روحك العبثية ...قاسم وحياة (1)

روحك العبثيه ---قاسم وحياة
الكاتب: 

إسراء علي البهنساوي

كاتبة صحفية
الخميس, فبراير 25, 2021 - 17

المشهد الأول :

قاسم ملقى على أرضية المسبح مطعونا بخنجراثري في رقبته ، ومكتوب بالدماء على باقي جسده تستحق فقد أرحت الخليقة منك ، وحياة بجواره ترسمه بلوحة فنية تكاد تنطق من حقيقة تفاصيلها ، وتستمع إلى معشوقتها أنغام وهي بتقول : ( أنا عاوزه نفسي حتى لو باقي منها صوت .....حياتي بيك من غير مايجي الموت هاموت  ...... مابقاش في قلبي مكان ليك .....)

الضابط : ليه قتلتيه ؟

حياة : كان هوائي فقررت أن اقطع ذلك الوريد ..واتلف تلك الرئتين التي كانت تتنفسه .

الضابط : بس ده مش قتل ده انتقام .

حياة: يستحق لكل نفس خرج مني معلنا عن مدى ألامي التي شعرتها لحظات كالجبال .

الضابط : مش ندمانه ؟

حياة : ندامانة ..لاطبعا ولو قام تاني هاقتله تاني ...خاين الروح يستحق القتل العمد مئة مرة ، فقد سلبني الهواء الذي كنت أتنفسه وليس قلبي ..

الضابط لمعاونيه : هاتوها ...نشوف إيه أخرتها.

في تلك الأونة تحدق حياة بقاسم في نظرة وداع قائلة من يعلمك الحب أول مرة هو من سيعلمك القسوة والألم والحزن مئة مرة ....إلى اللقاء يا من تنفست عشقه هواء لي .

يأخذ المعاونين حياة إلى تلك العربة كئيبة الألوان لتجد نفسها تهيم في نافذتها التي نقلتها مع نسمات الفجروألوانه الساحرة إلى شروق شمس يومها الأول مع قاسم.

المشهد الثاني :

حياة جالسة على البحر في شروق شمس أحد أيام الثلاثاء ، بجوارها ذلك اللوح الخشبي تستند عليه أوراقه البيضاء ، وبجوارها فرشاتها ، وجرة بها ماء ، وقطعة خشبية مجوفة تجويفات بها ألوان مابين زرقاء ، وخضراء ، وصفراء ، وحمراء ،وبيضاء ،وملكتها جميعا التجويفة السوداء ، بلون الليل الساكن تنظر إلى تلك الأصداف التي قدمها الشاطئ لها كهدية من هدايا العاشقين ، فتنظر لها تلك النظرة الحانية بابتسامتها المعهودة ، وكأنها تتحدث معها عن رحلتها إلى رمال شاطئ النورس بالساحل الشمالي ...ومن ذلك الهمس تسرد بفرشاتها وألوانها تلك الصدفات .

وحينما كانت حياة منهمكة في رسماتها إذا سقطت منها جرة الماء الصغيرة ، ليلتقطها قاسم ذلك الذي كان محدقا بها منذ ساعات ، وهي تتجاذب الحديث مع أصدافها ، وكأن بينهما ألحان نسجت من أفكارهما المتواترة ..

قاسم : ايه ده دي وقعت منك .

حياة : أه ... متشكرة جدا .

قاسم : على إيه ...باين إنك رسامه من طراز فريد لوحتك بتتكلم أكتر ما بتوصف .

حياة : الحياة كلها بتتكلم بس كل حاجة ليها لغتها الخاصة بها ، لاكن لا يدركها الجميع .

قاسم : مممم.. بس أكيد كل لغة ليها قاموسها ، ولازم يكون لكل واحدة منها مفتاح .

حياة : أنا شاكرة لحضرتك كتييير ....ممكن الجرة أنا كده كده خلصت بعد إذنك .

وتبدأ في تسكين أدواتها كل منها بمكانها وتحمل أشيائها معلنة الرحيل بدون أي كلام .

وفي اليوم التالي نجد حياة في ذات المكان وبذات الوقت ، وكأنها نسخة طبق الأصل من البارحة ، ولكننا اليوم على موعد مع بائع الفريسكا تتحدث عنه أوراقها ، وقبيل ختام رسمتها أتى قاسم معرضا عليها مساعدتها في حمل أدواتها .

قاسم : مساء سعيدا لكي رسامتنا الرائعة ...النهاردة هتتكلمي عن بائع الفريسكا .

حياة ناظرة إليه باستغراب : ..حضرتك بتاع امبارح مش كده .

قاسم : أنا اسمي قاسم بحب الحياة ، والبحر، والألوان أصدقائي المفضلين ، وبفهم جدا في العيون اللي وراها حكايات .

حياة : آه تمام ...دي فرصة كويسة بس للأسف أنا معنديش وقت ، وكمان خلصت بعد إذنك .

قاسم : على طول مستعجلة مش يمكن عاوزك ترسمي لي لوحة .

حياة : أصل أنا ما باحبش الأشخاص المتطفلين.

قاسم : لا أبدا حقيقي أنا عجبني رسمك ، وعندي ركن كده في فلتي كنت عاوز لوحة لي فيه ، وبصراحة أكتر أبهرتني حكاياتك اللي مابين لوحك ، وأكيد مش هنختلف كل اللي عاوزاة يتعمل .

حياة : يعني شغل خلاص تمام يبقى بكرة في نفس المعاد والمكان .

قاسم : منتظرك ديما .

اليوم التالي :

حياة : يااااا باين إن حضرتك مستعجل جدا .

قاسم : آه جدا جدا ...أنا منتظرك أكتر من ساعة .

حياة : متأسفة اتأخرت ربع ساعة كنت بأخد فطاري .

قاسم : يبقى هتديني وقت زيادة يعوض التأخير .

حياة : اتفضل حضرتك نبتدي .

قاسم : تمام جدا أنا جاهز .

جلس قاسم على كرسي أمام الشاطئ وبحوذته مجلة عن الأوراق المالية ، والبورصة يتصفحها بعين محلل ثاقب مرتديا قبعته التي تلائم أجواء البحر، ومرتديا قميصا مشجرا بألوان وريقات الشجر في كافة تغيراتها المناخية ، فتارة تكون بنية اللون ، وأخرى صفراء ، وثالثة حمراء ، وأخيرة خضراء ...وأراد ان ترسمه حياة على تلك الوضعية ....وبدأ الحديث معها .

قاسم : واضح جدا إنك خريجة فنون جميلة ، وبتحبي الألوان ، وبتتكلمي مع البحر .

حياة : ده حقيقي هي دي متعة الحياة الحقيقية .

قاسم : ومن الأكيد من طريقة ماسكتك لفرشاة الألوان متمرسة ، وعندك خبرة كبيرة ، أكيد عندك أتلية او مرسم صغير على قدك ، وأكيد مليان شغف الحياة .

حياة : ده فعلا حقيقي بردوا من الواضح إن حضرتك بتعرف كتير جدا عن الناس ، شكلك كده بتشتغل حاجة على إقتصاد .

قاسم مبتسم : كل حاجة وليها لغتها وأنا بأعرف في لغة الأشياء ، صاحب شركة المستقبل للأوراق المالية.. بس ده ذكاء منك .

حياة : مش ذكاء ، الرسام ديما حساس وبيتعامل مع كل الموجودات بإحساسة اللي جواه .

قاسم : يااا... إنتي فيلسوفة بقى .

حياة وبدأت تشعر بشئ من الؤلفة : لا خالص بس الحياة كبيرة والرسم والفن ، والبحر بيعلموك إنك تشوف حاجات وتعرفها من غير مجهود .

ومر الوقت بينهما سريعا حتى أصبحت تشعر بالإجهاد ، وحينها طلب منها قاسم أن يكملا غدا فلم تعترض ،  وتركها مازحا  إيها وهو حاملا لأدواتها بس مفيش تأخير وكمان علي الفطار (بتون ساليه ونسكافية ) بإيمائه وابتسامة طفلة بريئة ذات الثانية عشر من عمرها قائلة خلاص..تمام اتفقنا .

والتقيا في اليوم التالي لينهيا هذة اللوحة والتي لم تعلم أنها ستكون بداية عذابها الأبدي .

قاسم : برافو جيتي في المعاد بالتمام تستحقي هدية كبيرة .

حياة : لا..أبدا كده كده اللوحة حضرتك حاسبتني عليها .

قاسم : بلاش بقى حضرتك أنا قاسم بس ، مالهوش لازمة التكليف .

حياة : بنظرة تملئها الخجل ...أوك تمام .

ومر الساعات كلحظات خاطفة حتى انتهت حياة من رسمتها ، والتي نالت إعجاب قاسم بشكل كاد أن يقوم بحركات طفولية أمامها من شدة الفن والدقة في التفاصيل .

قاسم فرحا جدا : الرسمة جامدة جدا ...بتتكلم ...حقيقي تحفة .

حياة سعيدة وخجلة : متشكرة أوي ...كويس إنها عجبتك ....فرحتني.

قاسم : هايلة جدا لازم بقى لما أحطها في الفيلة تيجي تشوفيها .

حياة مغلقة جزء من عينيها : إذاي لا طبعا مش هينفع صدقني أنا ما بأروحش أماكن خالص معلش .

قاسم : لا انتي فهمتي غلط ، أنا عامل حفلة شغل ، وعازم فيها ناس كتير وكمان تقدري تجيبي حد معاكي ، وبابتسامة ماكرة  وكمان ممكن تطلعي بمصلحة أو اتنين ...صحابي كتير بيفهموا وبيقدروا الفنانين الساحرين ذيك ، أصحاب الأيادي الخاطفة .

حياة : تمام ربنا يسهل أشوف الدنيا هيبقى فيها إيه .

قاسم : أنا هابعت ليكي دعوة من الشركة وانتي كدة كده ماضية بإسمك ورقم تليفونك ، ياريت تيجي حتى تكلميهم عن اللوحة الخطيرة دي ......اتفقنا .

حياة : خلاص...تمام .... اتفقنا .

لتستفيق من ذلك الشرود على ارتطام إطارات عربة الشرطة ، بحجرمدبب في الطريق وعلى صوت أحد الأمناء قائلا : يا باشا الكوتش محتاج يتغير... وكأنه صوت تلك الأمواج التي كانت تودعهما في الساحل لتبدأ قصة مختلفة مع قاسم في حي الزمالك على ضفاف النيل .....لتدعونا إلى متابعتها في الحلقة القادمة ...تحياتي


Deprecated: Directive 'allow_url_include' is deprecated in Unknown on line 0