبناءً على ما سبق، يمكن القول: إن هناك تعددًا في الرؤى وتنوعًا في التجارب فيما يتعلق بضبط اللغة التحريرية للبرنامج، إذ إن هناك برامج تتجه إلى اعتماد صياغة سردية قصصية لتناول القصة التفاعلية، ومن ذلك برنامج "ترندينغ" كما أسلفنا؛ حيث يقوم بجمع مختلف جوانب القصة ثم سردها بأسلوب قصصي يشرح طبيعة الحدث وجوانبه المختلفة ثم يستعرض في نهاية الأمر مجموعة من ردود الفعل والتعليقات حول هذا الحدث. بينما يسعى برنامج "هاشتاج"، وإن كان يسيطر عليه الأسلوب التقريري إلى حدٍّ كبير، إلى المزج بين الأسلوب التفاعلي المرن والقالب الخبري في ذات الوقت، وذلك يعود بطبيعة الحال إلى فكرة الآنية والمواكبة الخبرية لمحتوى منصات التواصل.

6. صناعة الترند
باتت الوسوم النقلة الأحدث لصناعة التفاعل حول القضايا والموضوعات على المنصات الرقمية. وبالتالي، فإن التركيز على استخدام هذه الوسوم يحوِّل القضايا والموضوعات المثارة إلى حدث ضخم ومهم ومؤثر يتطلب التفاعل معه. وهنا، أصبحت الحملات الإلكترونية عبارة عن تظاهرات رقمية هائلة تعكس وجهة نظر الجماهير حول قضية معينة مساندة أو رافضة أو مطالبة بإصلاحات معينة أو غيرها.

لذلك، تمثِّل الوسوم أمرًا جوهريًّا بالنسبة لبرامج منصات التواصل الاجتماعي، سواء من خلال استخدامها لاستعراض طبيعة التفاعل حول النقاشات النشطة على المنصات الرقمية، أو أن تقوم هذه البرامج ذاتها بإثارة الموضوعات وإنتاج هاشتاغات تبلور هذا التفاعل وتجعله ينصبُّ في سياق موحد حول القضايا المثارة. ومن ثم، فإن الوسوم عنصر أساسي في هذه البرامج، كما أن استخدامها مهم أحيانًا في إبراز قضية معينة أو حدث ما، بل يفترض أن تقوم هذه البرامج بأخذ زمام المبادرة في حشد التفاعل نحو القضايا الجديرة بالاهتمام، ولا تكتفي بأن تكون مساحة لعبور القضايا دون أن يكون لها دور في صناعة التفاعل وتوجيهه في خدمة الإنسان أينما كان وحيثما وُجد.

ويجب ألا يتوقف الأمر عند استعراض التفاعل على هذه المنصات فحسب، بل ينبغي أن يتعداه إلى مدى أوسع. وهذا يأتي من خلال استعراض الوسوم المتفاعلة والمتكررة، ومن ثم التوقف عند هذه القضايا التي تجسدت على شكل وسوم، والبحث في تفاصيلها وتحليل أبعادها واستعراض مختلف وجهات النظر حولها. فالقضايا المتفاعلة هي بمنزلة عاجل في نشرة إخبارية، لذلك يتطلب هذا الخبر تحليلًا أعمق يسلِّط الضوء على حيثيات هذه القضية. وهذا هو ميدان هذه البرامج التي يُفترض أن تتقصى ما وراء الوسوم المتداولة وتمنحها فضاء تحليليًّا أوسع.

7. المساحة التفاعلية
البرامج التفاعلية هي عبارة عن ميدان مفتوح ومساحة للتفاعل مع المحيط الجمعي وتواصل من الجميع إلى الجميع، كما ذكرنا آنفًا. وهنا يجدر بهذه البرامج أن تمنح محتوى المنصات والفاعلين بها المساحة الأوسع من خلال الاستضافات للشخصيات الفاعلة والمؤثرة على هذه المنصات، لذلك تعتبر المقابلات عنصرًا رئيسيًّا في هذه البرامج ولا تكتفي باستعراض التفاعل وحسب.

والسؤال هنا: ما المدخل لهذه المقابلات؟ بطبيعة الحال الأحداث والشخصيات تفرض ذاتها على منصات التواصل، فالشخصيات المثيرة للجدل والنقاش على هذه المنصات سرعان ما تتسابق الفضائيات على إجراء مقابلات معها وتسليط الضوء على القضية التي تقف خلفها هذه الشخصية. وقد يكون الحدث مثلًا انتشار مقطع لشخصية معينة لاقى تفاعلًا هائلًا بين المدونين، أو كان موقفًا لشخصية ما حول قضية معينة أثارت الجدل والتفاعل، أو قد تكون قضية معينة ويتطلب الأمر استضافة شخصية للتعليق على الموضوع وتوضيحه للجمهور، لذلك فالمداخل كثيرة جدًّا لفتح مساحة واسعة للنقاش والتفاعل.. وقد تكون صورة، أو تغريدة، أو مقطعًا مصورًا، أو أية حادثة عارضة حظيت بالاهتمام على المنصات الرقمية. وعلى سبيل المثال، بعد انتشار تطبيق "كلوب هاوس"، استغرب مدوِّنون من صورة الشخص الذي بات أيقونة لأحد أشهر وأحدث ما قدمه الإعلام الرقمي؛ فقام برنامج "هاشتاج" باستضافة صاحب الصورة وهو الموسيقي الأميركي الشاب، أكسيل منصور (Axel Mansoor)، وأجرى لقاء معه للاطلاع على تفاصيل القصة بشأن اختيار صورته أيقونة لهذا التطبيق الشهير.

8. المنصات المتفاعلة
من الواضح أن جميع المنصات أصبحت مصدرًا أساسيًّا لصناعة التفاعل، وكل منصة لها جمهورها وتتسم بسمات خاصة تميزها عن غيرها، إلا أن هناك بعض المنصات التي تطغى على صناعة التفاعل وإثارة النقاش الجاد، خصوصًا التي تميل إلى القالب الخبري أكثر من الجانب الترفيهي. ولذا، فإن منصات مثل تويتر وفيسبوك تتصدر قائمة المنصات التي يدار فيها النقاش حول مختلف القضايا السياسية والاجتماعية وغيرها، بما تتمتع به من إمكانات خاصة باعتبارها منتديات تفاعلية ذات جماهيرية واسعة.

وبلغة الأرقام، تشير دراسة بحثية(4) أجرتها جامعة "نورث ويسترن" في قطر، 2019، حول استخدام منصات التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية، وأظهرت النتائج أن 90% من المجتمع المصري يستخدم تطبيق فيسبوك، بينما 30% من المجتمع القطري فقط يستخدم فيسبوك. في حين يستخدم 60% من المجتمع السعودي منصة تويتر. وأشارت النتائج إلى أن عدد مستخدمي فيسبوك في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بلغ 187 مليون مستخدم وذلك حتى العام 2019؛ إذ إن الأرقام في ازدياد أكثر.

جدول يظهر استخدام منصات التواصل الاجتماعي في بعض الدول العربية خلال العام 2019

وأظهرت دراسة أخرى(5)، أُجريت في 2019، أن 9 من 10 من الشباب العربي يستخدم منصات التواصل الاجتماعي بصورة يومية، وأن منصة فيسبوك تُعد الأكثر استخدامًا في المنطقة العربية. كما أشارت الدراسة إلى أن مصر تمثِّل السوق الأكبر لمنصة فيسبوك في المنطقة العربية، كما جاءت السعودية وتركيا أكثر استخدامًا لمنصة تويتر في الشرق الأوسط بالمرتبة الخامسة والسادسة على التوالي. ووفقًا للدراسة، فإن 72% من مستخدمي تويتر في السعودية والإمارات و62% في مصر يعتبرون منصة تويتر أحد أبرز المصادر الرئيسية للحصول على الأخبار. وأوضحت النتائج أن تركيا جاءت في المرتبة السادسة عالميًّا في استخدام منصة إنستغرام، بينما جاءت السعودية في المرتبة الخامسة في استخدام سناب شات. وهنا، فإن معرفة المنصات المتفاعلة وطبيعة جمهورها عناصر محورية في عمل هذه المنصات، باعتبارها فضاء للحصول على التفاعل وبالتالي سهولة الوصول لهذا الجمهور.

9. من التليفزيون إلى المنصات
لا يتوقف الأمر عند رصد التفاعل على منصات التواصل وإثارة النقاش وصناعة الترند وغيرها من مهام البرامج التفاعلية، بل ينسحب الأمر إلى مسألة نشر حلقات البرنامج على مختلف منصات التواصل الاجتماعي وبدرجة أساسية على المنصات الأكثر تفاعلية، والتي يتركز اهتمام البرنامج التفاعلي عليها. وعند النشر يراعى الإبداع في كتابة العناوين بحيث تبدو مركزة وقصيرة ولافتة وتثير التفاعل بدروها هي الأخرى. فمن خلال النشر على هذه المنصات تتسع دائرة شهرة البرنامج ومعها ترتفع نسبة ثقة الجمهور بالبرنامج؛ الأمر الذي يتيح له الوصول إلى نطاق عريض من الجمهور.

من المفترض بطبيعة الحال أن تكون هناك حسابات خاصة بالبرنامج عبر مختلف منصات التواصل، على الأقل المنصات التي يتمحور اهتمام البرنامج حولها، ومن خلالها يجري تسويق البرنامج على هذه المنصات وربط علاقة متينة بين الجمهور والبرنامج، والتركيز على ردود فعل الجمهور على أداء البرنامج والاستفادة من ردود الفعل والمقترحات التي يبديها المتفاعلون. وهنا، يمكن القول: إن نسبة نجاح أي برنامج تفاعلي هو جماهيريته وارتباطه الوثيق بجمهوره على مختلف المنصات ومدى التفاعل معه ومع الموضوعات والقضايا التي يتناولها. وبالمقابل، فإن أي برنامج تفاعلي ينكفئ على ذاته وينحصر على الشاشة دون الانخراط الواسع على المنصات قد يختفي ويتلاشى بفعل الزمن.

خاتمة
بالرغم من تعدد برامج منصات التواصل الاجتماعي وزحفها نحو الشاشات على نطاق واسع، إلا أن هناك تحديات حقيقة فعلية لا تزال تواجه نجاح هذه النوعية من البرنامج؛ إذ يتصدر بناء القصة التفاعلية والتحقق من المحتوى أبرز هذه التحديات التحريرية. وهنا، فكلما تمكن الفريق من استيعاب هذه التحديات، واستطاع التغلب عليها، كان بإمكانه أن يقدم محتوى متميزًا، يستقطب الكثير من التفاعل ويقدم القصة التفاعلية بصورة مبدعة وخلاقة. إضافة إلى التطوير الدائم والحرص على تجديد قوالب هذه البرامج من مختلف الجوانب التحريرية وحتى الشكلية فجميعها يسهم في رفع فاعلية هذه البرامج بما يؤهلها لأن تستحوذ على اهتمام أكبر قدر من جمهور المنصات الاجتماعية على شاشة التليفزيون، وتصبح رافدًا نوعيًّا للشاشات التليفزيونية واتساع قاعدتها الجماهيرية. 


Deprecated: Directive 'allow_url_include' is deprecated in Unknown on line 0