شاع على ألسنة المعاصرين قولهم في مقام الثناء على المولى عزَّ وجلَّ: (ونعم بالله!)، وغالبًا تكون هذه العبارة ردًّا على من أثنى على الله -سبحانه- وأحسن به الظنَّ -تقدست أسماؤه- وكان المتكلم بها يؤكد ما ذكره محاوره؛ كأن أقول لصاحبي: (إن الله -سبحانه- بعباده رؤوف رحيم، وإنه سيرفع الوباء، والغلاء، ويكفُّ بأس الأعداء من الغرباء وذوي النُّفَقاء)؛ فيؤكد صاحبي قولي بتلك العبارة، التي هي على الموافقة أمارة؛ قائلًا (ونعم بالله!).
لكن تكلم من تكلم بالتخطئة لغةً وشرعًا، وأنه لا يجوز تزكية العبد ربَّه، وأن الله يزكي من يشاء، لكن المقام للمدح والثناء؛ وهو -سبحانه- بذلك جدير مستحق؛ فله العزة والكبرياء...
وعلاوة على ما سبق فإن الباء تُزاد في فاعل المدح والذم وأساليب أخرى تدور في هذا الفلك؛ فيقولون: (كفى بزيد عالِمًا)، و(نعم بزيدٍ رجلًا)، على ما حكاه ثعلب عن العرب، وكما زيدت في المبتدأ؛ كما ورد في قول النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه أحمد ومسلم: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ»؛ فـ(الباء) حرف جر زائد، و(حسب) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة التي منع من ظهورها التعذر بسبب اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد؛ وهي الكسرة، و(من الشر) جار ومجرور متعلق بحسب، و(أن يحقر) مصدر مؤول أو منصهر أو قل: هو سبيكة من سابك ومسبوك في محل رفع خبر...
ومن ثم فإن قولنا: (ونعم بالله!) هو من فصيح الكلام، ومن الأساليب العربية الأصيلة التي تكلمت بها العرب منذ عصورها الأولى، بل إن زيادة الباء في فاعل (نعم) أضفت على الأسلوب توكيدًا وتقوية لا يستفادان عند التجرد منها؛ فإن سائل سائل عن التمييز، قلتُ إنما هو محذوف تنزيهًا عن العبث، بالاستناد إلى ذكره لفظًا أو ضمنًا في كلام سابق؛ فإن قلت مثلا: (سينصر الله المؤمنين)، فيكون قولنا: (ونعم بالله) تقديره: (ونعم بالله ناصرًا)... هذا الذي بدا لي بحسب رؤيتي جانبًا من الحقيقة؛ تلك الحقيقة التي لا أزعم امتلاكها، بل كل يؤخذ منه ويُرَدّ عليه، ودائمًا أعتقد وأعتنق أن رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، على أن من جاءنا بأحسن مما جئنا به، قبلناه منه شاكرين... وآخر دعوانا أن الحمد لله الكبير المتعال، والصلاة والسلام على النبي المِفضال، كامل الشمائل والخصال، عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الطاعة والامتثال..
يَا رَبِّ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ
مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا سَنَا الْإِصْبَاحِ
وَاغْفِرْ لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ سَائِلًا
سَترَ الْعُيُوبِ لِـ(أَيْمَنٍ) بِصَلَاحِ
إضافة تعليق جديد