الدكتور جمال أبو نحل يكتب : الَرِضَا، والغَضَب

مقالات عامة
الكاتب: 

الدكتور جمال أبو نحل

كاتب، باحث، مفكر ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسطين، والعرب
الأربعاء, أغسطس 4, 2021 - 00

مَعلومٌ أن القناعة كنزٌ لا يفنى، وأن الرضا بالقضاء، والقدَّرَ من مقُتضيات أركان الإيمان، فَعلينا جميعًا الرضا بالقليل، وتَقَّبُل نوائِّب الزمان بالصبرٍ الجميل، والاستعداد ليوم الرحيل، وتضَّميِد الجراح رغم الأنين، وجَور المُحَتَلِين، والَذيِن هُم كالداءِ العُضال؛؛ وعلينا السعي الحثيث لَنكون مِن الفائزين المُقربين الأبطَال، وذلك من خلال الابتعَاد عن السَخطِ، والعِناد وعن أهلِ الَباطِل والبَطَال؛ وأن نكون بين الناس كالزاهدِ العابِد العامِل المُحتَسِب المِفضَال وذلك للحِاق بركب الصالحين ممن عملوا الصالحات من الأولين الذين رضي الله عنهُم ورضوا عنه. وإن النَاظِّر المُتبصِّر لأغلب حال الناس اليوم يجد حال أغلبهم يدُور ما بين ناقمٍ، غير راضٍ، ومُتأفّفٍ، وما بين عَفَيِفٍ، ومُتَعففِ، وغاضبٍ، وغَاصِبَ، وشقي، وسعيد، وزاهدٍ، ومُجَاهِدٍ لليهُود، وما بين غنيٍ، وفقير، وكبيرٍ، وصغير، وكثيرٍ، وقليل، وفتيلٍ، وقِطَّميِر، والدُنيا خافضةٌ، ورافعة، وتدور بين العباد؛ والله عز وجل يُعزٍ، من يشاءُ ويذُل من يشاء؛ بيدهِ الخير، وهو على كل شيء قدير؛ يقلب الليل، والنهار؛ ولن يكون في ملك الله إلا ما أراد، وما يريد، وكُن فَيكُون. وأما  نحن بني أدم فمِنا من يعيش في زهوٌ، وغرور، وأخر يعيش بين سرور، وشرور؛ وفي الدُنيا من هو  ذو  ودٍ  ووردٍ، وورودٍ، ودَودٌ متُودِدَ، وزادٍ، وزواد وعَدٌ، وعُودٌ، ووعُودٌ، وعهُود، وعتاد، وحَدٌ، وسيفٌ، ومزادٍ، وسيدٌ، وعبدٌ، وسؤُدد، وأُسَّدٌ، وَكدٌ، وكَبدٌ، ونَصَبٌ، وتَوَكيَد، وجزرٍ، ومَد، وقَريبٌ، وبَعيِد، ويمتد هذا الحال في الناس حتي يوم الخُلود، والعرض يوم الوعيد الشديد. والمحُزن في زماننا هذا  أن بعض العِباد ليس عندهم رضا فلا الغني رضَيَان، ومُكتفي، وشَبَعان، ولا  الفقير الجوَعان رضَيان، والكلُ في الضجَر، والغضب سَيَان في هذا الزمان، وإن اختلف المكان، وتغيرت، وتبدلت الأركان؛ فلو سألت الناجح تجدهُ غضبان!! ولماذا أنت غضبان؟ "يا أيهُا الإنسان ما غرك بربك الكريم"، فالبعض يقول: "المفروض أنني حَصلتُ على علاماتً أفضل"!؛ ولو نظرت في حال من لم ينجح كذلك سَاخِطٌ، زعَلان، وأما من يملك العمران كذلك غير قنعان، ويقول هل من مَزيد!؛ ولا يملأ عين ابن أدم إلا التراب، فلو كان له وادٍ من ذهب لتمني أن يكون له وادٍ ثاني!؛ ولو رضي الانسان بما قسمه الله له، وقال الحمد لله، لكان أغني الناس، وأسعد الناس، وتري حال بعض الناس رغم أنهُ يجد قوت يومه، ويصبح أمنًا في سربهِ، ومعافى في جسدهِ لكنه سخطان، وغضبان، وغير راضِ، وكذلك من له وظيفة صغيرة مًتأفف ساخط يقول المفروض أنا مكاني في الوظيفة الكبيرة الأخرى الأكثر راتبًا، ومكانةً!؛ وبعضًا مِمن له أولاد يقول ليثني أجد من يأخذهم مني، وأما من لا يُنَجِب يُنفق ما تحتهُ، وما فوقهُ لكي يُرزق بِطفلٍ، ومن يعيش خارج الأوطان في بلاد الغربة بأوروبا يرجو أن يعيد لِيقُبل تراب الوطن؛ وبعض من في الوطن العربي يسعي بِقدهِ، وقديده، وينفق الغالي، والنفيس من أجل الهجرة للخارج للعمل أو اللجوء، سعيًا لِكسب المال خارج الوطن؛ وعلى هذا النحو نقوم بالقياس، والتقويم، على مئات الأمور المُتشابهة فنُلاحظ حينها العجب العُجاب من البشر فأغلبهم لديهِ عدم القناعة والرضا، ولقد نسى أكثر الناس النعم الكثيرة التي لا تُعد، ولا تُحصي، وحتي إن كان فقيرًا، وبالكاد يجد قوت يومه، ولكن الله أنعم عليه بالصحة، والعافية، فلا يصحو من نومه لَيَجِد نفسه نائم على سرير المرض في المستشفى، يغسل الكلى، أو مشلول، الخ...؛ فالكمال لله وحدهُ، فمن يملك المال قد لا يملك الصحة، والأولاد، والعكس صحيح، والمتزوج يرجو الزواج بأخري، وإن لم يصرح بذلك لكن قلب الرجل يعشق، ويحب ذلك من غير أن يُصرح خوفاُ من غضب، وسخط زوجته الأولي عليه؛ وأما الشاب الأعزب والفتاة العزباء يرجون أن يتزوجوا، ومن ليس له عمل يرجو أن يجد أي عمل لو عتال؛ ومن يعمل عتال تجدهُ غضبان يقول حظي عيان، وتَعَبان، وصدق الله العظيم القائل:" وقليلٌ من عبادي الشكُور"، فعلينا جميعًا أن نرضي بما قسمهً الله لنا لنكون أغني الناس؛ فنعمة الستر، والرضا نعمة كبيرة تستوجب الحمد، والشكر، لأنهُ مهما ضاقت عليكم الأيام، وضغطكم الزمان، وكنتم كالأيتام على موائد اللئام، فاعملوا أن الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومَنْزِلُ تَرَحٍ لا مَنْزِلُ فَرَحٍ، وكما قال الأمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه:" الراحة حينما تضع أول قدم في الجنة، فعلينا الرضا بالقليل، ومن رضي فله الرضا، ومن سخط فلهُ السخط؛؛ "وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو  وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون"؛ ومختصر الحياة في قوله تعالى: "  اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ، وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ، وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ"؛ جلعنا الله وإياكم من الراضين بقضاء الله عز  وجل.

   
 الباحث، والكاتب الصحفي، والمفكر العربي الإسلامي، والمحلل السياسي
الأديب الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر/ محمد عبد الله  أبو  نحل
عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر، رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين