محتال في العاصمة !

مقالات عامة
الكاتب: 

حسين الذكر

كاتب وشاعر - سوريا
الأربعاء, يناير 13, 2021 - 07

يقول كُتاب التاريخ ومدوني فاجعة كاس السم وشهادة الفيلسوف الذي انزل الحكمة من السماء واسكنها في بيوت وضمائر الناس دون امتلاك قدرة أحياؤها  .. ان زانتيب امراة بائسة .. ظلت طوال دهرها تبخس حق زوجها العظيم سقراط وتقذفه باقذع العبارات وترمي عليه القاذورات لانه لم يجلب لها الخبز والملابس والفرح .. اذ اعتاد حمل هموم الناس وقاموس حكم لم تفقه منها شيء .. تلك الزوجة التعيسة .. بكت عليه اول مرة حينما رات السجان يقود الشيخ الفيلسوف ويضع الاصفاد بين يديه ... وقد سؤل سقراط مرة كيف تحملت ضيم زوجتك ، فقال بطرافة معتادة : ( لقد اعتدت عليها.. بالوقت تعتاد على صوت الأوز، فهو يقدم لك البيض، والقاذورات من خلفه أيضًا، كذلك زوجتي، فهي أم لأولادي ) ، حقا ان زانتيب امراة تعيسة عاشت ردحا مع عظيم من عظماء البشرية لكنها لم تنظر وتسمع وترى منه الا من ضيق زاوية المصلحة العمياء ..

لكل زمان دولة ورجال .. وحظوظ وعثار .. واغلب المتباكين على مرحلة ولت او يتمنون بقاء أخرى عليهم درت .. هي نتاج تعاطيهم واحساسهم الغارق في المصالح .. فالمتباكين على الفضيلة نوادر .. وقد كتبت المباحث الأمنية تخبر الاسكندر المقدوني ان احد أصدقائه .. يسيء الحديث فيه .. فقال لهم – وهو القائد المتعلم بين حضرة فيلسوف - : ( انظروا اليه ربما هو بحاجة الى مال او مساعدة ) .. 

في طريقي لحضور ندوة حول الانتخابات كأداة إصلاحية يمكن لها ان تحيي مصالح الناس ..  سمعت احدهم يمتدح الواقع ويحاول احباط الناس قائلا : ( يا انتخابات يا بطيخ .. صار خمسة عشر سنة وانا أراوح بمنصب مدير عام ولم ارفع الى وزير ) .. فيما قال اخر ، جوابا على سؤال اين انت الان : ( والله .. مجرد وكيل وزارة ، ملت روحي من تنقلي بين السفارات والدرجات الخاصة .. ) .. في هذه الاثناء جاء مواطن بائس يحمل جريدة وقلم .. جلس بالقرب منا .. ينفث دخان سيكارته ويرتشف مر قهوته .
في خبر طريف لفت انتباهي ، نشرت احدى الصحف وكذا تناولته بعض المواقع التواصلية .. ان الجهات المختصة القت القبض على شخص محتال في العاصمة  .. يوهم الناس بالتعيين ، مقابل أموال .. وهو لا يمتلك الصلاحية ولا القدرة على ذلك ..
بصراحة ضحكت كثيرا من وقع الخبر .. وعلى ما آلت اليه الوعود الحكومية منذ وعيت على الدنيا نهاية سبعينات القرن المنصرم .. وها قد ابيض شعر راسي وتثاقلت انفاسي ... من كثر سواد المشاهد ونقض العهود ونكث الوعود الحكومية المتعاقبة المخجلة المحزنة ... فالكثير منها قد اطلق واغلبه ان لم يكن اجمعه لم يتحقق .. فكم من ملفات أغلقت بلا إجابات .. وكم من أحلام ظلت طوباوية دون ان تعبر خارطة الوسادة والفراش وربما امتار أخرى تعيسة .. في كشك البقال او قهوة عبود او بائع الفول والحمص او بسطت فقير او شحاذية متسول .. وربما طبول مسحراتي ودعاء ام .. وانحناء ظهر اب ..  ووعاء ضمير حي اختنق في طوابير وعود حكومية وجهالات امية .. لم تعد حية منذ رفعت من قاموس مفرداتها شيء اسمه الحياء .. فضلا عن حب الحياة .