على حافة القبر نجمٌ يُطلُّ قصيدة للأديب عبد الرحمن بسيسو

الأربعاء, يوليو 28, 2021 - 18

قصيدة للشاعر عبد الرحمن بسيسو

على حَافةِ الْقَبْرِ شَتْلاتُ نردٍ، 
وآثارُ خطوٍّ، 
ورشَّاتُ ماءْ!
على حَافَّةِ الْقَبرِ قَطْراتُ دمٍّ تُنيرُ الفضاء
فَتَهْمِي بأسرارها السَّاطعاتِ
 غُيومُ السَّماءْ!
على حَافَّةِ الْقَبرِ أزْهَارُ "حَنُّونِ 
قانيةُ اللَّونِ
مُشبعةٌ ببهاءِ السَّنا
ورنينِ الدِّماءْ!
على حَافَّةِ الْقَبرِ أشْلاءُ حُلمٍ نبيلٍ
يُحاكي الحقيقةَ 
في لُبِّ شمسِ الشَّهادةِ
عندَ الفِدَاءْ!
***
على حَافَّةِ الْقَبرِ طائرُ رُخٍّ رجيمٍ 
يُواري بأجنحة الموتِ 
غيرِ الكريمِ 
وُجُوهَ الحياةْ.
على حَافَّةِ الْقَبرِ شَهْقَاتُ أُمٍّ، 
وزوجٍّ وأُختٍ، 
وابنٍ وابنة، 
وأبناءِ أُمٍّ، 
وزوجٍ وأُختٍ، 
وأحفادِ ابن وابنة. 
على حَافَّةِ الْقَبرِ زَفْراتُ جدٍّ، 
أبٍ، 
وأخٍ، 
وابنِ ابنٍ صديقٍ صَدُوقٍ،
وأزواجِ أُمٍّ، 
وأحفادِ أختٍ، 
وعمٍّ، 
وخالْ.
على حَافَّةِ الْقَبرِ حُرقةُ قلبٍ، 
ودَمْعٌ عَصِيٌّ، 
وصَبْرٌ عَقيمٌ، 
وسقمٌ عُضَال!
***
جَمرَاتُ آمانٍّ مُطفأةٌ، 
ونجومٌ آفلةٌ، 
وبقايا أنفاسْ. 
شَهقَاتٌ، 
زفراتٌ، 
أشواقٌ مُجهضَةٌ، 
وشظايا حُلمٍ مخذولٍ، 
ورمادُ طُمُوحْ.
أطلالُ صُروحٍ، 
وخرائبُ أشباحٍ، 
وطلاسمُ مُلْغِزَةٌ، 
وإطاراتٌ لِلْخَدَرِ الخادعِ، 
وخرائطُ تَضْلِيلٍ، 
ومراسمُ وطقوسْ.
خططٌ وبحوثٌ وبياناتٌ، 
ومراجعُ وبرامجُ، 
ووثائقُ وقراراتٌ، 
ومشاريعُ حلولٍ يستوطنها اللُّبُسُ الماكرُ، 
وغبارُ التدليسْ،
وخرائطُ طُرقٍ لا يحشوها شيءٌ غيرُ الإفكِ المدروسْ.
أصداءُ نداءاتٍ عُقْرٍ، 
وهسيسُ رجاءٍ مُنكَسرٍ، 
ووميضُ دُعاءٍ مُبتسرٍ، 
وهواءٌ مخنوقْ.
أرواحٌ تأفُلُ، 
ونُبوءاتٌ تتلاشى، 
ووعودٌ قاطعةٌ تقبعُ في الأدراجِ المُغلقةِ فيطويها النِّسيانْ!
أسوارٌ تَجْثُمُ كالأفْعَى الْمَسْمُومَةُ فَوقَ الصَّدرْ، 
وحصارٌ خانقُ واستيطانٌ محمومٌ يَخْنُقُ ضوءَ الفجرْ،
وأراضٍ تُسْلَبُ وتُمَزَّقُ بالْعَسَفِ وبالقهرْ.
أسلاكٌ شائكةٌ، 
وحواجزْ، 
ونقاطُ عُبورٍ تستنزفُ كُلَّ الأنفاسِ، 
فتمنَعُ، 
بِزَفيرِ تَنَفُّسِهَا الْخَانِق، 
أيَّ عُبُورْ.
خرائطُ طُرقٍ، 
وإطاراتٌ لِلْوَهْمِ الخادعِ،
لا تسفر عن شيءٍ غيرَ إحاطةِ كُلِّ الطُّرقِ، 
الْمَسْدُودَة أصلاً بالْقَارِ الْحَارقِ،
بالذُّلِ الخانقِ، 
والأشْواكْ! 
وأيادٍّ بيضاءُ تُصَفَّدُ بقيودِ مُراوغةٍ، 
وخِداعٍ، 
وتَحايلَ، 
ونِفَاقٍ، 
ورياءْ، 
ووعُودٍ كَاذبةٍ، 
وسَرائرَ سَوْدَاءْ! 
***
شَعْبٌ مأسُورٌ مَقْهُورٌ مُحْتَجَزٌ في أقبيةِ البؤسِ، 
وأجْدَاثِ الآمالْ؛
والأرضُ، 
ورُوحِ الأرضِ، 
سبيَّهْ.
طائرُ رُخٍّ يحجبُ عينَ الشَّمسْ 
بأجنحةٍ سوداءَ كما الدَّيمَاسْ؛
والشَّعبُ، 
وقيمُ الإنسانِ الحُرِّ،
وأشواقُ الإنسانِ، 
ضحيَّة!
***
لكنَّا نسمعُ صوتاً كونياً يُشبهُ صوتَ الوعدِ الصَّادقِ 
صَوْتَاً يأتي من منبعِ أصواتِ الحقِّ الوضَّاءْ،
صوتاً يُشْبهُ أصواتَ الشُّهداءْ،
صوتاً كالنَّغم العذبِ كما النَّسمةْ، 
صوتاً كالمرمرِ حينَ يَشِفُّ ويَصْفُو كالبسمةْ،  
صوتاً كرنين الْقَلْبِ الصَّافي، 
كبريقِ الخيرِ الوهَّاجْ،
صوتاً كحَفِيفِ الرُّوحِ
يُداعبُ جسداً منذوراً للحقِّ، 
فما أوقَفَهُ التَّعَبُ عن السَّيرِ، 
ومَا مَلَّ السَّيرْ!
***
ها نحنُ الآنَ نُعانقُ أمواجَ الصَّوتِ الرَّيانِ، 
فَنَسْبَحُ في ماءٍ لأْلأْ يَسْبَحُ في نُورٍ لازورديٍّ وهَّاجْ.
ها نحنُ الآنَ زنابقُ آمالٍّ تُصْغِي لرنينٍ الصَّوتِ، 
فُتُبْحِرُ صوبَ لُبَابِ الشَّمسِ، 
لِتَصْهَرَ، في ذاكِرة الرُّوحِ، كُنُوزَ الكلماتْ!
***
نَجْمُ يَبْسَمُ كالطِّفلِ، 
يُطلُّ على الدُّنيا، 
من خَلْفِ غَمائمَ كَرْبٍّ مُتَّصلٍّ، 
وبَلاءْ.
ونجومٌ تُبْرِقُ، كالهالةِ، حولَ النَّجم الطِّفلِ، 
فَتَسْتَلْهِمُ رؤياهُ، 
وتُلْهِمُهُ، 
وتُضيءُ على الأرضِ خُطاهْ.
أصابعُ أيدٍ أشتاتٌ تُجْمَعُ في كَفٍّ،
وأكفٌّ شتَّى تُحْزَمُ في قبضة،
وأيادٍّ تَتَوحَّدُ في سَاعدْ،
وسَوَاعِدُ تُضْفَرُ في جَسَدٍ واحِدْ،
وجُسُومٌ وقرائحُ، 
وقلوبٌ وضمائرُ، 
تلتحمُ، 
فتبني، 
جسداً كُلِّياً، 
صافي الرُّوحِ،
قوياً، 
ذا عَقْلٍ وقَّادٍ،
يَطُلُعُ من أقبية الظُّلمةِ،
مُنَتِفَضَاً في وجه قُوى الشَّرِّ، 
وصُنَّاعِ الأَرْزَاءْ!
نَسْرٌ مِنْ صُلبِ التَّارِيخِ الَحقِّ، 
ومِنْ رَحْمِ الأرضِ الْمَسْبِيَّةِ،
يَنْهَضُ كي يَنْقَضَّ على الرُّخٍّ الْمَلْعُونِ 
الجَاثِمِ مُنذُ عُقودٍ فَوقَ ثَرَاهَا.
ألسنةُ لهيبٍ تلتهمُ صحائفَ سُودٍ،
وخرافاتٍ،
وأساطيراً يَحْشُوهَا الرِّجْسُ الطَّافحُ، 
والإفكْ.
تيجانٌ مِنْ قَارٍ ودُخَانٍ أَسْودَ وعُيُونِ أفاعٍّ، 
تَسْقُطُ من فوق رؤوسٍ حَاقِدَةٍ مَحْمُومَةْ.
سيفٌ من نُورٍ وهَّاجٍ يَجْتَثُّ رؤوسَ، 
ويقطعُ أذنابَ، 
ثلاثِ أفاعٍّ تتفاوت في الحَجْمِ، 
ونوعِ السُّمِّ، 
وَكِبَرِ الرَّأسِ، 
فَتُرْخِي قَبْضَتَهَا عن دُرَّةِ تاجِ الأرضِ،
وتَسْقُطُ في قاعِ الْوَكرْ.
شَمْسٌ مُطفأةٌ 
تَرْتدُّ إليها الرُّوحُ 
فَتَصْعَدُ من كَهْفِ العَتْمَةِ، 
تتلقَّى بالعينِ وبالقلبِ، 
وبالعقلِ وبالصَّدرِ، 
سناءَ الشَّمسِ الأمِّ، 
فَتَسْتَرْجِعُ مَرْكزها الْخَالِدِ في عِقْدِ الكونِ
كأجملِ لؤلؤةٍ تَسْطَعُ إشعاعاً نُورانياً في أرواحِ النَّاسِ،
وفي الأرجاءْ.

 

براتسلافا، 20 تموز (يوليو) 2014

 


Deprecated: Directive 'allow_url_include' is deprecated in Unknown on line 0