بقلم : د. عبد الرحمن البنا
تصميم الغلاف: غريد مصطفى جحا
(الظُّلم)... ظُلُمات...
(الزَّمن)... جراح. ..
(الأمل)... نور...
تلك هي العناصر الثّلاثة لرواية "سجينة بين قضبان الزّمن"
تدور الرّواية بين الظّلم والجراح والأمل ...
الظُّلم ظلمات... وليل الظُّلم حالكُ السّواد...
جراح الزّمن... كلّما اندمل جرحٌ، جدَّ بالتّذكار جرح، والجراحُ تنزفُ دمًا...
في حلكة الظُّلم والظّلمات، ومن بين اللّيل البهيم ودماء الجراح، يولد الأمل... وينبثق شعاعُ الفجر، ويبزغ نور الصّباح...
تصوّر لنا الرّوائيّة الرّقيقة "زينة جرادي" حكايةَ "إلهام" التي لم تكمل عامها السابع عشر إلّا وهي تحمل بين ذراعيها طفلها "كمال"، بعد أن دخلت قفص الحياة الزّوجية، لتكون "سجينة بين قضبان الزّمن"... تتقاذفها الظُّلمات والجراح، ويحدوها نور الأمل في بحثها الحثيث عن مخرج من هذا السّجن الّذي دفعتها إليه أمّها التي فقدت معاني الأمومة (كما كانت تظنّ)...
إلّا أن "إلهام" لم تتخلَّ عن الأمل، وانتظرت بزوغ نور الفجر، وذهاب الظُّلمة والظُّلم..
واستطاعت الفنّانة الجميلة "غريد جحا" أن توظّف الألوان لتعبِّر بإتقان عن الظّلم والجراح والأمل؛ فاختارت الألوان الثّلاثة: الأسود، الأحمر والأبيض.
اللّون الأسود: وهو اللّونُ السّائد على أغلب مساحة الغلاف، في وسط تلك المساحة، تطلُّ علينا "إلهام" من خلف نافذة يعلوها قضبان الزّمن، تلمحُ في نظرة عينيها انكسار وخوف ووجع.
اللّون الأحمر: وكتبت به الفنّانة المُبدعة كلمة "الزّمن" في إشارة واضحة لنزيف الدَّم طوال حياة "إلهام"، ودلالة على أنّ زمن القصّة كلّه جراح وأوجاع.
اللّون الأبيض: أجادت الفنّانة توظيفه، ربطت بين كلمة "سجينة" التي لم يفارقها "الأمل" بِنُورِه، وكلمة "زينة جرادي"، التي تسرد لنا حكاية "إلهام" وتحاول إخراجها من ظلمات اللّيل البهيم إلى أنوار الفجر المأمول... ولا يفوتتا أن نلحظ جمال أن تكون كلمة "القضبان" مكتوبة بالأسلاك الشّائكة.
الغلاف والرّواية يتكاملان في جعل المشاعر والأحاسيس التي تنتاب بطلة الرّواية تصل إلى القارئ، فيكون العنوان والغلاف والسَّرد، عناصر رئيسة في توصيل المعاني.
فصول الرّواية:
إليف شافاك، جبران خليل جبران، أفلاطون، فولتير، غاندي، جيفارا، جلال الرّومي، شمس الدين التّبريزي، دوستويفسكي وأوستر، وعلي بن أبي طالب، والسّيد المسيح: أعلام تمّ اختيار عبارات لهم توزّعت على 18 فصلًا، هي فصول الرّواية، ببراعةٍ ومهارة...
تمّ اختيارُ عبارة لأحدهم بحيث تكون عنوانًا للفصل، وجزءًا لا يتجزّأ من النّسيج العامّ لهذا الفصل، وتميهدًا له، وجعل ذهن القارئ مُعَدًّا لاستقبال أحداث الفصل ووقائعه، وكأنَّ العبارةَ تلخيصٌ وافٍ لما سيتناوله الفصل...
العبارات كلّها منتقاة بدقّة شديدة، ويبدو أنّها اختيرت خلال فترة زمنيّة طويلة، والعجيب أنّك لو حاولت استبدال عبارة مكان أخرى سيختلُّ التّناغمُ بين البناء السَّرديّ للفصل والعبارة الأصليّة التي تتصدّره؛ فالعبارات موحيةٌ وتكملُ النّصّ السَّرديّ، بل وتضيفُ إليه... فها هي تختار عبارة لجيفارا تتّسق مع الفصل الذي تصدّرته، ما يدلّ على ذكاء الكاتبة وسعة ثقافتها، فالموقف يحتاج إلى المقاومة والصّمود والتّغلب على الأحزان، والوقوف، وأن الحياة لا تتوقّف...
في تجربتها الأولى، في فنّ الرّواية، نجحت الكاتبة زينة جرادي في عرض قضية اجتماعية تتعلّق بقضيّة زواج القاصرات واغتيال براءتهن في بعض المجتمعات العربية، بحجّة أنّ البنت مصيرها إلى بيت زوجها، وأنّ الزواج (سترة للبنات)، وأحسنت في تصوير أحاسيس ومشاعر (الضَّحيّة)، صارخة في وجه المجتمع المتخلّف (أن أوقِفوا تلك المهزلة، أوقفوا زواج القاصرات، أوقفوا العنف والقهر الّذي يمارس من بعض الأزواج من ذوي النّفوس المريضة والعقول التافهة ، والأخلاق الدّنيئة)...
رواية (سجينة بين قضبان الزّمن) صرخةٌ في وجوهنا جميعًا، وقد أبدعت كاتبتها في إظهار بشاعة الفعل وخسّة مَن يقوم به، وأعتقد أنّ كلّ أمّ وكلّ أبٍ سيقرأ تلك الرواية ستصل إلى عقله وقلبه ووجدانه فحواها ومعناها... وسيفكّر مرّات عديدة كيف يجنّب ابنته ذاك المصير القاسي، البشع، ولا يلقي بفلذة كبده حتى لا تقع فريسة بين مخالب وغد !!!!
إنّها صرخةٌ مدوّية أطلقتها الكاتبة في تصوير واحد من أخطر أمراض المجتمع ومشاكله، سلّطت عليها الأضواء لتتضافر الجهود للعلاج، ويسود الوعي والإدراك، ويرتقي بالمجتمعات التي تسودها بعض المفاهيم التي ظاهرها الرّحمة، وباطنها فيه العذاب والقهر والظلم.
وهكذا، يكون الإبداع الأدبي في خدمة قضايا المجتمع ومشاكله...
كل التّقدير للأستاذة زينة جرادي، وتهنئة قلبيّة بولادة عملها الرّوائيّ الأول.
إضافة تعليق جديد