المنصة بوست : ندى الجابري - العراق
جلسنا كعادتنا اليومية تحت ما يسمى سقف المنزل، أطفالنا يلعبون كأنهم ملائكة. لم تربكنا تهديدات العدو ووعيده بتسوية ما يؤينا مع الأرض، لم نخطط للهروب من جحيم القصف، ولكن اتفقنا على الصمود تحت ني_ران القنابل لأنها ضريبة الفرار إلى الجنة، نعم، إلى الجنة! هكذا هي إرادتنا: الفرار من صخب الحياة وقسوة الغزاة إلى رب السماء، إلى حيث الرحمة والعطف.
منا من هو جالس أو منهمك في عمله، وأطفالنا بين من يلهو ويلعب ونائم، إذ سمعنا دوي الانفجار ليسقط فوقنا سقف ذلك المنزل وجدرانه، الذي أمضينا فيه أجمل أيامنا وذكرياتنا الحلوة والمرة، انهال الردم علينا من دون أن نرفع أيدينا لصده، وقد سلمنا لله أرواحنا بشكل مطلق فراراً إليه من بطش البشر وجحودهم. اندثرنا تحت ركام البنايات بين رأس مهشوم أو مقطوع أو جثة مشوهة، الأطفال الرائعون تبضعت أجسادهم الرقيقة، كوردة الجوري عندما تتساقط أوراقها الأنيقة وعطرها يفوح ليملأ المكان رائحة من الجنان. حزمنا أرواحنا لله سبحانه وتعالى بهجرة جماعية تحفها ملائكة الرحمة إلى الملكوت الأعلى، لم نعد نشعر بالألم أو صوت الصواريخ وعصفها الهادر بل لن نشعر بعالمٍ يضج بالظلم وهيمنة المحتل، لن نحتاج إلى العون من المخلوقات، فالمدد الإلهي أنقذنا من عالم متهالك إلى عالم آخر لم نعهده من قبل، ما شاهدناه لم نره من قبل، احباؤنا واهلنا؛ لا تبكو لفراقنا، نحن مطمئنون برحمة الله والنعيم المقيم الذي لازوال له. فررنا من عدوه إليه، فررنا باشلاءٍ متساقطة هنا وهناك، بجثثٍ متفحمةٍ، وعيون خرجت من احداقها تنظر شوقاً للسماء، انها ملحمة، واي ملحمة؟ ملحمة الحق والباطل، الكفر والإسلام، الحسين الشهيد والطاغية يزيد، ملحمة الخلود بانتصارِ الدم على النار، ملحمة فرار الأرواح، ولكن أي فرار! إنه (الفرار إلى الجنة) ...
إضافة تعليق جديد