فلسطين الحكاية (7) ..الطوائف المسيحية وكتابة العهد الجديد ( الإنجيل)

الكاتب: 

إسراء علي البهنساوي

كاتبة صحفية
السبت, يوليو 24, 2021 - 13

يتجدد لقاءنا بمعلمنا زياد ..ويحدثنا اليوم عن المسيحية في فلسطين من حيث طوائفها المختلفة ومسمياتها ...

المعلم زياد: سنذهب اليوم عبر التاريخ إلى كتب العهد الجديد (الإنجيل) ، وتسمية اليهود الذين اعتنقوا المسيحية بالناصرين أو النصارى فلتعوا معي الحكاية.....

تسمى فلسطين عند المسيحيين بالديار المقدسة ، إذ بحسب الإيمان المسيحي، ولد وعاش فيها يسوع المسيح ورسله وحدثت معظم الأحداث المذكورة في العهد الجديد والعديد من الأحداث المذكورة في العهد القديم . 

- المسيحية:

عرفت هذه الديانة بالمسيحية نسبة إلى المسيح عيسى بن مريم الذي بشر بها، ورغم أن هذه الديانة نشأت بكامل تفاصيلها في فلسطين إلا أن تطورها وانتشارها تأثرا بالحضارة الهلينية والحكم الروماني.

الكتاب الذي جاء به المسيح يعرف بالإنجيل أو العهد الجديد لتمييزه عن التوراة أو العهد القديم، والإنجيل في اليونانية تعني البشارة أو الخبر السار، وقد كان هناك عدد كبير من الأناجيل في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد، لكن لم يتم الاعتراف من قبل الكنيسة إلا بأربعة أناجيل هي متى ومرقص ولوقا يوحنا.

وقد كتبت هذه الأناجيل بين أعوام 50-90م باللغة اليونانية ماعدا أنجيل متى الذي كتب بالآرامية لكن نسخته الأصلية فقدت، ويستخلص من الأناجيل أن يسوع ولد حوالي سنة 4ق.م في بيت لحم، وانتقلت أسرته إلى الناصرة حيث عاش مع والدته وإخوته في بيت يوسف النجار لذا فقد عرف باسم يسوع الناصري واشتغل بالتجارة وكان يتردد على المجمع الديني ويختلط بفئات الشعب، وتتحدث المصادر التاريخية عن علاقته بيوحنا المعمدان الذي كان قريبا له من ناحية الأم وقد قام يوحنا بتعميد المسيح في نهر الأردن عندما بلغ الثلاثين، ويوحنا المعمدان هو يحيى بن زكريا المذكور في القرآن وقد كان يعمّد الناس ويدعوهم إلى التمسك بالأخلاق ويبشر بظهور المسيح.

مر الملك هيرودوس أنتيباس بسجن يوحنا ثم قتله، وعند ذلك أخذ يسوع يجوب الجليل والسامرة معلنا إنجيل التوبة، وبرزت في تلك الحقبة عدة فرق يهودية منها الصدوقيون والفريسرن والأسينيون وفرقة الزيلوت وكانت جميع هذه الفرق ضد سيطرة الرومان، وقاموا بعدة ثورات فاشلة، ولما لم يتمكنوا من الخلاص بالسلاح قاموا باللجؤ للتنبؤات في انتظار المسيح الذي تحدثت عنه الكتب المقدسة لديهم.

أنكر المسيح أنه من نسل داوود أو أنه جاء ليعيد الملك إلى بني إسرائيل، ولم يؤيد الثورة على حكم الرومان وقال مقولته الشهيرة" أعطوا مالله لله وما لقيصر لقيصر، ولم يتمسك بالشكل بل سعي إلى الجوهر فكان يقول مثلا عن العمل يوم السبت: إنما جعل السبت من أجل الإنسان ولم يجعل الإنسان من أجل السبت.

كان يعطف على المساكين والفقراء خصوصا واعتبرت تعاليمه ثورة عميقة في المبادئ الأخلاقية، وكثر أتباعه لكنهم أنفضوا عنه حين رفض أن يتوج ملكا أرضيا، وأخذت الفرق اليهودية بمحاربته، فقبض عليه مجلس السنهدرين اليهودي وحكم عليه بالإعدام في الحال، وصادق بيلاطس البنطي على الإعدام وهو متردد، فصلب المسيح وقتل، وآمن أتباعه بقيامه بعد الموت وعرفوا باسم الناصرين أو النصارى.

تحت ضغط السنهدرين، هرب اليهود الذين آمنوا بعيسى من أورشليم إلى السامرة وقيسارية وأنطاكية وعملوا فيها على إنشاء جماعات مسيحية عرفت كل منها باسم "اكليزا" تقابله كلمة كنيسة وتعني المجمع معربة عن الآرامية.

حكم على بطرس وبولس بالإعدام، وبعد مئة عام على موت بولس، ظهرت تأثيراته على المسيحية وتطورها، وقيل أنه فصل المسيحية عن اليهودية، فخرجت المسيحية عن حدود فلسطين وانتشرت في أنحاء الإمبراطورية الرومانية، وعندما أقدم الإمبراطور قسطنطين على اعتناق المسيحية عام 320م تقريبا، عقد المجمع المسكوني عام 325م ، وجعل المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية.

- الحواريون:

هم رسل المسيح "الاثنا عشر"، أولهم بطرس وآخرهم يهوذا الإسخريوطي الذي سلم المسيح لأعدائه، والحواريون هم "سمعان (بطرس)، أندراوس، يعقوب بن زبدي، يوحنا فيلبس، برتلماس، توما، متي العشار، يعقوب بن حلفى، تداوس، سمعان الغيور، يهوذا الاسخريوطي.

كانوا جميعهم من بيئة فقيرة، صحبوا المسيح فأنشأهم ليبشروا ويتكلموا باسمه، وقصر عليهم تأسيس الكنيسة وإقامة الأساقفة عليها، وأمرهم بدعوة الأمم إلى التوبة وغفران الخطايا، وأن يواصلوا عمله على الأرض.

بعد حادثة الصلب، غادر الرسل القدس وانتشروا في العالم كممثلين للمسيح، وتذكر المصادر أن جميعهم سفكوا دماءهم في سبيل الشهادة.

- اليعقوبية:

ترجع إلى نشأة المسيحية في القرن الأول الميلادي، ورعاياها منتشرون في سوريا وفلسطين ولبنان ومصر والعراق والهند، أما التسمية فجاءت في القرن الخامس الميلادي نسبة إلى الأسقف يعقوب البرادعي الذي أرسلته تيودورا زوجة الإمبراطور إلى الحارث بن جبلة ليعلم قومه الدين، ويعتقد العيقوبيون أن في المسيح طبيعة واحدة إلهية.

يرجع وجود هذه الكنيسة في فلسطين إلى ما قبل القرن الخامس، فالفلسطينيون هم أول شعب تنصر، وكان للكنيسة أبرشية في غزة وأخرى في طبريا، وفي عكا وكان لهما عدة أديرة وكنائس في القدس وأريحا وغزة ووادي الأردن.

مقر هذه الكنيسة في القدس ولها كنائس في بيت لحم ووادي الأردن ودير في القدس، ويقيم النائب البطريركي في دير القديس مرقس الشهير بمكتبته التي أنشئت عام 1718م وتحوي مخططات وإيقونات ناد.

- الأريوسية:

مذهب ديني مسيحي، أنشأه الكاهن المصري أريوس (256-336م)، وقد تلخص في أن البحث في المسيحية يجب أن يتأسس على فكرة الثالوث المقدس الأب والابن والروح القدس، وهو بذلك قد خالف تعاليم الكنيسة فيما يختص بشخصية المسيح.

حرم من كينسته فآواه يوسيبيوس رئيس أساقفة قيسارية وساعده فأصبح له مؤيدون في فلسطين وخارجها، فغدت فلسطين قلعة للأريوسية، وقد تركز بسببها الخلاف بين الغرب والشرق حتى أن الإمبراطور تدخل شخصياً في الأمر، فقد تبنى كونستانسيوس الأريوسية وفرضها على الأساقفة ونفي كل من رفضها، لكن موته عام 356م جعل الأمر يتم لخصوم الأريوسية، لذا فإن الأريوسية انتشرت فقط لمدة بين 325م و381م ثم تراجعت لتنتشر بين أقوام البرابرة وهي الشعوب التي بقيت خارج الحضارة اليونانية.

- النسطورية:

نشأت في القرن 5م على يد نسطورس، وتقول بوجود شخصيتين في المسيح إلهية وإنسانية وقد أتاح هذا المبدأ لأسقف القدس يوفنالس تحقيق استقلال كنيسته عن أنطاكية فنقل الرئاسة من قيسارية إلى القدس.

- المونوفوزية:

تعني الطبيعة الواحدة، أحدث هذا المبدأ رئيس رهبان كنيسة في القسطنطينية هو أوطيخا في القرن 5م وذهب فيه إلى أن المسيح فيه طبيعة واحدة هي الإلهية، وانتشر المبدأ في فلسطين وصار أتباعه يعتلون الكرسي البطريركي في القدس.

- المونولوتية:

باليونانية تعني الإرادة الواحدة، وقد أطلقت على من قالوا بوجود إرادة واحدة في المسيح هي الإرادة الإلهية، وقد نشأت المونولوتية في القرن السابع الميلادي 615م على يد البطرك سرجيوس، وقد قال بأن في المسيح طبيعتين إلهية وإنسانية ناشئين عن إرادة واحدة هي الإرادة الإلهية وقد أعجب هرقل بهذا المبدأ فأمر بنشره.

- الأرثوذوكسية:

أرثوذوكس مفردة يونانية تعني "الرأي المستقيم" وقد أطلقت على أتباع الدين القويم في المسيحية لتمييزهم عن أصحاب المذاهب الأخرى في المسيحية، وفي القرن 11م انقسمت الكنيسة إلى شرقية وغربية، فعرفت الشرقية باسم الأرثوذوكسية والغربية باسم الكاثوليكية.

الكنائس الأرثوذوكسية جمعيها ممثلة في فلسطين، وفي كنيسة القيامة نفسها، الكنيسة اليونانية العربية الأرثوذوكسية وأتباعها الروم الأرثوذوكس، والكنيسة اليعقوبية "كنيسة السريان الأرثوذوكس"، والكنيسة الملكية.

بعد القرن 11م أصبحت الكنيسة الأرثوذركسية كنيسة مستقلة في فلسطين بطابع متميز عن الكنيسة العامة بدءاً من سنة 1054م.

بعد الفتح الإسلامي استقرت اللغة العربية في الكنيسة الأرثوذوكسية وكان بعض القساوسة يجيدون اليونانية والعربية، لكن اللاتينية حلت محلها أثناء الغزو الصليبي، فأصبح رعايا الكنيسة خاضعين لإدارة مملكة القدس اللاتينية.

تعرضت الكنيسة بعد رحيل الصليبين إلى اضطهاد المماليك، وتم تعيين بطاركة عرب في القدس، وكان آخرهم البطريك عطا لله أو دوروتاوس الثاني (1505-1534)، وبعدها بدأ العثمانيون بمنح حرية العبادة للمسيحيين وبالتالي تعيين بطاركة يونانيين، ومنذ القرن 19 بدأت العناصر العربية في الكنيسة بالمطالبة بحقوقها نتيجة لتعدد المدارس التي أنشأتها الكنيسة الكاثوليكية في فلسطين والكنيسة الروسية الأرثوذوكسية التي نشطت وحاولت أن تحل محل الكنيسة اليونانية، ونتيجة لاعتماد اليونانيين على تأييد السلطان العثماني فقد رفضوا المطالب العربية حتى أن السلطان أقر أول نظام كنسي عام 1875 ولم يراع فيه حقوق العرب، تبدل هذا النظام عام 1934 من قبل البريطانيين لكن هذا النظام أيضاً ظل عاجزاً عن أنصاف العرب الأرثوذوكس، ومازال الصراع بين اليونان والعرب قائماً.

تشمل الكنسية الأرثوذوكسية في فلسطين الكرسي البطريركي في القدس وست مطرانيات في قيصرية وبيسان والبتراء وعكا وبيت لحم والناصرة، وست مراكز رئيس أساقفة في اللد وغزة وسيناء ويافا ونابلس وسبسطية وجبل الطور.


Deprecated: Directive 'allow_url_include' is deprecated in Unknown on line 0