يراهن الرئيس الاميركي الحالي انه عبر ممارسة سياسة الركض نحو الهاوية ساحبا معه مستقبل الولايات المتحدة سيحصل على صفقة ما تضمن على الاقل استمراره بالحياة السياسية والعودة للمنافسة على الانتخابات الرئاسية التي ستجري بعد اربع اعوام من الان .
ترمب بات يدرك تماما ان مستقبلا مظلما ينتظره وعائلته فور ان يغادر البيت الابيض ففي المحاكم هناك قضايا تحرش جنسي، احتيال على الضرائب، دفع رشاوي غير قانونية، تعطيل العدالة، ولا ننسى ان تقرير المحقق مولر حول التدخل الروسي في الانتخابات الاميركية لم يعطه صك براءة لكن اعتبر انه لا يمكن محاكمته وهو رئيس بالتالي الملف سيفتح فور مغادرته للحكم.
ورقة القوة الوحيدة بيد ترامب هي ٧٢ مليون صوت حصل عليها في الانتخابات الاخيرة من تحالف هش بين قوى اليمين الشعبوي واليمين الديني والعنصريين الببيض وسكان الارياف وجزء من الطبقة العاملة البيضاء التي انسلخت عن الحزب الديمقراطي الذي بات مركزه وليس يساره يعبر عن مصالح الاستثمارات المالية الكبرى في شارع "وول ستريت".
ترمب يدرك تماما ان تحالفه الهش سيفرط حال خروجه من البيت الابيض فها هم قادة الحزب الجمهوري ينفضون من حوله واحد تلو الاخر مثل حاكم اوهاويو الجمهوري فيما انطلقت معركة اليمين التقليدي معه عبر الحرب التي تشنها عليه الان قناة فوكس نيوز التي يشتمها على "تويتر" ويطالب انصاره بعدم مشاهدتها والتحول الى "نيوزماكس" و"كوان" وهما وسيلتا اعلام لم تكن معروفتين حتى قبل ايام.
وفي الاثناء رفع يديه عن متابعة جائحة كرونا التي باتت خارج السيطرة وارقامها تتصاعد بشكل مخيف.
باختصار ترامب ينتظر هدية من السماء على شكل صفقة يعلن خلالها اعترافه بخسارته مقابل استمراره بالعمل السياسي وهو ما لم يحدث لان زمن المعجزات انتهى واكثر ما سيحصل عليه مستقبلا هي صفقة مع الادعاء العام في العهد الجديد تخفض سجنه مقابل اعترافه بما اقترفه.
بانتظار انفضاض تحالف ترمب وانفصال من تبقى من مؤيديه عنه وهو ما يحدث بتسارع الان يبدو ان الثابت الوحيد في امريكا هو سياسة بيع الاوهام المبنية على المتغيرات في المناخ السياسي الذي يعصف بالولايات المتحدة والذي قاد لانقسام حاد بين الامريكيين.
ترمب الان يهرع باتجاه الهاوية على عدة جبهات جارا مستقبل بلاده معه فعلى الجبهة الخارجية يقوم بقرع طبول الحرب يصاحبها جوقة تقارير وتحاليل اعلامية مرتبطة بتحركات للسفن الامريكية في الخليج العربي موحيا انه سيضرب ايران ومفاعلاتها وهو ما لن يحدث من باب ان ردة الفعل الايرانية مضمونة وجربها سابقا بعد قتل سليماني حين ردت ايران بقصف المعسكرات الاميركية في العراق وربما وليس مستبعدا ان يكون الرد الايراني خارج عن السيطرة ويقود الى حرب اقليمية وفعليا هو اجبن من ان يقوم بذلك الان لكنه يواصل قرع الطبول.
داخليا ترك جائحة كرونا التي لا يعترف بوجودها اصلا تفتك بمواطنيه فيما ينفذ حملة اقالات في وزارة الدفاع الامريكية والوزارات الاخرى وليس مستبعدا ان يطرد قريبا طاقم ادارة جائحة كرونا وهناك حديث عن تغييرات في جهاز ال"سي اي ايه" وطرد المسؤول الاول فيه الى جانب قيامه بطرد مدير جهاز الاشراف على الانتخابات الامريكية.
هدف ترمب من خلط هذه الملفات واستخراج تعقيداتها السياسية هو ارباك الرئيس المنتخب بايدن الذي يدرك ان مضي ترامب بسياسته سيفرض فترة زمنية طويلة لعلاج ملفات سوف تؤثر على مصداقية حكمه وتضعف الحزب الديمقراطي.
الثمن الذي يطلبه ترمب كبير وهي منحه حصانة لقيادة قطيع مؤيديه وتقوية مناخهم العنصري باتجاه تغيير امريكا التاريخية الى امريكا ترامب الجديدة البيضاء بعد اربع اعوام من الان.
ترامب يمضي بمارسة هواية الركض نحو الهاوية وضمن ذلك لا يهمه ان انقلب وتحدى القوانين والاعراف الامريكية او ان فتكت الجائحة بالاف اخرى من مواطنيه وهو يعلم تماما انه سيغادر البيت الابيض ولا مهرب له من ذلك.
ترامب يريد ان يساوم بايدن على عدة ملفات اهمها ضمان عدم ملاحقته وابنته وزوجها كوشنر قانونيا،
كما انه يأمل ان لا يخرج من البيت الابيض من غير ان يفي بوعوده لحلفائه كمنع ايران من التقدم النووي العسكري
ويريد ايضا ان يخرج بهيبته القوية من البيت الابيض ليحفظ ماء وجهه وليرضي مناصريه الذين باتوا مقتنعين بعدالة قضيتهم التي يجب ان تبقيهم اغلبية بنفوذ سياسي وديني مسيطر على مفاصل الدولة الامريكية.
لقد زرع ترامب فيهم صراعا طائفيا عرقيا يحتم عليهم المحافظة على وجودهم كعرق ابيض حاكم .
الاخطر في الموضوع ان ترامب هزم وسيخرج من الحكم لكن مصطلح " الترامبية" والذي يعني تحالف الشعبويين مع اليمين الديني والاميركان منخفضي التعليم او من يطلق عليهم هنا عنصريا لقب " اصحاب الرقاب الحمر" سيبقى موجودا.
تحالف "الترامبية" قد يبقى لفترة طويلة خاصة ان قيادته قد جربت حلاوة الحكم والسرقات والعقود المتاحة عبره وربما سنرى ترامبا جديدا بعد اربع اعوام ان لم يكن من نراه هو ترامب الحالي ان نجح بفرض صفقة مقابل توقفه عن لعبة الركض نحو الهاوية.
إضافة تعليق جديد