استكمالا لما عرضناه سابقا في ملف التحرش ، فنستعرضه من بعد المراحل الجامعية ...
فتلخص مسؤولة وحدة الدعم النفسي في مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، ميرا مرقس، دوافع الصمت في حالات التحرش الجنسي في ثلاثة أسباب: الشعور بالخزي والإنكار واليأس.
وتقول ميرا إن "الشعور بالخزي هو رد فعل تلقائي لمن تعرضن للإيذاء الجنسي، إذ تُسبب الواقعة إحساسا بالدونية يُضاف لتراكمات التربية التي تنزع ثقة النساء بأنفسهن من الأساس، وهو ما يجعل الضحية تنحي بالائمة على نفسها، وبالتالي تشعر بالخزي أكثر لتدور في حلقة مفرغة.
وتضيف أن : "هذه المشاعر السلبية تجعل النساء يملن إلى إنكار ما حدث أو التقليل منه كالتعامل مع الاعتداء على أنه مجرد تودد أو التحرش على أنه "معاكسة" وذلك لرفضها رؤية نفسها ضحية أو للهروب من جلد الذات. وهذا يقود للشعور باليأس وقلة الحيلة ، فالمجتمع الذي يلوم الضحية ويصفق للجاني بالضرورة لن يكون منصفاً وبالتالى فالحكي لن يجدي نفعا بل سيتنزف قواها في الدفاع عن نفسها وهى مستنزفة أصلا مما تعرضت له من إيذاء".
"يعزز الشعور بقلة الحيلة أيضا ثقافة التبرير الدائم للرجل" كما تقول الناشطة النسوية في لبنان، حياة مرشاد، فضلا عن غياب دولة القانون إذ لا توجد قوانين تحمي النساء من العنف الجنسي فى لبنان، الأمر الذي يجعل الوصم اللاحق على الحكي بلا مقابل.
وبرغم وجود مثل هذا القانون فى بلد كمصر إذ يعاقب القانون على جريمة التحرش بالسجن 6 أشهر تصل إلى عام إذا تكررت، إلا أن ثقافة الإفلات من العقوبة كما تقول مي صالح عضو مجلس أمناء مؤسسة المراة الجديدة عرقلت فعالية هذا القانون لسنوات.
إذ لا تُعطى الأولوية لقضايا العنف الجنسي ولا يُتعامل معها بجدية حتى عند تقديم البلاغات للشرطة باعتبار قضايا السرقة والإرهاب أهم. كذلك إجراءات القبض على الجناة وملابساتها تسمح بالإفلات من العقوبة.
كما يتم تشتيت الناجيات عند إبلاغ الشرطة في قضايا جانبية حول إثبات ماهية ما حدث وإيجاد أدلة بدلا من توجيه الاتهام للجاني ومطالبته بتبرير نفسه إن شكك في رواية المجني عليها بحسب ميرا، المستشارة النفسية ، التي تؤكد أن "هذه الإجراءات تزيد من خوف النساء من عدم تصديقهن ما يدفعهن للسكوت ومن ثم يفلت الجاني بفعلته التى تظل طي الكتمان".
وبذلك تكون النساء محاطة بدائرة محكمة من الخوف على سمعتهن مروراً بالخوف من تهديدات وابتزازات المتحرش إلى الخوف من فقدان وظائفهن والخوف على مستقبل حصولهن على فرص في العمل والعلاقات والتعليم، وإذا تجاوزت كل هذه المخاوف لتبوح، تصطدم بالخوف من التشكيك في روايتها.
وجميع النساء يقعن فريسة لهذه الدائرة من المخاوف لافرق بين متعلمة وأمية وغنية وفقيرة، وواعية بحقوقها وغير واعية كما تؤكد ميرا ومي وحياة من واقع احتكاكهن بقضايا الناجيات من التحرش....وإلينا بعض تلك الروايات :.
مي صلاح وابنتها:
بدأت مى صلاح قصتها مع التحرش عندما كانت تسير حاملة ابنتها خلال أحد الأيام الممطرة، وتقول: كنت أحاول حمايتها من هذا البرد الشديد وأضمها لصدرى بشدة محاولة منع المياه من الوصول إليها، رغم علمى أننى لن أتمكن من فعل ذلك بشكل كامل، ولكننى كنت أحاول خوفًا من إصابتها بالمرض ، وتستكمل حاولت البحث عن «تاكسى» يقلنى معها إلى المنزل، وأثناء ذلك توقفت سيارة بها ثلاثة أشخاص وعرضوا توصيلى بحجة الطقس السيئ والطفلة، رفضت وابتعدت عنهم بسرعة، لا أعرف لماذا شعرت أن هناك شيئا ما وراء هذا الطلب، وأن الأمر ليس «شهامة» منهم لتوصيل سيدة تحمل طفلة فى المطر، ابتعدت خطوات لأجدهم يعودون بالسيارة للخلف ويقتربون منى، ويحاولون جذبى أنا وطفلتى داخل السيارة، ظللت أصرخ بشدة فى مكان من المفترض أنه ملىء بالأشخاص، لكن للأسف لم ينقذنى أو يلتفت إلى أحد.
وجدت نفسى أصارعهم بمفردى دون أى مساعدة من أحد، فتشبثت بابنتى بشدة، ودفعتهم بقدمى وأنا أصرخ بشدة، الأمر الذى دفعهم لتركى فى النهاية خوفًا من أن يتعرض لهم أحد نتيجة لصراخى الشديد، ظللت بعدها أبكى فى الشارع بهيستيريا حتى استطعت أن أصل لمنزلى بسلام مع ابنتى، لكننى للأسف فقدت الثقة فى كل شىء بعد هذا الموقف، وظللت فى حالة نفسية سيئة لمدة يومين تقريبًا، وكلما تذكرت الموقف حتى الآن أشعر بالرعب.
أميرة وأقاربها:
أما أميرة مجدى فهي مختلفة قليلًا عن سابقتها، فالمتحرش كان أحد أقاربها، تحكى القصة قائلة: كنت طفلة لم تتجاوز العشر سنوات، وكانت عائلة أبى مترابطة كثيرًا، ومنزلنا مفتوح دائمًا أمام أعمامى وعماتى فى أى وقت، ورغم أن والدى كان أصغرهم سنًا، إلا أنهم جميعًا كانوا يعتبرونه «كبير العيلة»، لذا كانت عمتى وأسرتها يزورونا بشكل شبه يومى، وكنت أذهب لإلقاء التحية عليهم، واللعب مع أبنائها ، وتستطرد فتقول بدأت القصة حين كان زوجها يصر على اللعب معى، ويطلب منى الجلوس على «حجره»، هذا الأمر الذى يعد طبيعى فى أغلب الأوقات، خاصة أننى طفلة صغيرة لا أعى أى شىء عن فكرة التحرش من الأساس، استمر الأمر لسنوات دون أن أفهم غرضه، ولكننى كنت أشعر أن هناك شيئا مريبا يحدث ولا أعرف ما هو ، ولهذا قررت أن أخبر أمى برفضى التعامل زوج عمتى معى، وعندما أخبرتها أننى لا أريد اللعب معه لأن جلوسى على قدميه يجعلنى أشعر بشىء مريب، فهمت ما أردت قوله دون أن أفهمه أنا حتى، وأخبرت بدورها والدى، الذى منعه هو وأسرته من دخول منزلنا مدى الحياة، ومع مرور السنوات عادت علاقة الود بين أبى وأخته إلى سابق عهدها، أما زوجها فما زال ممنوعا من دخول منزلنا، ورغم مرور سنوات طويلة على هذه الذكرى السيئة، التى طبعها هذا الرجل فى ذاكرتى، إلا أننى أتذكرها دائمًا، وأحاول حماية ابنتى من التعرض لنفس الأمر، وأحرص على ألا أعطى الثقة لأقرب الأشخاص إليها.
بسمة وسواق التوكتوك:
كعادتها اليومية تسير بسمة محمد مع صديقاتها متوجهات إلى أحد دروس الثانوية العامة، التى تجعلهن يقضين معظم يومهن بالشارع متنقلات ما بين مراكز الدروس الخصوصية ، وكعادة التاكتك، التى أخذ من الشوارع والأرصفة وأقدام المواطنين طرقًا ممهدة تسير عليها غير عابئة بأى شخص يمر بجوارهن ، ليقرر أحد سائقى التكاتك الخروج عن مساره ومتابعة بسمة وصديقاتها ، فلم تشعر الفتيات بشىء غريب فى توك توك يسير بجوارهن أو يلقى عليهن معاكسات سخيفة من نوعية «أحلى واحدة فيكم اللى برجل واحدة» فهذه هى سُنة التعامل فى الشارع المصرى حاليًا ، لكن بدأت الريبة تتغلغل إلى قلب بسمة حينما لاحظت التوك توك يبطئ من حركته ويحاول أن يسحبها من بلوزتها من الخلف ، لكنها تسرع من خطوتها فلا يلحق، لتبدأ معركتها معه ، كنت مع 3 صحابى ورايحين درس تاريخ ، ولما لاقيته عاوز يشدنى بقيت أمد عشان أطلع على الرصيف ، بهذه الكلمات بدأت بسمة محمد صاحبة الـ 16 عاما حديثها لـ اليوم السابع وقالت : بطبيعة تواجدنا فى الشارع للذهاب إلى الدروس اعتدنا على مضايقات التكاتك ، لكن كانت لا تتعدى المعاكسات فقط، لكن هذه المرة سائق التوك توك كان مصرًا أى يسمك بجسدى ويشدنى إلى البلوزة ، وفى كل مرة يحاول أن يمسك بى يضع يده على مكان فى ظهرى ، حتى صرخت فى الشارع وأخذنا نجرى أنا وصديقاتى واختبأنا عند أحد المحال حتى اختفى من الشارع ، ومن وقتها وأنا بترعب أمشى فى الشارع.
صبا مسكها تحت بيتها :
تقترب الساعة من السابعة والنصف مساءً ، وتقترب صبا مصطفى صاحبة الـ 20 عاما من بيتها ، فلا يفصلها عنه سوى بعض الأمتار التى تسيرها وهى واضعة سماعات هاتفها المحمول فى أذنها، وتفكر فى الطعام ، الذى أعدته والدتها بعد قضاء يوم شاق فى الجامعة ، الزحام متوسط فى الشارع المؤدى إلى بيتها ، وتأمن أصحاب المحال الذين يعرفون ابنة المنطقة جيدًا ، لذلك تسير بخطى منهكة حتى تصل إلى باب العمارة التى تقطن بها ، بينما تنزع صبا سماعة الهاتف من أذنها لتتصل بوالدتها تسألها هل تريد شيئًا قبل أن تصعد ، لتجد أصابع تعبث بمؤخرتها بشكل سريع جدًا، ثم تعالى ضحكات الشابين اللذين جريا مسرعين، وتركاها فى صدمتها لا تعرف ماذا تفعل وهى أمام مدخل العمارة ، هل تصرخ أم تصمت أم تستغيث بأحد أخوتها ، ولم تجد سوى بكائها ونظراتها ، التى تخشى أن يكون أحد من الجيران رأى ما حدث لها.
(كان يوم أسود فى حياتى) ، كما وصفته ، التى مرت بها وهى فى عامها الثانى من الجامعة ، وتقول : الحمد لله كنت بسمع صديقاتى يتحدثن عن التحرش، وكنت أردد الحمد لله لم أتعرض لأى موقف من قبل، لكن فى ذاك اليوم المشؤوم كرهت حياتى، لأنى تعرضت للتحرش أسفل بيتى، فمن الطبيعى أنأى شخص يشعر بالأمان فى الشارع الذى يسكن فيه وفى مكان سكنه ، لكننى حينها فقدت شعورى بالأمان تمامًا ، وظللت بعدها أكثر من شهرين أنزل مع أحد أخوتى، وأفكر هل شاهدنى أحد جيرانى، وأسأل نفسى من أين ظهر هذان الشابان لم أشعر بأى أحد خلفى، حتى البلوزة التى كنت قد أرتديتها فى ذاك اليوم، لم أعد أرتديها بعدها أشعر بأنها تحمل إهانة وحسرة لا أستطيع التخلص منها طوال حياتى .....وذلك حسب تصريحاتهم لليوم السابع.
إضافة تعليق جديد