الَرَاحِمُونْ المَرحُومُونَ

مقالات عامة
الكاتب: 

الدكتور جمال أبو نحل

كاتب، باحث، مفكر ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسطين، والعرب
الجمعة, فبراير 5, 2021 - 05

الحَث على التراحم، والرحمة بين الناس، والرفق بهم، وصلة الأرحام، والتراحم صفة، وفضيلة عظيمة، وأمرٌ جميلٌ مَطَلُوب، ومَحمُودْ؛؛ ولذلك فإن المُجرِمُون من الرحمَة بَعِيدوُن، وإنهم منها لمَحرُمون، ومُبَعدُون؛؛ وإن الُرحماء مَرحومين غير محرُومين؛؛ جاء في الحديث الصحيح عن النبي صل الله عليه وسلم أنهُ قال: "الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمَان، ارحموا من في الأرضِ يَرحَمُكم من في السماء، الرحم شُجْنةٌ من الرَّحمان فمن، وصلها وصلهُ الله، ومن قطعها قطعهُ الله"؛ ومن رزُق طيبة القلب، والرحمة بالعباد فقد رزق خيراً كثيراً؛ ومن أعطي حظهُ من الرفق فقد أعطي حظهُ من خير الدنيا والآخرة، و "إن الله رفيق يحُب الرفق ، ويعطي على الرفق، ما لا يعطي على العنف، وما لا يعُطي على سواه". إن مجالات الرحمة واسعة جداً ومن صورها، الرحمة بالعُصاة، والمذنبين، فلا يوجد منا ملائكة، وجُلنا أصحاب معاصي، وذنوب؛؛ ويتوب الله على من يتوب، وعلينا التراحم، والتلاحم، والرحمة بالفقراء، والمساكين والضعُفاء، والأيتام، والأرامل، والرحمة بالوالدين، وخفض الجناح لهما، وبرهما، والرحمة، والاحترام المتبادل بين الجميع، والتواضع للصغير، والكبير، والمودة والرحمة، والتراحم بين الأزواج، والأهل، والجيران، والأقارب، وبين الناس جمعيًا؛ لأننا كُلنا أخوة في الإنسانية، "كُلكم لأدم، وأدم من تُراب"، والعبرة بالتقوي بين الناس، وليس بالفخر والتباهي بالحسب أو النسب!؛ وعلينا الرحمة كذلك الحيوان، ومن صور الرحمة ما جاء عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال: "في حديث الأقرع بن حابس الذي قال للنبي: والله يا رسول الله لي عشرة من الولد ما قَبلتُ أحداً منهُم"، فقال له النبي: "من لا يرحم لا يرحم"، وحينما قال رجل:" والله لا يغفر الله لفلان"، فجاء في الحديث الشريف قول الله عز وجل: " من ذا الذي يتآلَّى عَلَيَّ!؛ فإني غفرت لفلان، وأحبطتُ عَمَلَكَ"؛ فلا يجوز شرعاً أن تقول لأي عاصي أو مُذنب والله لن يدخلك الله الجنة!؛ فهل أنت تعلم الغيب، ثم هل، وضعت نفسك أيها العبد، مقام الربَ سُبحانه وتعالى!؛ وهنا أوقعت نفسك في ذنب كبير عظيم خطير!؛ ويحرم على المسلم تقنيط أي إنسان من رحمة الله عز وجل، وقولوا للناس حُسنا، فما كان الرفق في شيء إلا زانهُ، وما نُزع من شيء إلا شَانَهُ، وجاء في حديث أبو هريرة رضي الله عنه الذي يرويه عن النبي صل الله عليه وسلم يقول:" كان رجلان في بني إسرائيل مُتَواخِيِيْن، فكان أحدهما يُذنب، والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المُجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصِرْ، فوجده يوماً على ذنب فقال له أقصر، فقال خَلَِّنِي وربي، أبُعثت على رقيبٍا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة، فقَبَضَ أَرْوَاحهُما، فاجتمعا عند رب العالمين ، فقال لهذا المجتهد: اكُنت بي عالماً؟ أو كنت على ما في يدي قادرًا؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للأخر " المجتهد" اذهبوا به إلى النار"، قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده، لتكلم بكلمة أوبَقَت دنياهُ وآخرتهُ. والمؤمن ليس بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء، ولقد كان رجل مُسلم على عهد النبي عليه السلام يشرب الخمر، ويُجلد بسبب شربه الخمر، فلعنه بعض الصحابة رضي الله عنه، وقالوا الَّلهُم العَنْهُ ما أكثر ما يؤتى بهِ؟ فقال لهم النبي:" لا تلعنوه، فو الله ما علمت إّلاَ إنه يحب الله ورسوله" وقال:" إني لم أبُعث لعاناً، وإنما بُعثت رحمة"؛ وكلنا سمِع الحديث الصحيح عن قصة البغي من بغايا بني إسرائيل التي سقت في مُوقَهِا كلب كاد يموت من العطش، فغَفر الله لها بهِ، وهي مرأة بغي زانية، ومجاهرة بالزنا، والفجور مُومس"، ورغم ذلك لرحمتها بكلب ورفقها بهِ، غفر الله لها؛ وفي المقابل امرأة مسلمة، عُذبِت بالنار لأنها حبست هِرة حتي ماتت، وكذلك قال رجل للنبي: إن فلانة فَذكر من صلاتها وصدقتِها، وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال: هي في النار، وقيل للنبي فلانة فذكر من قلة صيامها وصلاتها المكتوبة فقط ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال هي في الجنة؛؛ والرحمة من الأخلاق، والمبادئ الأساسية في الإسلام، فَهي طهارة ورقة في القلب، وحساسية الضمير وشعور مُرهف؛ والحقيقة التي لا ريب فيها قوله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: " كتب على نفسهِ الرحمة"، وقولهُ سبحانه: " ورحمتي وسعت كل شيء"؛ وقال سبحانه :" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وقال تعالى: "إن رحمت الله قريب من المحسنين"، وقد خاطب الله جل جلاله سيدنا النبي في محكم التنزيل فقال سبحانهُ:" فبِما رحمة من الله لنت لهم"؛ والرحمة مشتقة من الرحم، لذلك تراحموا، تحابوا، تسامحوا، ولا تتآلوا على الله عز وجل، بقول فلان في الجنة، وفلان في النار، فإن رحمة الله سبق غضبه وعذابه.