سياق مختلف عن سابقيه بدأ يتبلور في العداء المباشر لمصر منذ خريف السنة الماضية، عطل بعض مراحله انتشار جائحة كورونا في العالم وانكفاء دول العدوان على اوضاعها الداخلية المتعثرة اصلا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
هذا السياق كان يراد منه انهاك العمود الفقري لمنظومة الدفاع الاكثر تماسكاً في المنطقة، والتي تحملت إفشال الحلقة الاخطر في "مشروع الربيع العربي " الذي كان يهدف اساساً لتفتيت هذه المنظومة تمهيداً لتقسيم مصر واعادة رسم خريطتها بطريقة عجائبية تتحول فيها الحرب الاهلية إلى اشتباكات يومية بين قرى متناثرة في جنوب وشرق ووسط مصر على خلفية حقد لا يمكن فهمه ضد المسيحيين فيها.
بعد فشل سياسة التركيع والتجويع ونجاح الخروج من قبضة التبعية الاستهلاكية التي أغرقت بها مصر منذ سياسة الانفتاح في النصف الثاني لسنوات السبعينيات، ونجاح استعادة قوة الانتاج الوطني وتوازن الاقتصاد الذي كان يتم افلاسه بشكل ممنهج عبر ما يسمى بسياسات الدعم، صار التقييم العدائي لمصر يتمحور حول سؤال واحد كيف يمكن انهاك التجربة تمهيدا لإفشالها.
مع فشل مشاريع التحالف التركي القطري لتفتيت سوريا وتسليمها لجماعة الاخوان والعصابات الارهابية المتحالفة معها وانكسار مشروع الدولة الاسلامية الفلسطينية في غزة لتكون مبرراً لتمرير مشروع يهودية الدولة التي طرحه رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو وتبناه الرئيس الامريكي ترامب، وانهيار مشروعهم في مصر، كان لا بد من كسر العمود الفقري المقاوم لهذا المشروع، والذي شكل الدافع الاول لصمود الكثيرين في مواجهته، وباعتراف الكثيرين فقد كان سقوط مصر سيفتح الباب لسقوط كل احجار الشطرنج تباعاً وبسرعة قياسية ويحقق لمشروع تدمير المنطقة واعادة تفتيتها ما قد يفوق احلام وقدرات من توهم بوضع نظرية الفوضى الهدامة.
محاولات استهداف التجربة المصرية الجديدة لم يتوقف منذ بدايتها، لكن سرعة هذا الاستهداف تتسارع مع تقدم نجاحها وخروجها من الوضع الداخلي الى التأثير الاقليمي والدولي، فقد كان المطلوب انكفاء مصر على ازماتها ودخولها في مرحلة فوضى ليسهل التفرغ لإعادة هندسة خريطة المنطقة بما يضمن تفوقاً جغرافياً وعسكرياً لإسرائيل في المنطقة بحيث تتحول للاعب الأكبر والمحدد لأدوار حكام الطوائف المتصارعين في المنطقة واللاهثين للفوز برضاها لضمان بقائهم.
بعد فشل الاستنزاف للجهد العسكري المصري في سيناء عبر الجماعات الارهابية التي مولت وصرف عليها الكثير وخاصة من قبل القطريين وبرعاية إسرائيلية لا تخفى عن أعين أحد وتواطأ من حماس في غزة تحول مخطط السعي لضرب مصر واعادتها لسياسة الانكفاء الداخلي التي شكلت حجر الزاوية في سياسة الرئيس الاسبق محمد حسني مبارك، الى مشروع تشارك فيه اطراف اقليمية ويهدف لتنويع مصادر الازمات لتشتيت الجهد السياسي والعسكري والامني المصري لحرمانها من جني ثمار النجاح الاقتصادي الذي بدأ يعطي ثماره بشكل واضح، رغم أن الكثيرين اعتبروه مغامرة غير محسوبة العواقب لكن التحدي كان خياراً لابد منه لكسر حاجز الصورة النمطية للواقع الاقتصادي الذي يعمق الفقر ويعطل التنمية.
الاشتباك الاول الذي سعت اطراف عربية واقليمية وبوساطة إسرائيلية لكي يكون المنهك الاول لمصر وسبب أزماتها القادمة تمحور في دعم ومساندة الموقف الاثيوبي في قضية تقاسم مياه النيل وما سمي بسد النهضة، والملاحظ ان قطر وتركيا وعبر البوابة الاسرائيلية الواسعة في علاقاتها مع اديس ابابا، شكلوا سنداً استراتيجياً لها ضد مصر والتواجد التركي في منطقة القرن الافريقي له هدف واحد هو السعي لمحاصرة مصر وخلق تحالف عدائي ضدها يمتد من الصومال وصولاً الى اثيوبيا لمحاولة جر المنطقة لصراع مسلح يستنزف القدرات العسكرية والاقتصادية المصرية.
الاشتباك الثاني تلخص في اعادة فتح جبهة استنزاف جديدة في حدود مصر الغربية مع ليبيا بعد نجاحات مصر في تصفية أهم بؤر الاهاب ضدها السنة الماضية بالقضاء على تنظيم المرابطون وزعيمه هشام عشماوي ومساعديه، وعبر تبرير التدخل التركي في الغرب الليبي وبدعم قطري يسدد تكاليفه، بدأت التحضيرات لتحويل ليبيا مجدداً لساحة سيتم من خلالها وعبر المرتزقة السوريين والارهابيين الذين تم نقلهم الى ليبيا عبر تركيا السعي لاستنزاف الجيش المصري كخطوة اولى قبل نقل جزء من المعركة بعد ذلك إلى داخل الاراضي المصرية بعمليات ارهابية تزعزع الامن وتعيد حالة الخوف والرهبة من قدرة هؤلاء الجماعات على الفعل وضرب الاستقرار زعزعته.
ودون مقدمات عادت جبهة سيناء للاشتعال مجدداً بعد هدوء شهدته لفترة طويلة مما يمهد لكي يتم تكرار سيناريو استنزاف الجيش المصري عبر العمليات الارهابية ويدفع لتشتيت الجهد العسكري نحو جبهة الشرق مجدداً، وهذا يوضح أن اطراف المخطط تستشعر الخطر من استعادة مصر لزمام قدرة الفعل في المنطقة مما يعني تحجيم ادوارها ووجودها، ويبقى التساؤل الأهم البعيد عن البطولات الاعلامية أين وكيف سيكون الفعل المصري في مواجهة هذه التحديات بعيداً عن ردود الفعل التي يراد جرها لها لإفقادها المبادرة في مواجهة هذه التحديات.
إضافة تعليق جديد