كتب : نسرين حلس
محمود درويش أحد أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب والعالميين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن. يعتبر درويش أحد أبرز من ساهم بتطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه
يعتبر محمود درويش من أبرز الشعراء الفلسطينين واشتهر بكونه أحد أدباء المقاومة وحملت الكثير من قصائده القضية الفلسطينية فلُّقِب بشاعر الجرح الفلسطيني.
وُلِدَ عام 1941 بقرية البروة ثم انتقل مع عائلته إلى لبنان بعد نكبة 1948 وعاد إلى فلسطين بعدها بسنتين متخفيًا ليجد أن قريته قد دُمِرت، فعاش في قرية الجديدة ثم انتقل في شبابه إلى موسكو للدراسة، وذهب ليعيش في القاهرة ومنها إلى بيروت ثم تونس وباريس، قبل أن يعود ليعيش أواخر حياته في مدينة عمان الأردنيه ورام الله الفلسطينية.
لمحمود درويش أكثر من 30 ديوان شعر ونثر و8 كتب، وتميز شعره بالوطنية حتى لقبوه شاعر فلسطين وفي الوقت نفسه بالرومانسية والحنين الدائمين والحب، سواء كان حب الوطن أم غيره.
ساهم محمود درويش في تطوير الشعر العربي الحديث واكتسابه للرمزية أكثر، وهنا سنحاول أن نركز أكثر على حياته نفسها أكثر من شعره لنعرف معًا ما ساهم في تشكيل هذه العقلية العبقرية.
وُلِدَ محمود درويش في 13 آذار/ مارس عام 1941 – قبل الاحتلال بسبعة أعوام – في قرية البروة الفلسطينية التي تقع على جبل الجليل قرب ساحل عكا لأسرةٍ كبيرة من خمسة أبناء وثلاث بنات.
أتم محمود درويش تعليمه الابتدائي في قرية دير الأسد بالجليل قبل أن يفر مع أسرته ضمن عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذي هربوا من البلاد – أو طُرِدوا منها جراء القذف بالقنابل – عام 1947 إلى جنوب لبنان، لكن عاد بعد ذلك بعامين مع أسرته إلى البلاد متسللًا عن طريق دليل فلسطيني يعرف الطرق السرية للجليل ليجد أن قريته قد دُمِرت تمامًا – وحاليًا يقوم مكانها اليوم قرية موشاف أو أحيهود الإسرائيلية – فانتقل مع أسرته إلى قرية دير الأسد كلاجئين؛ عانى اللاجئون لقرية دير الأسد في الحصول على بطاقات إقامة حيث إنهم كانوا "غير شرعيين" وكانوا بالنسبة للقانون الإسرائيلي حاضرون بأجسادهم غائبون بهوياتهم.
انتقلت عائلته إلى قرية أخرى اسمها الجديدة وامتلكت فيها بيتًا، لكن محمود عاش في حيفا لمدة عشر سنوات وأنهى فيها دراسته الثانوية.
بعد الثانوية انضم للحزب الشيوعي الإسرائيلي وعمل في صحافته محررًا ومترجمًا في صحيفة الاتحاد ومجلة الجديد التابعتين للحزب نفسه، وترقى بعد ذلك لرئيس تحرير المجلة، كما اشترك في تحرير جريدة الفجر.
اعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني مراتٍ عديدة بتهمة القيام بنشاطٍ معادٍ لدولة إسرائيل لآرائه السياسية وتصريحاته المعادية؛ فاعتقلوه خمس مرات أولها عام 1961 ثم 65 و66 و67 و69، كما فُرضت عليه الإقامة الجبرية حتى عام 1970.
كانت تلك الفترة شديدة الصعوبة على الفلسطينيين عامةً وعلى محمود خاصةً، ويحكي عنها واصفًا إياها: " كنت ممنوعًا من مغادرة حيفا مدة عشر سنوات. كانت إقامتي في حيفا إقامة جبرية ثم استرجعنا هويتنا، هوية حمراء في البداية ثم زرقاء لاحقًا وكانت أشبه ببطاقة إقامة. كان ممنوعًا عليّ طوال السنوات العشر أن أغادر مدينة حيفا. ومن العام 1967 لغاية العام 1970 كنت ممنوعًا من مغادرة منزلي، وكان من حق الشرطة أن تأتي ليلًا لتتحقق من وجودي. وكنت أعتقل في كل سنة وأدخل السجن من دون محاكمة. ثم اضطررت إلى الخروج".
المحطة الأول: موسكو (1970): حاول محمود درويش السفر إلى باريس عام 1968 لكن رفضت السلطات الفرنسية دخوله الأراضي الفرنسية لأن هويته غير محددة لجنسيته، فأعادته السلطات إلى الأراضي المحتلة.
خرج بعدها عام 1970 متوجهًا إلى موسكو – عاصمة الاتحاد السوفيتي وقتها – للدراسة وكانت هذه أول غربةٍ له بعيدًا عن الوطن. كان طالبًا في معهد العلوم الاجتماعية يسكن في غرفة في مبنى جامعي؛ أقام في موسكو سنة واحدة وتعلم القليل من الروسية كي يستطيع الاندماج في البيئة هناك لكن اصطدم بمشكلات الروس يوميًا حتى فقد ثقته بالشيوعية، وسقطت موسكو من نظره من مدينة "الفردوس" – كما صورها الإعلام – ليراها على حقيقتها مدينة عادية يعاني أهلها من الحرمان والفقر ويعيشون في خوف!
المحطة الثانية: القاهرة (1972-1971): لم يتحمل محمود درويش الحياة في موسكو فقرر الذهاب للقاهرة وهناك اتخذ قرارًا صعبًا بعدم العودة لفلسطين. أحب العيش في القاهرة رغم بعده عن الوطن فهي على الأقل مدينة عربية بأسماء شوارع عربية وأناسٍ يتحدثون بالعربية، كما وجد نفسه بين الأدب المصري الخالص.
وعن هذا يقول: "وجدت نفسي أسكن النصوص الأدبية التي كنت أقرؤها وأعجب بها. فأنا أحد أبناء الثقافة المصرية تقريبًا والأدب المصري. التقيت بهؤلاء الكتّاب الذين كنت من قرائهم وكنت أعدّهم من آبائي الروحيين، التقيت محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ وسواهما، والتقيت كبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم. ولم ألتق بأم كلثوم وطه حسين، وكنت أحب اللقاء بهما".
عينه محمد حسنين هيكل في نادي كُتّاب الأهرام مع نجيب محفوظ ويوسف إدريس وعائشة عبد الرحمن في مكتب واحد، وبجانب توفيق الحكيم في مكتبٍ منفرد. فنشأت بينه وبينهم صداقة قوية. كانت القاهرة من أهم محطات حياته في تجربته الشعرية حيث صادق الشعراء الذين كان يحبهم وتربى على شعرهم أمثال صلاح عبد الصبور وأحمد حجازي وأمل دنقل والأبنودي.
المرحلة الثالثة: بيروت: (1982-1973): انتقل بعد ذلك لبيروت لتصبح ورشة أفكاره ومختبر تياراته الأدبية والفكرية والسياسية، ولسوء الحظ اندلعت الحرب الأهلية في لبنان بعد فترةٍ من انتقاله فصار الدم والقصف والموت والكراهية والقتال في لبنان ومات بعض أصدقاؤه هناك مثل غسان كنفاني، فتحول من الشعر العاشق الرومانسي لشعر الرثاء والأوطان.
بعد أن هدأت أوزار الحرب بقي في لبنان ولم يخرج منها كما خرج آخرون حتى احتلت إسرائيل لبنان – على خلاف ما توقع – فقضى أيامًا صعبة جدًا لا يعرف فيها أين ينام فكان ينام في مطعم حتى لا يقبض الإسرائيليون عليه حتى حدثت المجزرة الكبرى – مجزرة صبرا وشاتيلا – فأيقن أن وقت الهرب مرةً أخرى قد حان.
رتب الهرب عن طريق السفير الليبي في بيروت إلى الأشرفية ومنها إلى سورية ومنها إلى تونس ثم إلى باريس ليقضي هناك حوالي 10 سنوات على فترات متقطعة في الثمانينيات.
عمل هناك في منظمة التحرير الفلسطينية واستقال من اللجنة التنفيذية لها احتجاجًا على اتفاق أوسلو، ثم عام 1981 أسس مجلة الكرمل التي عمل على تحريرها وأكمل إصدارها حتى بعد سفره من لبنان، واستمر في ذلك حتى وفاته، وصدر منها 89 عددًا وخصصوا العدد التسعين لسيرته الذاتية بعد وفاته.
المحطة الرابعة: تونس وباريس (1994-1983): غادر محمود درويش لبنان إلى دمشق في سوريا كمرحلة مؤقتة في الطريق إلى تونس، ومنها ذهب إلى باريس ليعيش فيها عشر سنوات لكن على فترات متقطعة وليست متصلة حيث كان يسافر باستمرار، وهناك كانت ولادته الشعرية الحقيقية على حد قوله لجمالها الذي أتاح له فرصة للتأمل والنظر إلى الوطن والعالم والأشياء من خلال مسافة.
بعد ذلك في التسعينيات أصبحت العودة لرام الله متاحةً، فقرر العودة إليها لأنه لن يكون مرتاحًا في منفاه بأي شكل فاختار العودة إلى عمان لأنها قريبة من فلسطين ولأنها مدينة هادئة وشعبها طيب.
المرحلة الخامسة: العودة وعمان ورام الله (2008-1995): ذهب إلى عمان الأردنية عام 1995 ولم تختلف حياته فيها كثيرًا عن حياته في القاهرة وبيروت وباريس، وكان أبرز ما يميزها أنها كانت للعمل الجاد وخير دليل على ذلك أنه صدر له دواوين شعرية كثيرة في تلك الفترة.
شعره وأعماله:
بدأ محمود درويش الشعر في سن صغيرة فكانت أول قصائده وهو في المرحلة الابتدائية، وفي تلك الفترة في الوطن اتسم شعره بالتكون وبداية وعيه بقضية وطنه وانتمائه له تحت فبضة الاحتلال، واتسم عندها بالماركسية ومال للتيار الرومانسي في الشعر العربي المعاصر مقتديًا بشعراء أمثال نزار قباني، وكان نصه الشعري مباشرًا، حتى خرج ليعيش في القاهرة ومن ثم بيروت فبدأ شعره في أخذ طابع الثورية والاهتمام بالقومية العربية. ورويدًا رويدًا تطور أسلوبه فأخذ يستخدم دلالات شعرية أكثر واستخدم التاريخ والدين والأسطورة والأدب والحضارة أكثر من قبل بكثير.
ثم المرحلة الثالثة والأخيرة عندما بدأ في الدخول في مرحلة الوعي الممكن والحلم الإنساني – خاصة في باريس – بعدما فقد الأمل في القومية العربية بعد الخروج من لبنان والحرب الأهلية هناك فساعده ذلك على الانفصال تدريجيًا عن خطابه الأيدولوجي المباشر.
حصد محمود درويش بشعره الكثير والكثير من الجوائز مثل جائزة البحر المتوسط 1980 ودرع الثورة الفلسطينية 1981 ولوحة أوروبا للشعر 1981 وجائزة الآداب من وزارة الثقافة الفرنسية 1997 وغيرها الكثير.
والتاريخ يسخر من ضحاياه ومن أبطالهم.. يلقي عليهم نظرة ويمر.
في اللامبالاة فلسفة، إنها صفة من صفات الأمل.
لو عرفت أشجار الزيتون الأيادي التي زرعتها لأصبح زيتها دمعًا.
والتاريخ يسخر من ضحاياه ومن أبطالهم.. يلقي عليهم نظرة ويمر.
في اللامبالاة فلسفة، إنها صفة من صفات الأمل.
لو عرفت أشجار الزيتون الأيادي التي زرعتها لأصبح زيتها دمعًا.
والتاريخ يسخر من ضحاياه ومن أبطالهم.. يلقي عليهم نظرة ويمر.
تزوج من الكاتبة رنا قباني ولكنهما تطلقا؛ لاحقًا في منتصف الثمانينيات تزوج من حياة هيني وهي مترجمة مصرية. لم يرزق بأي أطفال من كلا الزواجين. أما من حيث ديانة محمود درويش ومعتقداته وطائفته الأصلية ، فقد ولد لعائلة مسلم
ذهب محمود درويش إلى مدينة هيوستن إلى مركز تكساس الطبي في الولايات المتحدة الأمريكية ليجري عملية القلب المفتوحة، فدخل بعدها في غيبوبة جعلت الأطباء هناك ينزعون أجهزة الإنعاش كما كان قد وصّاهم ليتوفى يوم السبت التاسع من آب/ أغسطس عام 2008 وليعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحداد ثلاثة أيام حزنًا على "شاعر فلسطين".
عاد جثمانه إلى الوطن – رام الله – في 13 آب/ أغسطس، ودُفن في قصر رام الله وأعيد تسميته ليكون "قصر محمود درويش للثقافة".
إضافة تعليق جديد