•• الله خلق في نفس الإنسان كل شيء من أركان الخير وكل شيء من أركان الشر .. فجور النفس يضر بصاحبها وبالآخرين وخيرها ينفع صاحبها وينفع الآخرين .. الله لم يكن ليحاسبنا لو لم يمنحنا حرية الاختيار بين ما يرضيه منا وما يغضبه علينا.. وقبل الحساب خلق فينا العقل والقلب اللذان يميزان ويفرقان بين أسباب الخير وأسباب الشر . لذلك قال تعالى : أفلا تعلمون ..أفلا تعقلون.. أفلا تتفكرون أفلا تبصرون .
● فيما اتصور :
•• عندما اختل التوازن النفسي داخل الجاني محمد عادل؛ تساوت عنده كل الأشياء في الوعي وفي اللاوعي، وتحولت كل القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية إلى ضباب بل وسراب لا وجود لها عنده !
••محمد شاب نشأ يتيم الأب أصبح لديه نقص مهم في تكوينه النفسي منذ طفولته.. انعكس هذا الحرمان بكل سلبياته على تكوين شخصية الجاني، استطاع أن يكمل هذا النقص وهذا العجز بالاجتهاد في "الدراسة" حتى أصبح من المتفوقين بشهادة أساتذته وزملائه .. تفوقه لم يأت من خلال ذكاء فريد بل من خلال بذل جهد كبير ومقصود ليحقق لنفسه صفة وحالة من التميز ليقهر من خلالها إحساسه باليتم وشعوره بالنقص والدونية .. استمر هكذا يستشعر الفخر والتميز والانبهار والغرور في محاولة منه لإرضاء ذاته ووضع قدمه على طريق "مستقبل واعد" .. حتى أنه كان يتباهى وسط زملائه بما لديه من أبحاث متميزة وإلمام كامل بمواد الدراسة، في حين هم في نظره أغبياء وفشلة رغم حياتهم الطبيعية في كنف أُسَرٍ مكتملة ومنسجمة بوجود الوالدين معا، وربما كان من بين زملائه أبناء لأسر ثرية ..
•• عاش الشاب محمد عادل في هذا الدور وتقمص شخصية الطالب المتفوق دراسيا الذي لا يدانيه أحد !.. إلى أن صادفته زميلته (نيرة) فأعجب بها أيما إعجاب.. وكانت أسبابه في ممارسة هذا الإعجاب والغوص فيه والتقدم هو مساعدتها في الدراسة والأبحاث في فترة انتشار ( كورونا) فهذه قدراته وتلك امكاناته الوحيدة التي تصور أنها المفتاح السحري لقلب نيرة وكل نيرة !..
•• كانت المجني عليها نيرة أشرف هي الفتاة التي أُعجب بها محمد عادل وبجمالها وبراءتها، خاصة عندما علم أنها تنتمي لأسرة متوسطة الحال فازداد تمسكه بها.. ولأنه كان يعلم أن الأسر الغنية لن ترضى به زوجا لابنتهم .. فلا يعنيهم تفوقه الدراسي في شيء ! لكنه لم يكن يعلم أن نيرة وأسرتها لن يقبلوا به ايضا !..
••عندما تجرأ وذهب لخطبة نيرة كان الجواب بالرفض --وهذا أبسط حقوقها وحقوق والدها ولي أمرها -- .. محمد ذهب لخطبة نيرة وحده وهو متوهم القبول بلا شروط !!.. لكن عندما قوبل بالرفض شعرت نفسه بالإهانة والاستهتار به وبطلبه من أهل نيرة ومن نيرة نفسها .. وهنا كانت الصدمة التي فجرت الشر الكامن بداخله !. •• كان الرفض بمثابة حجر أُلقى في وجه هذه الهالة الوهمية التي صنعها لنفسه من قبل، وعلى مدار سنوات "الحرمان".. ومن لحظة الرفض المزدوج من نيرة ووالدها بدأ ذلك الوحش الشرير يخرج من عرينه، من داخل ذاك النفق المظلم بداخل الجاني الذي كان قد قيده محمد عادل بهذه السلسلة المتمثلة في شعار هذه الهوية : (محمد عادل الطالب التقي والمتفوق) ..!
•• منذ لحظات مشهد الرفض بدأ محمد عادل أول خطوات التحول وتكسير هذا التابوه الوهمي، بعد أن ادرك حقيقته ففتح الابواب على مصراعيها لبركان الغضب الذي كان بداخله .. لم يهدأ ولم ينم، بعد أن تحولت مشاعر الإعجاب لحمم من نار الانتقام، بعد أن شعر بالمذلة والإهانة ..! وفي الحقيقة هي لم تكن إهانة ولا إذلال بقدر ما كانت ممارسة طبيعية لحق نيرة في الرفض وحقها في تصور فارس حياتها كما تشاء .. لكنه لم يعتبره حقها ..!
لم يفق ولم يعد لرشده ..! وبدأ المجرم يتساءل ؛ كيف يسمح ل نيرة وأبيها أن يرفضونه ويهينونه ويوبخونه ويستهينون به وكيف يشتكيه أبوها لخاله وكبار منطقته ! وهو الذي قد شيد لنفسه صرحا كبيرا ! ولم يكن يدر أنه صرح من خيال إلا بعد أن رآه ينهار أمامه ! ومن أطلاله قرر أن يهيل جزءا منه بل كل أطلال الوهم فوق جثة نيرة !
•• إن مشاعر الحب التي كان يدَّعيها لم تكن سوى جانب من أوهامه لأنه أراد أن يعيش "قصة حب" مثله مثل زملائه الذين ضللوه وملأوا قلبه غيرة وحقدا وغلا !.. كشف عن وجهه القبيح الذي حاول إخفاءَه طويلا فاستمر في مضايقتها وتهديدها ومطاردتها وتوعدها بالانتقام منها ومساومتها وشتم أهلها عبر حسابات خاصة به، بالرغم من بلاغاتهم وشكواهم والمجالس العرفية ! بالطبع هو لم يفعل ذلك من أجل عودتها فهو ادرك أنها لن تكون له .. لكنه يشف غله وحقده وعقده النفسية، وكلما تنصلت المسكينة الضعيفة وحاولت ابعاده عنها وعن طريقها كلما اعتبره تكبرا عليه وتنمر عليه فازداد غيضا على غيظ! فاكتملت أسباب الشر إلى أن قرر الانتقام وإنهاء المسرحية بالمشهد الدموي .. ولأنه مهزوز الشخصية وجبان لجأ للحبوب المخدرة التي تفصل بين جانب الوعي واللاوعي عنده، ليمنح اللاوعي فرصة القيام بالمهمة الشنيعة تلك الجريمة البشعة.
•• ابدا لم يكن محمد عادل طفلا طبيعيا ولا شابا سويا على الإطلاق ! بل كان لديه كم كبير من عقد الشر الكامنة في باطن شخصيته، وفي قلبه الحاقد والساخط.. ولو بحثت لوجدت مثل محمد الكثيرين وليس بالضرورة أن يكون قاتلا؛ بل ربما يرتكبون جرائم أبشع وأبشع ! ربما كان فساد وإفساد بعيدا عن أعين الناس وعين القانون . لكن ليس ببعيد عن عين الله الذي يرانا ولا نراه وهو الرقيب علينا وهو المنتقم العزيز الجبار .
تنويه : "الحرمان" قد يخلق داخل صاحبه عقد تكون حمما لبراكين غضب وحقد وغل !..
وقد يخلق "الحرمان" داخل صاحبه ثورة نجاح، وتحقيق ذات، وتحولات إيجابية مبهرة وخارقة للعادة ..
دمتم سالمين
إضافة تعليق جديد