لصون كرامة أبناء الشعب الفلسطيني وحماية حقوقه الوطنية انطلقت الثورة المعاصرة برائدتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، الثورة التي غدت قاعدةً للهوية والثقافة اللتّا صاغتا الشخصية النضالية، واستندتا لجملة من القيم والمبادئ من معاناة الفلسطيني كانت قد نُسِجّتْ، وكفلت له الثبات والتقدم في مساره الكفاحي. التلازم بين الوطني والاجتماعي كان أهم ما اتسمت به الثورة، تَجسّد من خلال الأدوار التي أُنيطَت لأطر ومؤسسات متخصصة اجتمعت داخل المظلة الجامِعة وبفصائلها تَركّزَت مهاماً، وبالعودة للغاية الأساس كانت كرامة الفرد هي الهدف الذي سيمهد لكل توجهٍ وفعلٍ وطني وبكافة المراحل. وعليها تّشكّلَ السلوك القيادي المنشود والذي استوجَبَ منطلقاتٍ محددة تُمَكِّن من التعامل والتواصل مع الجماهير المُثقَلة معاناة وبكافة المناحي.
وهنا؛ لا مَفرّ من الوقوف أمام استحقاقات المراحل المُتعاقِبة في المسار النضالي الممتد، حيث الميادين والتحديات والأدوات بل التوجهات تختلف من مرحلة لأخرى، الثابت أن الوجهة واحدة ألا وهي الحق في تقرير المصير والوجود على الأرض العربية الفلسطينية. الحال الذي يعانيه الفلسطيني منذ ما يُقارب العقدين فالاشتباك مع الاحتلال وقواه الحليفة تطوّر وتكثّف بمستوياتٍ عديدة، وبجبهاتٍ شكلت أمام الإرادة الوطنية في بعض الأحيان عقباتٍ مصيرية كادت أن تحرف المسار وتنال من عدالة القضية الفلسطينية. هذا ما طفى مؤخراً على سطح المشهد المرتبط بالإجراء الديمقراطي (الانتخابات التشريعية)، والذي تجسد بدينامية أظهرها الشعب الفلسطيني بمكوناته، على اختلاف أدوارها وحتى أماكن تواجدها، لكّن الهدف - وإن كان في صيغته الشعاراتية واحد - لا يشترك لدى الكُل سواء كان جماعاتٍ أو أفراد. لتبرز المعضلة التحدي المرتبطة بمسألة الانتخابات وبمراحلها الثلاث حسبما أُقِرّ في المرسوم الرئاسي الخاص بإجرائها.
البعض العالق بأثلامٍ أصابت رائدة النضال الوطني وصانعة الوطنية الفلسطينية "فتح" وجد من معضلة الإنتخابات التشريعية مخرجاً له، لمساعيه الذاتية أو حتى تلك المرتبطة لدى نفرٍ معين بمشاريعٍ تتنافى والصالح الوطني العام، بل تصب في صالح أعداء الشعب بالنتيجة. هذا البعض؛ الذي يتفنن في استعداء الجماهير متوهماً (انطلاقاً مما منحته إياه الصدفة موقعاً) أن المقدرات الوطنية هي قوة مُسَخّرة ستكفل له الحماية من المواقِف المُرتدّة، تحديداً من قواعد "فتح" التي تشعر بازدراء دورها الأساس الذي أسهم في تنصيب هذا البعض وائتمانه لموقعٍ قياديّ (صغير)، وكان قد مَهَرَ أيضاً في تأزيم المواقف مع الأشقاء منطلقاً من ذات النزعات الذاتية وبسليط اللغة التي تتوازى ومركبات الشخصية النضالية والسلوك القيادي، رغم كونه لم يُولّد قائداً ولم يكُن من مؤسسي "فتح" أو رعيلها الأول أو حتى قياداتها التاريخيّن.
كما أن هذا البعض اعتقدَ امتلاك القوة بوهم التحالف مع مَنْ تلطّخَت أيديهم بدماء أبناء حركة "فتح" وكوادر المؤسسات الوطنية، مُتناسياً أنّ هؤلاء لا يمكن بحالٍ من الأحوال ائتمان جانبهم، كونهم لن يمسوا بمحددٍ هام في عقيدتهم ألا وهو الانخراط في العملية الديمقراطية لمرة واحدة فقط، وعدم التنازل عما يشكل حسب منهجهم مكتسب مُحرم التفريط فيه. أم أن هذا البعض مُنشد الزعامةِ يجهد بتناسي ما استمر سلوكاً ومعتقداً لدى تلك الجماعة ومنذ ما يُقارب الخمسة عشر عاماً، تحديداً منذ "اتفاق مكة" الذي أثبتَ أنها كلما عاهدت عهداً نقضه فريقاً منها.
تغدو معضلة الانتخابات التشريعية سلاحاً ذو حدّين للمكونات على اختلافها؛ بل نجد أن الأزمة التي اكتنفتها مشهداً محموماً تمنح "فتح" فرصةً تاريخية لتصويب مسارها (الداخليّ تحديداً)، حيث المرحلة تقتضي إعادة هؤلاء (البعض) لأحجامهم الطبيعية، كونهم توهموا في صمت أبناء الحركة العجز! ولم يدركوا الحكمة مُنطلق صمتهم حيثُ اجترحوها صبراً للصالح الوطني العام. وعليه؛ فالحركة مُطالبة اليوم بصياغة رؤية سياسية محددة الوجهة وموحدة سلوكاً وموقفاً وبرامجا، بحيث تقطع على هذا البعض وممارساته الخارجة عن أدبيات ومبادئ الحركة والفهم الوطني الطريق، فشخوصٍ مُتَزعِّمة تتعظّم الذات لديها ستنبري للخراب معاولاً، وبكرامة الأعضاء والجماهير لن تأبه
إضافة تعليق جديد