في كل كتابة تتجدد المشاعر وتثور الأفكار في قراءة متأنية في محراب الأحاسيس التي يتميز فيها الشاعر عصمت دوسكي وضمير الإنسانية فيما يجسد من صور واقعية، برؤى شاعرية عالمية فيما يكتب ويترجم الإحساس والمشاعر في حين وهنت القواميس وتاهت بين الحروف والذبح للإنسان وأمام الملأ بلا خوف أو وجدان ،أرقى ما خلق الله هو أجمل من السلطان والأمير في البستان يضحك ويأكل جماجم الإنسان ويذبح الطفل ويرقص مع الشيطان ...أي عصر نعيش وأية جاهلية تفتك وتقتل وتهدر وتخرب العقل وتشرخ الضمير ..؟ ،الله في السماء ينادي ألهذا خلق ادم يسفك ويذبح بلا رحمة ويدمر الأوطان أليس الإنسان خليفة الأرض ؟
أي زلزال دك الأرض وأشعل النيران أي عصر نقبل ونجوب البراري ولا نتخلص من الشيطان ..؟ لا تأشيرة تعطى في سفر يجوب الخفايا بين صدور أو خفقة روح تقرها شرائع الإنسان أيها الشاعر حلقت في السماوات وعبرت عن آهات الجياع والمقهورين بثورة الإحساس وصرخة ضمير من صياغة العبارات وإلهام الشعر ووحي الإنسانية فيكم ونبغت في جرأة هادئة وتقول المخفي في الصدور ما عجز عنه الأشاوس وتكشف المستور وتعرى الجبروت وتكشف العورات هذا هو القلم الحقيقي المؤثر في الإنسانية ، تغطس في بحار النفس عن لؤلؤ العبارات وتصوب السهام عن سارق وفاسد وقاتل ومصاص دم.. عن فقير اعزل تمده بقوة... وشجاعة وطاقة نادر رهيبة هذه الطاقة الفكرية الشعرية الايجابية في قصيدة " الحياة واللا حياة " جعلت لللا حياة ، حياة ، هذه الإيحاءات والصور الشعرية تمد الطاقة الفكرية الجمالية تحرك الراكد تدور في هواجس واقعية .
(( الله أكبر على كل قاتل بالقتل يحيا
على كل إنسان الشيطان فيه وليّا
على كل من وضع حدودا بين عمر وعليّ
على كل متكبر يجهر بالكبر جليّا
يا روح كم رحلت أرواح , حبيب وصديق
يا قلب ما للجياع أدركهم نوم عميق
يا يد مالك رأيت الأسوار فأغلقت الباب بقفل عتيق
يا عين رضيت بالدمع , دمع أسود بعينيك لا يليق ))
الدنيا سياسة ومصالح والعرب من أكثر شعوب الأرض العصرية تخلفا ،تقودهم غرائزهم إلا ما ندر .واغلب العلماء والأدباء أصحاب الأفكار المنيرة قتلهم حكام السوء مثل ابن المقفع وجماعة أخوان الصفا وأبو علاء المعرى كان ضريرا وعنف مرات وكذلك شاعر الجاهلية بشار بن برد صاحب الإذن تعشق قبل العين أحيانا لجرأة أفكاره آراءه وعدم تخوفه من سلاطين السوء ،
مكسيم رودنسون كتب : « لم تشهد المجتمعات الإسلامية ظهور أصوات احتجاجية قوية ضد التراث المتراكم كما حصل في أوروبا ولم تشهد فولتير ولا روسو ولا ديدرو ولا تزال المجتمعات الإسلامية تعيش كما كانت عليه أوروبا في القرون الوسطى »
ما هي عقلية القرون الوسطى التي ينبغي علينا الخروج منها ؟!. إنها ببساطة العقلية الغبية والمذهبية الضيقة والتي نحتاج إلى سنوات طويلة جداً ربما للخروج منها نحو ضوء العقل.
غدا... الإله صورة مجتمعية فكرية من الأنانية المريضة والعمران والنسوان والمناصب والشخصيات والتماثيل إنها كما ذكرت في قصيدة الشاعر عصمت دوسكي ( حرق علم أم ثروة موتى ) هذه الرموز والدلالات وهذا الإيحاء الأمر الذي يجسد الواقعية المجتمعية والسلطوية كذلك من يقرأ ويهز وجدانه وكأنهم خشب مسندة إذا رايتهم تعجبك أجسامهم وأنت خاطبتهم ، فالحيوان أكثر رفقا ورحمة بالإنسان هكذا انقلبت موازين العدل وأصبح الباطل قانونا والمجاهر بالحق والعدل مجنونا وإنصاف المظلوم لعبة في حلبة طواغيت السوء تغير الناس وتغيرت الموازين ، قصيدة " حرق علم أم ثروة موتى " عميقة الصور والمضامين لكنك أيها الشاعر عصمت دوسكي تطرق على قلوب ميتة ووجدان غائب وضمير ضائع ، نحن أنا وأنت ومن مثلنا شواذ في عالمهم .
(( كثرت الدول في دولة واحدة
كثرت الخزائن في خزنة واحدة
كثر الموتى في موتة واحدة
كثرت النساء في امرأة واحدة
تجلت الحروب في حرب واحدة
كثر الشهداء في كل بيت شهيد
كثر الفقراء في كل بيت وحيد
كثرت الأرامل والثكالى
حتى الأعداء لهم شهيد وفقيد ..!!
اهتزت الأرض .. تاهت الدروب
رجت الأرض ... كثر الهروب
أين الملجأ في رحاب الأرض ..؟
أين المستقر في فضاء القرض ..؟
أين الحياة في حياة كلها طروب ..؟
كثر الفقر والجهل والحرق
كثرت صرخات النجوى
أحيت ثورة أخرى
لكن ، صخب ثروة موتى ..!!
إنك من خلال نقاوة المعاناة الشخصية تعكس على معاناة الناس ونحن بشر تتفاوت في الإحساس بالظلم وترجمتها من خلال دقة الوصف وصدقها وهى معادلة تكاد الحياة لا تخلو منها فردا أو جماعة ومن هنا الجمال الروحي والفكري والحسي ... وليس كل الناس متشابهين في ترجمة هذه العوالم الإنسانية وإلا لاختفت مهنة المحاماة في العالم فأنت وأمثالكم محاموا الشعب المغدور والمظلوم في مفاصل حياة الناس ،في الترجمة والوصف والمشاركة الوجدانية مع آلام الملايين ممن وقعت على رؤوسهم الضربات القاتلة والموجعة وتسمع أناتهم وصرخاتهم واستغاثاتهم ومن هنا تفاعل الناس فيما تكتب وتعكس صور المآسي والكوارث والدمار والهموم للناس الطيبين والشعر أدق موصل لأنه ينقل الخلجات وما يدور داخل الإنسان من مشاعر متناقضة دون الاستطاعة التعبير عنها مثلما تعبرون فأمثالكم ضمائر أمة وشعب مقهور وهنا القدرة على التجسيد ، حيث الإنسان لا إرادة له أمام الأزمات والحروب والكوارث والمآسي التي تفوق احتماله الفكري والجسدي . ومن هنا أتت قصيدة الشاعر عصمت دوسكي " أغلقوا الأبواب " التي تجسد معاناة وصور البشرية أمام قوة " كورونا " وتأثيرها على السلطة والمجتمع ومدى التحدي والضعف الإنساني .
(( ادخلوا بيوتكم ، أغلقوا أبوابكم
لا تنسوا الكمامات على الأفواه
تفوهت بالكذب والخداع
لبستم أقنعة ملونة على الوجوه
كم ضحكة بريئة صادرت ..؟
كم أرملة بكت بين اليدين ..؟
كم ثكلى توسلت بين الأقدام ..؟
كم مسكين رفع يديه إليك ..؟
كم هجرت وشردت وأغرقت
تحت خيام ترابية رميت ..؟
كورونا لا تظلم بل انتم ظالمون
لا تقتل الأطفال بل أنتم تقتلون
لاذت بين الرذيلة والطائفية
والقتل على الهوية بجنون
لا تفرق بين الأغنياء والفقراء
ولا بين نمرود وفرعون
كورونا سترحل
لكن انتم وأمراضكم كيف سترحلون ..؟ ))
الشاعر صوت الحياة صوت أمة صوت شعب صوت الضمير الذي يجسد المعاني والصور التي تركن في زوايا منفية حيث سلطة الفساد وجبروت الأنانية في عالم آخر من الخزائن المصدرة إلى أرض أخرى بعيدة عن الانتماء والولاء ، بعيدة عن الإحساس وثورة الإحساس والضمير وصرخة الضمير التي ليس بينها وبين الله أي حجاب والإنسانية المعذبة التي ترنو إلى كرامة العيش بلا ذل وإهانة ، الشاعر عصمت شاهين دوسكي رغم نزيف الواقع وجبروته يعري بهدوء وصمت ولكن في أعماق هذا الهدوء والصمت صرخات ضمير يلتمس العدالة الاجتماعية والتربية السليمة التي تسمو بالمجتمع والبلاد
إضافة تعليق جديد