رحلة «شهبندر التجار».. من ميلاده وحتى وفاته

الجمعة, سبتمبر 10, 2021 - 18
مختارات إقتصادية

فريدة صلاح الدين

محررة صحفية

من هو محمود العربي؟

محمود العربي ولد 1932 في المنوفية، مصر - توفي 9 سبتمبر 2021 هو رجل أعمال مصري، وعضو برلمان سابق، وكان رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات العربي (العربي جروب) التي تأسست 1964 والعاملة في تصنيع وتسويق الأجهزة المنزلية والمالكة لتوكيلات مثل شارب وتوشيبا وسيكو.

في 1942، حطّت أقدام محمود العربي في منطقة الحسين، طفلاً يافعاً لا يحمل في جعبته سوى شهادة الكتاب، وناظراً إلى آمال قد تهديها له قاهرة المعز، التي لا تعطي بلا مقابل.

لقطات من حياة رجل الأعمال محمود العربي؟

 لم يكن والد العربي، رجلا مرفهاً، فيحكي عنه "كان والدي فقيراً لا يمتلك الأراضي لكن يزرعها مستأجراً، ألحقني بالكتاب وأنا في عمر 3 سنوات، حفظت القرآن الكريم، وعرفت الفرق بين الحلال والحرام، وسرت بهذه التعاليم للنهاية".

كان محمود، يمارس ذلك منذ كان في الخامسة من عمره على أقل تقدير، يستقدم بضائع القاهرة إلى بلده بمساعدة أخيه غير الشقيق، في موسم الأعياد، ويستعد كل مرة إلى الموسم المقبل، فيتاجر بأصل المبلغ وأرباحه.

إعلان

في لقاء تليفزيوني ببرنامج العاشرة مساء، مع الإعلامية منى الشاذلي، قبل سنوات، يحكي الحاج محمود العربي، عن طفولته وفرصته الأولى ليكون تاجراً، قائلا :"أنا أُحب الناس، أعرف أن الناس لها حقوق عندي، عملت في محل وكان عملائي في هذا الوقت طلاب المدارس، الناس تشتري فقط وأنا موجود، فقرر صاحب المحل تركه لي للحفاظ على مكسبه، وكنت أتقاضى 120 قرشاً شهرياً، وبعد 7 سنوات وصل أجري إلى 3.20 جنيه".

لم ينضب طموح العربي، وأراد أن يعمل في تجارة الجملة، وبدأ في محل بـراتبٍ 4 جنيهات، ولم يكن للعربي أن يلتحق بالخدمة العسكرية، لأن مواليد سنة 1932 لم يكن لهم جيش، لكنه أصبح الوحيد من بين أقرانه الذي أدى خدمته، لمدة 3 سنوات قضاها مجنداً.

أنهى خدمته في أغسطس 1957، وعاد محمود شاباً يستكمل عمله في محل تجارة الجملة، تزوج وأنجب 6 أبناء، لتصل مدة عمله تاجراً للجملة إلى 15 عاماً، حتى وصل راتبه 27 جنيهاً في عام 1963، وحينها قرر أنها خطوة اكتملت.

اتجه العربي، لشراكة مع ممول لافتتاح محل خاص بالموسكي، وبدأ برأسمال 4 آلاف جنيه، مقابل 50% من الإيرادات للشريك، واشترى بضائع بالآجل، مستفيداً بعلاقاته الطيبة مع التجار، واعتمد سياسة زيادة المبيعات بهامش ربح منخفض.

بعد سنوات الجيش وما يمكن تعلمه من العمل والحياة، استجمع العربي قوته، فتح شركة خاصة مع عائلته وأخوته، تاجر في الأدوات المكتبية، وأصبحت شركته متفردة، لكن قرار الحكومة بوقف تجارة الجملة وتسليم الطلاب أدواتهم مباشرة أوقفت عملهم مع المصانع.

"حصص إخواتي في الشركة كانت وفق الشرع، الثلاثة رجال مثل بعض، والبنات مثل بعض بنصف حصة الرجال زي الشرع، لم نفكر أن نستبعدهم بسبب أزواجهم، أحنا آمنّا الأزواج على حتة مننا" وفقاً لما قاله.

اضطرت الشركة إلى التجارة في ما يتم عرضه في السوق من البضائع القادمة من ليبيا ولبنان، كانت بينها تلفزيونات ومع الوقت أصبحت الأدوات الكهربائية هي تجارته الرابحة التي واصل عمله فيها، وخدمه الانفتاح الاقتصادي في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، لبناء إمبراطوريته.

بعد عام من التعامل مع تجار يابانيين، جاءت زيارة العربي لليابان في 1975، نقطة تحول وانطلاقة العربي، فاليابان التي كانت رائدة في الصناعة، فتحت للعربي طريقاً لنشاط توكيلات الأجهزة المنزلية، وباتت التجارة أكبر وأشمل، ثم دخل الصناعة ليخدم التجارة.

لكن العربي لم يكتف بكونه تاجراً، فأحب أن يكون طرفاً في القصة، وافتتح أول مصنع له في المنوفية، ليصبح واحداً من الذين غيروا ثقافة البيع بالوكالة في مصر، وصعدت على أكتافه علامات تجارية عالمية لم تكن لتحظى بمثل هذا في مصر لولاه.

يقول العربي "عندما رأيت مصانع اليابان شعرت إني لا أستحق ما آكله، وقلت لماذا لا نفتح مصنعاً في مصر، وعدت مقتنعا بالفكرة، واشتريت 3 أفدنة في بنها، وبنيتها، وتوصلنا في آخر السبعينات بعقد 40% تصنيع محلي لمراوح توشيبا، ثم الشفاطات والمسجلات ثم التلفزيونات".

يرى العربي، أن البرلمان والسياسة مضيعة للوقت، مقارنة بمكسب تجارته ومصنعه، كما يؤمن بـ"عتبة الخير" فاحتفظ بأول محل فتحه في الموسكي، فيما يتمسك بأنه لا تجارة مع إسرائيل.

يقول العربي "إسرائيل تذبح أبنائي كيف يمكن لواحدٍ منهم أن يقابلني ليتحدث عن تجارة وصفقات.. لن أقدم على ذلك إلا في حال وجود دولة فلسطينية، أنا لا أحب إسرائيل".

لم يحب العربي توصيف نفسه كرجل أعمال ويراها مسمى ترفيهي، لكنه يفضل لقب "تاجر" وهي مهنة الأنبياء، كما يرى أن التجارة منافسة، وأن "التاجر اللي ميخسرش عمره ما يكسب، العرض والطلب هو سيد الموقف، طالما مفيش احتكار يبقى أخدم الزبون أكثر وأجيب بضاعة أحسن".

يقدم العربي، حقوق الدولة على نفسه، ويرى "أموال الحكومة والضرائب والجمارك هي بالأساس أموال الناس"، كما يرى أن موضع الأموال لا يجب أن يكون القلب "اللهم أجعلها في يدي وليس في قلبي، المادة إذا دخلت القلب أصبحتُ عبداً للفلوس والفلوس هي اللي تسيّرك".

كان يأمل العربي، أن يعمل معه كل عام ألف موظف جديد، فيقول "بدأ العمل معي شخص واحد وتمنيت حينها أن يكون معانا 10.. في عام 2000 كان وصل عدد العاملين معي ألفي عامل، دول معانا لا أقول أن أحد يعمل عندي، لأن الحقيقة أنه يعمل معنا ونعمل معه، ونزيد كل سنة ألف شخص، كل ما نوسع في العمالة ربنا بيكرمنا، القصة مش فلوس".

ولأن القصة ليست أموالاً، كان رحيل "العربي" بعد نحو 80 عامًا من الكفاح، في شوارع المحروسة، محملاً بالدعوات، ليرافقه إلى مثواه الأخير في مقابر العائلة بالمنوفية، بعدما فارق الحياة في 9 سبتمبر 2021، عن عمر ناهز الـ 89 عامًا.

كان العربي أبرز رجال الأعمال العصاميين وأحد أعمدة ما عرف بالرأسمالية الوطنية، حيث كانت حياته مثالا للكفاح، وجمع ثروته التي تجاوزت مليارا و500مليون جنيه من مبلغ بسيط، بدأ به حياته وتجارته وكان لا يتجاوز 40 قرشا وهو أقل من نصف جنيه.

كتاب «سر حياتي»

السيرة الشخصية والذاتية لرجل الأعمال تضمنها كتاب له بعنوان "سر حياتي" روى فيه مراحل نموه المهني ونشأته الريفية وكيفية البداية، حتى وصوله لأن يكون صاحب شركات تضم 40 ألف موظف، وكان يطمح أن يصل عدد العاملين لديه إلى 200 ألف عامل.

أبرز كلمات الراحل..

«مافيش حاجة اسمها حد بيشتغل عندنا .. لا هم بيشتغلوا معانا ..الناس دول ربنا سخرنا ليهم وسخرهم لنا».

وفاة رجل الأعمال محمود العربي

توفي مساء الخميس عن عمر ناهز 89 عاما، وقالت مجموعة شركات العربي في بيان نشرته على حسابها الرسمي في "فيسبوك": "ننعى بمزيد من الحزن والأسى وفاة الحاج محمود العربي رئيس مجلس إدارة مجموعة العربي ورجل الصناعة الوطنية والذى وافته المنية اليوم".

جنازة شعبية مهيبة بمسقط رأسه المنوفية

شيع آلاف المواطنين جثمان الحاج محمود العربي، رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات العربي، الملقب بـ«شهبندر التجار»، والذى توفي عن عمر يناهز 89 عامًا، من مسقط رأسه فى قرية أبو رقبة التابعة لمركز أشمون فى محافظة المنوفية.

وأدي الآلاف صلاة الجمعة وصلاة الجنازة أمام المسجد رغم الحر الشديد فى وقت الصلاة.

وكان اللواء إبراهيم أبو ليمون، محافظ المنوفية، رجل الأعمال محمد أبو العينين، عضو مجلس النواب، والدكتور عادل مبارك، رئيس جامعة المنوفية، أبرز المشاركين فى جنازة الفقيد الراحل من مسجد القرية.

وخطب أحد المشايخ علي المقابر داعيًا المشيعين إلي الصمت، لأن الله يحب الصمت عند المقابر، وقال إن الفقيد ماذا بينك وبين الله يا حاج يا حاج محمود حتى يسوق الله قلوب الناس وأفئتدتهم إليك، وأن الصالحون كان يعرف صلاحهم بجنائزهم.

وأضاف خطيب على المقابر فيما معناه، «أن رسول الله صلي عليه وسلم قال إن الله إذا أحب عبدًا نادي فى أهل السماء إني إحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم ينادي جبريل يا أهل الأرض إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيوضع له القبول فى الأرض.»، وختم كلامه بالدعاء للفقيد.

وسيطرت حالة من الحزن على محافظة المنوفية عمومًا ومركز أشمون خصوصًا وقرية أبو رقبة مسقط رأس «العربي» على الأخص، عقب الإعلان عن وفاته اثر أزمة صحية.