لفتت أنتباهي باحثة أنكليزية تنشغل بدراسة لها للحصول على درجة الدكتوراة حول " المجتمع المدني الليبي في الحقبة الايطالية - البريطانية - الملكية " وهي باحثة من أصول عربية تواصلت معي منذ أيام من لندن ، وفي حديث هاتفي مُطول بخصوص " نساء النهضة الليبية منذ 1911 ، وحراكهن المجتمعي المدني على مستوى ليبيا ، بما حاولتُ رصدهُ في كُتبي
: نساء خارج العزلة ، و ليبية في بلاد الانجليز خديجة عبد القادر ، وأول مذيعة تلفزيون عايده الكبتي ،ونساء الربيع العربي ،وكانت مقابلات سيروية مع بعضهن ( كنتُ قابلت الرائدة صالحة ظافر المدني رئيسة أول جمعية نسائية بطرابلس 1957 ، وسكرتيرة جمعية النهضة النسائية ببنغازي رائدة حراك التنمية الريفية عائشة زريق 1954، وخديجة عبد القادر التي أسست جمعيتها وسجلتها قانونيا بطرابلس 1962 ، بمساعدة شقيقها شاعر الشباب على صدقي عبد القادر، ووثقت ذلك ضمن ملاحق كتابها " المرأة والريف في ليبيا " أطروحتها التي أنجزتها بمعهد "تنمية المجتمع" بسرس لليان.مصر 1957.
ثم رحلتها الدراسية لعلم المكتبات بلندن.
ما لفت أنتباهي أشارتها وفي خضم ما واجهها من صعوبات بحثية الى ضعف ملحوظ بترجمة ما كُتب وطُبع ونُشر محليا عن (الاستعمار) في بلدان رزحت تحت وطأته كاليبيا مثلا ، حيث عدد من الكتاب الوطنيين أرخوا للمرحلة عبر عرض سيرتهم أثناءها ، أو منهم من قارب تلك المرحلة أو أحتفظ بوثائق تخص أحد أفراد عائلته أوأقاربه ما يرمي بظلاله على التاريخ السياسي والأقتصادي والاجتماعي لتلك الحقبة ، وترتب على الاقصاء والتغيب للترجمة عن العربية أن ظلت وجهة النظر الأحادية مُسيطرة وغالبة ، بل وأشارت لي الباحثة وعبر جهدها بخصوص سؤالها البحثي للدكتوراة الى معلومات رأت أنها مغلوطة وجرى تبنيها والأتكاء عليها وتثبِتها ، تكشف لها ذلك بما راجعته تاريخيا عن ليبيا ، و في رصدها وملاحقتها للأرشيف الايطالي، والانجليزي، والفرنسي، وبحكم أجادتها للعربية رأت أيضا أنهم (كدول مُستعمِرة ) ينبغي أن يروا صورتهم في عين الاخر من جهة ،وأيضا كونه يمثل زادا تاريخيا معرفيا لمرحلة تواجدوا فيها بأرض مستعمريهم ، فمن جملة ما جرى تداوله الصدى الذي تركهُ أفتتاح مؤسسات وتشغيل وتدريب مواطني البلد بعضه مثّل حالة تثاقف معرفي ، وبعضه جرى غصبا وإجبارا بما فيه من سيادة لغة الآخر في مقار التعليم وأضبارات المعاملات الاقتصادية ، الباحثة الأنكليزية فاجأتني بعتابها ونقدها الى تهميش تعلم اللغة العربية ، وعدم تخصيص دارسين وباحثين لترجمة حصيلة عربية مكتبية لأبأس بها فيما يتعلق بالتاريخ والتآريخ للمجتمعات المحلية التي جرى أستعمارُها .
وعن المجتمعات التي جرى أستعمارها سنتذكر أن الدراسات والبحوث الانثربولوجية في نهايات القرنين الثامن عشر وبدايات التاسع عشر التي جابت العديد من دول قارتي أفريقيا وأسيا قارب من بحث ودرس لغة بل ولهجات أهل تلك المُستعمرات ما تطلبته ضرورة البحث والتحليل ،وأسبق من ذلك كان التعليل لذلك الكم الذي شُرع بابه من المنتج الانثربولوجي هو التكشف القريب لمجتمع المُستعمَر (نحن ) قصد أصدار الأحكام القيمية ،ولكيفية التعامل معه (معنا ) ، هذا المُعطى التعليلي الإستعماري أنتهى فور انقشاع حُجب تلك الحقبة إذ نالت عديد الدول أستقلالها أو غادر طوعا من استعمرها ، فلم نعد مجتمعات يرغب مُستعمرُنا بالتعرف علينا عن قرب كما جرى وكان حد الأنبهار بما لدينا من ثقافة وتقاليد وطقوس وفنون تُمارس ! ، بل تم وضعنا تحت مسميات كالعالم الثالث ، و ورثة التخلف والجهل.
سينجو الأدب لاحقا من قصة ورواية الى حد ما من ذلك التعميم فألف ليلة وليلة الذي تلاحقت تراجمها، وبعض من روايات عربية – أفريقية أستحقت أن تخترق جدار مُمانعة الآخر وأقصاءه لمشروع الترجمة ، وفرضت نفسها على خارطة الأدب والثقافة العالمية ، مؤخرا جرى تداول خبر عن نشاط "ترجمة" من العربية الى اللغتين الانجليزية والفرنسية لمختارات من الكتب الدينية التراثية فهل هي من لزوم التماهي القصدي فقط مع مرحلة فوبيا الأسلام ، كما وكانت أنثربولوجيا المُستعمرات .
إضافة تعليق جديد