في ظل ما يشهده العالم من كوراث وأزمات أصبحت المنظمات والهيئات المحلية والمؤسسات بحاجة أن تضع جُل اهتمامها على تطوير استراتيجيات مستشرقة لتحقيق الميزة التنافسية في العمل الحكومي أو العمل الخدمي، والمورد الأساسي لتحقيق ذلك هو الموارد البشرية، التي تبذل جهدها لتحقيق الأهداف، والتي بحاجة لإدارة على مستوى عالِ من الكفاءة والمهارة والإنسانية ولديها المقدرة على ضبط زمام الأمور والتكيف مع المتغيرات والمؤثرات الخارجية والداخلية.
إدارة الموارد البشرية دائما تُمثل حلقة الوصل بين الموظفين والإدارة العليا داخل أي شركة أو المنظمة ودورها الأكبر في تحقيق أهداف جميع الأطراف داخل المؤسسة ويظهر هذا الدور بوضوح أكثر في أوقات الأزمات، حيث تُعتبر إدارة الموارد البشرية عضواً فاعلاً في الإدارة العليا تساهم في اتخاذ القرارات الإستراتيجية في المنظمة أو المؤسسة.(السالم،2014،ص14)
فعند بدء الأزمات تنهال الضغط على إدارة الموارد البشرية لتنظيم العمل وإدارة الموظفين بطريقة جديدة، وتوفير أدوات لتيسير مرونة العمل المؤسسي والتأكد أن الموظفين لديهم القدرة على التكيف والإلتزام والإنجاز لضمان الاستدامة.
وتأتي أهمية دور إدارة الموارد البشرية في نجاح المنظمة بشكل عام، حيث شكل دور الإدارة فارق كبير في الأداء وسمعة المنظمة على جميع المستويات، فأصبحت المنظمات التي تهتم بالمورد البشري من خلال تفعيل والإستثمار في أدوار الموارد البشرية تملك مؤشرات نجاح عديدة، وذلك من خلال قدرتها على استقطاب الكفاءات والحفاظ عليهم، وتوفير بيئة عمل محفزة للإبداع والإبتكار مما ساهم في تطوير العمليات وزيادة الإيرادات، وأيضا ارتباط استراتيجية إدارة الموارد البشرية بأهداف المنظمة ساهم في توجيه جميع القدرات والإمكانيات البشرية إلى أهداف واضحة ومحددة تُعنى بتحقيق استراتيجية المنظمة، ولعل أبرز ما نحتاجه اليوم هو تحديد الأولويات بما يتعلق بالموارد البشرية كالتحلي في مرونتها وتعزيز مبدأ المورد البشري المرن فكراً وثقافة وممارسة، ورسم سيناريوهات متعددة لمستقبل الموارد البشرية وتصميمها لتُعزز الأمان الوظيفي في ظل الأزمات والكوارث، لتعزيز استمرارية الموارد البشرية لأعمالهم بالإضافة إلى توفير منهجيات واضحة لقياس الكفاءة.
وتُعتبر الأزمات تحدِ حقيقي ليس لإدارة الموارد البشرية فقط، وإنما لجميع الإدارات والقيادات لممارسة دورهم بشكل فعال، وإيجاد ممارسات مبتكرة لتخفيف الأثر المالي، والحرص كذلك على دفع عملية التشغيل بأقصى قدرة ممكنة بما يتماشى مع الطلب والحفاظ على أقل معدلات التكلفة خلال تلك الازمات. (بشير،2016،ص38)
لعل أهم تحدِ يواجه الشركات والمنظمات هو اتخاذ القرار بالنسبة للعمالة والرواتب، فالمنظمات وجدت نفسها فجأة في محل اتخاذ القرار بشأن الإبقاء على الموظف أو التخلي عن خدماته في ظل توقف المدخول المعتاد للشركة وتوقف الإنتاجية وأنشطتها، فتصبح الشركة حيرة بين أمرين إما الموظف واما الشركة.
لذلك حظيت إدارة الموارد البشرية وفاعلية إدارة الأزمات بأهمية كبيرة نظراً للدور الأولي في قيادة الأفراد العاملين بوصفهم عناصر أساسية لعمل المنظمة، وبذلك تؤدي إدارة الموارد البشرية دوراً استراتيجياً لها، وبالنسبة لفاعلية إدارة الأزمات ازدادت أهميتها لكونها الإدارة المسؤولة عن التدبير الإحتياطي المخطط له مسبقا وقدرة الإستجابة السريعة للمنظمات التي يجب أن تدعم من القيادة وإدارة المعلومات والقدرات في مجال الإتصالات لتمكين المنظمة من اتخاذ قرار سريع على المستوى الإستراتيجي ضمن بيئة المنظمة ومن ثم السماح بالإنتعاش وحماية سمعة المنظمة، للوصول إلى مرحلة الترابط والتكامل بين الإدارتين للتمكُن من البقاء والإستمرار.
فإدارة الأزمات أسلوب للسيطرة من خلال رفع كفاءة وقدرة نظام صنع القرارات سواء على المستوى الجماعي أو الفردي للتغلب على مقومات الآلية البيروقراطية الثقيلة التي قد تعجز عن مواجهة الأحداث والمتغيرات المتلاحقة وإخراج المنظمة من حالة الترهل والإسترخاء التي هي عليها، وهذا الفن بحاجة لمدير إدارة الموارد البشرية ليُقدم النصيحة والمشورة ويضع السياسات اللازمة خلال فترة الأزمات.(الزبيدي، واخرون، 2018، ص68).
كثير من الممارسات الخاطئة تم اتباعها من بعض المؤسسات والبلديات والهيئات حال حدوث الأزمات من خلال تسريح مئات الموظفين دون التريث والبحث والإطلاع وإيجاد حلول بديلة مؤقتة، وكثير منهم خسروا أفضل كفاءاتهم قبل صدور قرارات من قبل إدارة الموارد البشرية والتي دعمت مبادرات مختلفة تُخفف من أثر العبء المالي، ولم تكن تلك المنظمات تعمل بما يسمى إدارة الموارد البشرية كدور استراتيجي وحيوي خلال الأزمات والوصول إلى حلول مرضية للجميع من خلال وسائل تُحقق الأمان الوظيفي للموظفين، كما أن لثقافة المنظمة وقيمها ما يُحدد الاجراءات وقت الأزمات كونها تنظر للموظف على أنه ترس للعملية الإنتاجية يمكن التخلي عنه خلال الأزمات وليس كشريك في العمل وجزء من أسرة العمل، ولم يكن لمدير إدارة الموارد البشرية دوراً بارزاً في إيجاد حلول أثناء الأزمات، الأمر الذي يجعل من مدير الموارد البشرية أن يضع تصوراً واضحاً لإيجاد حلول جذرية بدل الإستغناء عن الموظفين في حال الأزمات.
فالإدارة الرشيدة للموارد البشرية تكون أكثر قدرة على إدارة الأزمات، حيث أن ممارسات إدارة الموارد البشرية لها دور جوهري في إدارة الأزمات من حيث اختيار المهرة والذين يُخططون بشكل مسبق لأي أزمة قد تحدث مستقبلا.
وتدريب الموارد البشرية وسرعة قرار الإستجابة يُعطي قدرة على اتخاذ قرار سريع وهادف أثناء الأزمات، وتحفيز العاملين اثناء الازمات يُساهم في حشد الموارد للمصلحة العامة من خلال الحوافز المادية أو المعنوية وهذا الحشد وتعبئة الموارد يُساهم في تقليص مضار الأزمات، وهناك ثلاث أولويات تعمل عليها إدارة الموارد البشرية خلال الأزمات وهي صحة وسلامة الموظفين، وإدارة العمل عن بُعد واستمراية الأعمال دون توقف، وأظهرت النتائج أن أهم ثلاث مخاوف يواجهها الموظفين خلال الأزمات وهي الأمان الوظيفي، والصحة والسلامة، والعائلة.
وإدارة الموارد البشرية لها دور في أوقات الأزمات حيث يبدأ الموظفين بالعمل بعزيمة أكبر دون تسريح أو فصل أحد، كون الدور الذي عملت به إدارة الموارد البشرية كحلقة وصل بين الإدارة والعاملين والتي عملت على توفير بيئة عمل مناسبة وضمان حقوقهم، من المهم أن يبدع مدير الموارد البشرية مع الإدارة العليا في إدارة الأزمة بمهنية واحترافية وعقلية واعية، حيث أن هناك الكثير من الفرص التي يمكن أن تبني ثقة الجماهير بالمنظمات والهيئات المحلية والمؤسسات بعد انتهاء الأزمات.
ختاماً: الإدارة الرشيدة للأزمة يمكن أن تحول التغييرات التي تصاحب الأزمات إلى صالح المنظمة من خلال الإستثمار الأمثل للتغييرات وبما يخدم المنظمة.
المراجع:
• السالم، مؤيد،(2014)،" إدارة الموارد البشرية : مدخل استراتيجي تكاملي"، إثراء للنشر والتوزيع، عمان، الاردن.
• الزبيدي، غني، الزيدي، ناظم، عباس، حسين،(2018)، ادارة الموارد البشرية: مفاهيم وتوجهات معاصرة، الطبعة الأولى، دار الحامد للنشر والتوزيع، عمان ، الأردن.
• بشير، سهير،(2016)،" التخطيط الإستراتيجي وأثره على إدارة الأزمات"، الطبعة الأولى، دار الجندي للنشر والتوزيع، القدس، فلسطين.
• محاضرات الدكتور عطية مصلح، دراسات عليا، جامعة القدس المفتوحة
إضافة تعليق جديد