مرت سنوات تلو سنوات ولم يُدرك (صاحبنا) أن غيابه الطويل (عنهم) دشَّنَ أسوارا عالية وجدران عازلة بينه وبينهم، لم يشعر أن سنوات البُعد خلقت جفوة ثقيلة في النفوس، ومع الوقت تحولت إلى جفاء مُستَبِد، ربما من كل الأطراف على حَدٍ سواء (هو والزوجة والأولاد).. فلقد أصبح ثوب العلاقة ذات ثقوبٍ كثيرةٍ، ومن خلال تلك الثقوب والفجوات تساقطت الكثير من الأحاسيس والمشاعر واحدة تلو الأخرى، ومن ثم ضعفت الروابط الإنسانية وفَتُرت واهترأت أواصر الحب والعاطفة القديمة فطفت القسوة من خلالها ومن حولها ..! لقد سرقته سكين السفر والترحال، وكلما نبَّههُ أحدُهم لخطورة ما آل إليه حالُه ؛ تهَّرب منهم ولم يُعِرهُم اهتماما، فهو غير مُصَّدِق إلا نفسَه غير مبالٍ لظروف ضحاياه وغيد مُقدِر لمشاعرهم ! بل ويسخر من كلامهم وتنبيهاتهم وأجراس الخطر التي تدق من حوله سمعها غيرُه بينما هو جاعل أصابعه في أذنيه ثم يواصل السير في أودية غريبة لا يعلم خفاياها غيرُه، أودية أودت به في النهاية إلى وبال وبلايا ومواقف شائكة وصلت إلى حَدِّ المهاترات وحَدِّ العقوبات العُرفية والقضائية ! ولا عذر له فقد كان على علم بما فيها من تجاوزات لا يقبلها عقل ولا منطق ولا ترضاها الإنسانية !.. ظل صاحبنا على نفس المنوال لا يقبل لوما ولا عتابا رغم ما حوله من مشكلات وما عليه من حقوق ومستحقات والتزامات عائلية ومادية، غير آخذ بنصيحة أحد وغير مبالي للفجوة التي ازدادت اتساعا وغُصة ومرارة، حتى أصبح بائسا هزيلا يبكي حاله المزري وهو يشاهد نتيجة أفعاله وتصرفاته وتراكمات السنين العجاف التي تطوف به كلما عادت له الذاكرة أو دق على بابه أحد ضحاياه ! .. تذكر صاحبنا تنبيهات الناس وتوصياتهم، وتذَّكر تجاوزاته ولامبالاته، وأخذ يلوم نفسه على ما فرَّط في جنب حاله و(حالهم) ! فماذا يفعل الآن وقد ضاع ما لا يمكن استرجاعه، وكُسِر ما لا يمكن إصلاحه البتة ! فما كان منه سوى إلقاء اللوم عليهم تارة وعلى غيره تارة أخرى ! وفي محاولات بائسة يائسة لتبرير ما آل إليه ؛ أصبح يظهر أمام الناس مرتديا ثوب "الضحية" ! وأحسب أن ما يقوله الآن ما هو إلا ذراً للرماد في العيون التي ترى بجلاء ما يحاول إخفائه عبثا ! فقط هو أراد بذلك الهروب من مواجهة نفسه والآخرين،، وها هو الآن يحمل "حصَّالة الوعود" حصَّالة "ممتلئة" بالوهم والآمال الضائعة ؛ "فارغة" من كل ما هو حقيقي ! مع استجداء عاطفة من حوله بعد أن جعل من نفسه القاضي والضحية والجلاد !
إضافة تعليق جديد